التجارة حولت سوريا إلى دولة مخدرات سمحت لنظام الأسد بتجديد خزائنه
التجارة حولت سوريا إلى دولة مخدرات سمحت لنظام الأسد بتجديد خزائنه

بعد قرابة من خمسة أشهر من مد الدول العربية "غصن زيتون" لرئيس النظام السوري بدأ بعض مهندسي التطبيع مع بشار الأسد يشككون في قدرته على الالتزام بخطوات إعادة العلاقات، وفق تقرير نشرته شبكة "سي إن إن".

وهذا الأسبوع، قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إن تهريب مخدر الكبتاغون من سوريا إلى الأردن قد زاد بعد محادثات التطبيع التي أدت إلى عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية، في مايو الماضي.

وتم طرد سوريا من جامعة الدول العربية، في عام 2011، في أعقاب حملة قمع وحشية من قبل النظام على قوات المعارضة التي سعت إلى الإطاحة بالأسد.

وكانت عمّان إحدى أكبر المؤيدين لإعادة تأهيل الأسد، لكون الأردن أحد الضحايا الرئيسيين لتجارة المخدرات في سوريا، لكن المملكة تشعر الآن أن النظام إما غير راغب أو غير قادر على تضييق الخناق على هذه التجارة، بحسب ما ذكرته الشبكة الأميركية.

وأحد المطالب الرئيسية التي قدمتها الدول العربية لسوريا مقابل إعادة التأهيل هو أن يساعد الأسد في قمع تجارة الكبتاغون.

ويعتقد أن صناعة الكبتاغون تجلب 57 مليار دولار للنظام السوري، بحسب بيانات سابقة صادرة عن الحكومتين الأميركية والبريطانية، وتعد الدول المجاورة ومنطقة الخليج وجهة المخدرات الرئيسية، وفق الشبكة الأميركية.

وحولت هذه التجارة سوريا إلى دولة مخدرات سمحت لنظام الأسد بتجديد خزائنه بعد سنوات من الحرب والعقوبات ومنحته نفوذا هائلا على جيرانه، وكانت مسؤولة جزئيا عن جلبهم إلى طاولة المفاوضات مع الأسد.

وفي علامة أخرى محتملة على الاستياء العربي من الأسد، ذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" المملوكة لسعوديين، هذا الشهر، أن اللجنة الوزارية العربية المكلفة بالإشراف على التطبيع العربي السوري جمدت اجتماعاتها مع دمشق بسبب عدم الرد على خارطة الطريق الموضوعة لتطبيع العلاقات العربية السورية.

من جهته، نفى الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، الجمعة، تلك التقارير، وقال في حديث لـ "سي إن إن" إنها "غير صحيحة".

ويرى إميل حكيم، مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في لندن، أنه ليس من المستغرب أن تصطدم جهود إعادة الإدماج في سوريا بالحائط.

وأضاف حكيم في حديثه للشبكة الأميركية "لم يتم إنجاز أي شيء جوهري بينما حقق الأسد انتصارا رمزيا"، مضيفا أنه من الصعب رؤية كيف يمكن عكس قرار مايو وكيف يمكن استخدام العصا لإجبار الامتثال".

ورأى المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية، سالم اليامي، أن "العلاقات العربية مع النظام السوري تمر بأزمة جديدة".

وقال في حديث سابق لموقع "الحرة" إن "النظام أثبت أنه غير قادر على الإيفاء بما تعهد عليه في الأردن بأن يكون هناك حل لمنع تدفق المخدرات".

وقال الأسد في مقابلة مع سكاي نيوز عربية، الشهر الماضي، إن تهريب المخدرات يزداد سوءا مع الحرب، وبالتالي فإن مسؤولية مشكلة الكبتاغون في سوريا تقع على عاتق "الدول التي ساهمت في الفوضى في سوريا، وليس الدولة السورية". وأضاف أن بلاده، وليس جيرانها العرب، هي التي اقترحت حل أزمة المخدرات لأنه "مفيد للطرفين".

وقال خبراء إن عملية إعادة تأهيل سوريا كانت معيبة.

ويقول إتش إيه هيلير، الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي "المشكلة هي أنه لا توجد في الواقع آلية للمساءلة فيما يتعلق بمبادرة التطبيع".

ويؤكد الأردن أن تجارة الكبتاغون تزدهر، حيث يستخدم المهربون تكنولوجيا متقدمة بشكل متزايد لتهريب المخدر من سوريا إلى البلدان المجاورة.

