على وقع الأهازيج المحلية التي اكتست طابعاً احتجاجياً، والعبارات التي استلهمت أناشيد الثورة الشعبية السورية عند انطلاقتها عام 2011، أحيا أهالي السويداء (جنوب سوريا) ذكرى مرور 100 يوم على احتجاجاتهم (24 نوفمبر)، بحضور رجال الدين من طائفة الموحّدين الدروز.
وكانت الاحتجاجات التي شملت مركز المحافظة والعشرات من قراها، انطلقت منتصف أغسطس الماضي، إثر قرارات اقتصادية أصدرتها حكومة النظام السوري، اعتبرها السكان "مُجحفة". ثم لم يلبث حراكهم أن اتخذ طابعاً سياسياً مع رفع سقف المطالب إلى وجوب إسقاط النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، وتطبيق القرار (2254) كـ"حلّ وحيد" لإنقاذ ما تبقى من المشهد السوري.
القرار 2254.. مفتاح الحل الضائع في سوريا
بعد 11 عاما من الحرب في البلاد باتت العبارة المختصرة بـ"استنادا لقرار مجلس الأمن 2254" أكثر ما يسمعه السوريون على لسان السياسيين في الداخل والخارج بشتى توجهاتهم ومساراتهم، وبينما ينظر إلى هذه الأرقام الأربعة على أنها "مفتاح الحل السوري المنتظر" لا تلوح في الأفق أي بادرة لتنفيذ البنود التي نص عليها القرار الذي سمي بها، فيما تثار الكثير من التكهنات ما إذا كان قابلا للتطبيق المستقبل أم لا.
وتداول متابعون وناشطون سوريون على منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات مصوّرة لفعاليات اليوم 100 من الاحتجاجات، صدحت فيها أهازيج إبراهيم القاشوش الملقب بـ"منشد الثورة"، وردّد المتظاهرون وراءه أغنيته الشهيرة "سوريا بدا حرية".
وتضمّن إحياء ذكرى 100 يوم الاحتجاجات عدة فعاليات عبّر فيها محتجّو السويداء عن سلمية حراكهم وأحقية مطالبهم، والأهداف التي خرجوا من أجلها. كما رفعوا خريطة بيضاء لسوريا الموحّدة، رسمت عليها حمامة السلام، وسط هتافات "الدين لله والوطن للجميع".
وعلى أنغام الأهازيج الشعبية والجوفيات المحلية "صاح الصايح وطب الأسد خوف"، حمل المتظاهرون أغصان الزيتون، وطيور الحمام، وعلم "الثورة السورية" وشعاراتها الأولى.
مظاهرات السويداء.. واجهة لثقافتها وتراثها محمّلة برسائل وطنية
من أشهر الأغاني الحماسية التي يرددها المحتجون في مظاهرات السويداء يومياً "صاح الصايح وطَبّ الأسد خوف.. ورجال السويداء ما تعرف الخوف"، وأيضاً "سكّر حزب التقارير.. ورحّل حزب الإيراني" في إشارة إلى المطالبة بإغلاق مقر حزب البعث في السويداء ورفض النفوذ الإيراني في المدينة.
"إجماع على المطالب"
الناشط الشاب تيم الفارس، الذي حرص على المشاركة في مظاهرات السويداء منذ انطلاقتها، يقول لـ"ارفع صوتك"، إن الاحتفالات بمئة يوم على الاحتجاجات "أعادت الزخم الأول للحراك"، مبيناً: "راهن النظام السوري وأذرعه الأمنية في السويداء على شعور الناس بالملل من التظاهرات، خاصة مع دخول فصل الشتاء والبرد القارس، لكن المحتجّين أثبتوا أن ماضون في طريق تحصيل مطالبهم مهما طال الوقت".
ويرى أن مشاركة رجال الدين الدروز "منح الاحتجاجات زخماً إضافياً، خاصة أن النظام السوري حاول شق الصف عن طريق محاولة استمالة بعض رجال الدين، غير أنه فشل في هذا الاتجاه، وأثبت أهالي السويداء إجماعهم على نيل مطالبهم".
وكانت القوات الأمنية التابعة للنظام السوري تصدت للاحتجاجات، ببثّ رسائل وتحذيرات إعلامية وأخرى سياسية للمتظاهرين. وتم إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين من مبنى "حزب البعث" في مدينة السويداء سبتمبر الماضي، ما أدى لإصابة ثلاثة بجروح.
كما لم يحقق النظام أياً من مطالب المحتجين الخدمية التي برزت أول الاحتجاجات. تقول الناشطة المدنية راقية الشاعر، إن النظام "يتعامل حتى الآن بإهمال وتجاهل مه مطالب المظاهرات. وهو مُفلس وعاجز عن تلبية أي منها"، على حدّ تعبيرها.
وتضيف لـ"ارفع صوتك"، أن المجتمع الدولي أيضاً "تجاهل" الاحتجاجات بـ"إغفال الحديث عن المطالب السياسية، وأبرزها تنفيذ القرار الأممي 2254. بالإضافة لعدم اتخاذه قراراً بمحاسبة بشار الأسد أو الحديث عن سيناريو إزاحته من الحكم".
