"سوق حلب" في مدينة برلين الألمانية
"سوق حلب" في مدينة برلين الألمانية

"بدأت حياتي في ألمانيا من مرحلة الصفر، وهدف مشروعي لم يكن الربح المادي فقط، بل إظهار صورة حضارية عن بلدي"، تتحدث السيدة السورية صبا شيخ دية بحماسة عن مشروعها التجاري الذي استوحته من سوق مدينتها حلب، والذي لاقى قبولاً ونجاحاً في بلاد المهجر، معتمدةً على اجتهادها الشخصي، والدعم العائلي.

صبا (39 عاماً) تتحدّر من مدينة حلب، ودرست في جامعتها الاقتصاد والتجارة. لم يُثنها زواجها واهتمامها بأطفالها عن تحدّي الظروف رغم الصعوبات التي بدأت مع الحرب التي أجبرتها، مع آلاف السوريين غيرها، على مغادرة مدينتها إلى لبنان في العام 2012.

تقول صبا إنها عاشت وعائلتها في لبنان مدة عامين، وتسرد بعضاً من الصعوبات التي واجهتهم هناك، وأبرزها نظرة المجتمع للسوريين، بأنهم باتوا عبئاً على الاقتصاد المحلي وسط عدم ترحيب بهم من قبل فئة من السكان. وتوضح أنها لم تكن تعتمد على المساعدات، إنما عملت في مشغل خياطة لإعالة نفسها وعائلتها. وتشكو من أن وقت العمل كان طويلاً يقارب عشر ساعات في اليوم، مقابل أجر مادي لا يتجاوز 150 دولاراً شهرياً، وهو ما لا يكفي لمعيشة العائلة المؤلفة من 4 أشخاص (هي وزوجها وطفل وطفلة)، ثم عملت معلّمة في مدرسة خاصة باللاجئين لمدة عام.

من الصعوبات إلى "مرحلة الصفر"

في العام 2014 بدأت نقطة تحوّل في حياة صبا وعائلتها، حيث تمّ قبولهم في برنامج لإعادة التوطين تابع للأمم المتحدة، وكانت الوجهة الجديدة ألمانيا.

تروي السيدة السورية أن الصعوبة الأكبر في حياتهم الجديدة في ألمانيا كانت اضطرارهم إلى البدء بها من الصفر، ولا سيّما ضرورة تعلّم اللغة الألمانية. وجاءت فكرة المشروع بعد تعلّم اللغة الألمانية، وتحديداً في العام 2018. تقول صبا إن المنطقة التي سكنتها في العاصمة برلين، كانت تفتقد أشياء كثيرة تتعلق بنوعية الطعام وبعض المأكولات السورية غير الموجودة، إضافة إلى الحنين المرتبط بالأسواق القديمة في مدينتها حلب.

من هنا، "بدأت الفكرة بأني أريد أن أقدّم لأولادي وأهل بلدي اللاجئين مأكولات سوريّة غير موجودة بطبيعة الحال في ألمانيا"، تقول صبا لـ"ارفع صوتك"، وتتابع: "معظم الوافدين إلى هنا شباب أو بنات يعيشون وحدهم بلا عوائل، ما يجعلهم فئة مُستهدَفة في مشروعي". بدأت صبا بالتسويق لمأكولاتها عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي (فيسبوك، انستغرام)، في بيتها الصغير حيث حظيت بدعم أولادها، وزوجها الذي يساعدها في إعداد الطلبات، وشحنها والتواصل مع الزبائن.

أخوها عمر كان يساعدها في قضايا الترويج، كما تقول صبا، وفيما كانت هي منهمكة في التعرّف إلى "اهتمامات السوق"، كان عمر يعمل على إعداد موقع إلكتروني لمنتجات أخته، بحكم اختصاصه في هذا المجال.

التحوّل في مشروع صبا كان عندما قرّرت في العام 2022، الانتقال بمشروعها من العالم الافتراضي، إلى استئجار متجر تعرض فيه منتجاتها، وهذا شكّل بالنسبة لها تحدّياً كبيراً، لأنها أرادت أن تثبت للمواطنين الألمان أن صورة السوريين ليست مقترنة فقط بالحرب والدمار واللجوء، وأنّ لديهم حضارة تقصّدت تمثيلها في المتجر الذي أطلقت عليه اسم "سوق حلب"، حيث تقدّم فيه كل شيء تقليدي، من البهارات إلى "صابون الغار"، إلى المأكولات التراثية.

متجر "سوق حلب" جعلته صبا صورة مصغّرة عن أسواق حلب القديمة، حيث يحوي أجنحة مقسّمة، توحي للزبون بأنه دخل إلى سوق تحوي العديد من المحال التجارية، وتقول إنها نجحت بشكل كبير  في إيصال فكرتها إلى الشعب الألماني من جهة، والمهاجرين من جنسيات ثانية من جهة أخرى.

رغم الصعوبات التي واجهتها، تعبّر صبا عن رضاها بنجاح المشروع، وتقول إنه ليس مشروعاً فردياً في النهاية، بل "مشروع جماعي لي ولعائلتي، كل واحد منهم كان له بصمة ودور في نجاحه".

 

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".