"تحرير السويداء"
تقول الشاعر، إن محافظة السويداء "قد تلجأ إلى تصعيد مختلف المظاهرات"، مقترحة "تحرير السويداء من النظام السوري" وفق تعبيرها، وهو ما قد "يشجّع بقية المحافظات على الحراك ضدّه".
وتعتقد أنه "بغير هذه الطريقة، لن يحصل السوريون على حقوقهم، ولا يمكن التعويل بأي حال من الأحوال التعويل على مواقف وقرارات المجتمع الدولي".
تتابع الشاعر: "الحراك السلمي في السويداء بدأ يأخذ شكله التنظيمي أكثر فأكثر، وشيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز وجّه المتظاهرين إلى تشكيل هيئات سياسية ومدنية".
"السويداء كذلك بحاجة إلى مجالس محلية وخدمية تكون بديلاً مناسباً ومستقبلياً عن مؤسسات النظام السوري العاجزة، بالإضافة إلى أن الأهالي يطالبون بفتح معبر خاص للمحافظة مع الأردن، في حال قررت قطع علاقاتها كلياً بالنظام الذي قد يُقدِم على محاصرتها كما فعل سابقاً في محافظات أخرى"، توضح الشاعر.
بعد رفعه في تظاهرات السويداء.. ماذا تعني الألوان الخمسة في علم الدروز؟
أثار علم طائفة الموحدين الدروز، المؤلف من ألوان طولية خمسة هي الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق والأبيض، والذي تصدّر الكثير من تظاهرات السويداء الأخيرة، الكثير من الجدل حول ماهيته، سواء في الداخل السوري أو على مواقع التواصل الاجتماعي.
ماذا تحقق؟
تعتبر الناشطة راقية الشاعر، أن الحراك "حقق إنجازات عديدة"، منها أن "أهالي السويداء يقفون اليوم في صفّ واحد وراء مطالب واحدة لا يمكن التنازل عنها. إضافة إلى إخلاء المدينة والكثير من أريافها، من فروع حزب البعث الحاكم، وتراجع دور الأجهزة الأمنية للنظام في التحكم بشؤون السكان والتسلّط عليهم".
من جهتها، ترى الصحافية والأكاديمية بيسان أبو عسلي، أن احتجاجات السويداء "حقّقت الكثير من الأهداف رغم عدم تحقق المطالب الرئيسة"، مردفةً أن الاحتجاجات تمثل "عودة روح الثورة السورية إلى التوهّج مجدّداً، وكذلك عودة التعددية السياسية إلى السويداء بعد أن قام النظام السوري على مدار عقود بفرض فكرة الحزب الواحد".
في السياق، يقول الصحافي ريان معروف، مسؤول تحرير موقع "السويداء 24": "لا يبدو من الممكن تحقيق المطالب الرئيسة وهي إسقاط النظام والتغيير السياسي، قريباً، لاعتبارات كثيرة يتصدّرها استعصاء الحل السياسي في سوريا وغياب الآفاق لهذا الحل وتجميد القرارات الأممية ذات الصلة كالقرار (2254)".
رغم ذلك، يبين معروف لـ"ارفع صوتك"، فإن الاحتجاجات عملت على "استعادة الفضاء العام، وتعزيز مفاهيم الحرية والديمقراطية، وكبح جماح سلطة حزب البعث، وانتزاع ورقة الأقليات من النظام السوري التي لطالما راهن عليها وادعى أن الأقليات في سوريا مؤيدة له".
يتابع: "لم يتوقف الحراك منذ أكثر من 100 يوم، ومن الواضح أنه مستمر إلى أطول فترة ممكنة، فهناك إصرار من الناس على التمسك بالساحات، وهذا الاستمرار سيكون مرتبطاً بالأحداث والتطورات التي قد تطرأ، فمن الممكن أن يعود الزخم الكبير في أي وقت للحراك إذا ما حصل أي رد فعل عُنفي من النظام، لأن الحراك اليوم استطاع كسب تأييد الحاضنة الشعبية والاجتماعية والدينية في محافظة السويداء".
ويشير معروف، إلى "حراك موازٍ للاحتجاجات يتعلق بتشكيل هيئات مدنية وسياسية، وتكتلات وربما أحزاب في الفترة القادمة"، مردفاً "الفضاء العام مفتوح للناس، والحراك يستمر في إفراز حالة تنظيمية سياسية متنوعة ومختلفة أحياناً، لكنها تتفق على الهدف الرئيس المتمثل بإنهاء الحكم الاستبدادي".
ويعرب عن "إحباطه" بسبب "غياب التغطية الإعلامية العربية لحراك السويداء، رغم صموده أكثر من 100 يوم"، عازياً الأمر لاستحواذ الحرب في قطاع غزة على التغطية والاهتمام الإعلامي.
لكن هذا "الغياب"، يجعل أهالي السويداء يشعرون "كأنهم في جزيرة معزولة"، يقول معروف.