قال وزير الخارجية الأردني، الصفدي، في تصريح مؤخرا: "نرى زيادة في عدد العمليات" وأضاف "وعد السوريون بالعمل على هذا التحدي معنا، لكن الوضع على الأرض لا يزال صعبا للغاية".

ووصف الصفدي تجارة الكبتاغون بأنها "عملية منظمة للغاية"، حيث يستعمل مهربو المخدرات "تكنولوجيا متقدمة جدا" بما في ذلك الطائرات بدون طيار وأجهزة الرؤية الليلية. 

ويرى الأردن، الذي يشترك في حدود بطول 378 كلم مع سوريا، أن عدم الاستقرار مع جارته يضر بأمنه القومي.

وتبلغ دول الخليج والأردن بشكل روتيني عن ضبط المخدرات، مع محاولة إخفاء كميات هائلة من المخدرات في كل شيء من ألواح البناء إلى شحنات البقلاوة.

وهذا الشهر، قالت الإمارات إنها أحبطت محاولة لتهريب 13 طنا من الكبتاغون بقيمة تزيد عن مليار دولار، مخبأة في شحنة من الأبواب وألواح البناء المزخرفة.

وتقوم القوات المسلحة الأردنية بشكل روتيني بإسقاط الطائرات بدون طيار التي تحلق من سوريا وتحمل المخدر.

يقول الخبراء إن الأسد لم يجد حافزا قويا بما يكفي للتخلي عن تجارة المخدرات المربحة. وما يريده قد يكون من الصعب تحقيقه.

وقال حكيم للشبكة: "ما يريده الأسد دائما ليس شيئا يمكن للدول العربية أن تقدمه أو ستقدمه: دعم سياسي غير مشروط، ومساعدات مالية ضخمة، فضلا عن الضغط العربي لرفع العقوبات الغربية".

ومنذ حضور الأسد، اجتماعات القمة العربية، في شهر مايو الماضي، وما تلا ذلك من لقاءات رسمية جانبية، وصولا إلى الاجتماع الأول لـ"لجنة الاتصال العربية" في القاهرة، أغسطس الماضي، لم يطرأ أي جديد على الملفات الثلاث التي شكّلت أساس الانفتاح العربي على دمشق.

والملفات هي: "إعادة اللاجئين"، وقف عمليات تهريب "المخدرات وحبوب الكبتاغون"، والانخراط ودفع مسارات الحل السياسي بما يتماهى مع قرار مجلس الأمن الصادر في عام 2015، مع استئناف أعمال "اللجنة الدستورية السورية".

وبينما تواصلت عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية إلى الأردن، وتطورت لتشمل عمليات تهريب الأسلحة والمتفجرات، بقي ملف "عودة اللاجئين" على حاله، دون أن يعبر بصورة عكسية أي سوري إلى داخل أراضي البلاد، حيث يسيطر النظام السوري.

ويوضح وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، أن الدول العربية أو "لجنة الاتصال الوزارية" لديها قناعات سلبية بشأن تعامل النظام السوري مع المبادرة العربية.

ومع مرور الأشهر والوقت دون أي استجابة سورية "تعمّقت خيبة الأمل ومعها الإحباط"، بحسب وصفه.

ويضيف المسؤول السابق لموقع "الحرة" في حديث سابق : "المبادرة العربية باتت في موت سريري عمليا، لكن العرب لا يريدون أن يكونوا هم من يعلنون ذلك"، بل "يريدون إعطاء فرصة بعد فرصة، لعله تكون هناك بوابة أو قناعة ومتغيرات لدى الجانب السوري".

مواضيع ذات صلة:

من فعاليات مرور مئة يوم على المظاهرات في السويداء- موقع "السويداء 24"
من فعاليات مرور مئة يوم على المظاهرات في السويداء- موقع "السويداء 24"

على وقع الأهازيج المحلية التي اكتست طابعاً احتجاجياً، والعبارات التي استلهمت أناشيد الثورة الشعبية السورية عند انطلاقتها عام 2011، أحيا أهالي السويداء (جنوب سوريا) ذكرى مرور 100 يوم على احتجاجاتهم (24 نوفمبر)، بحضور رجال الدين من طائفة الموحّدين الدروز.

وكانت الاحتجاجات التي شملت مركز المحافظة والعشرات من قراها، انطلقت منتصف أغسطس الماضي، إثر قرارات اقتصادية أصدرتها حكومة النظام السوري، اعتبرها السكان "مُجحفة". ثم لم يلبث حراكهم أن اتخذ طابعاً سياسياً مع رفع سقف المطالب إلى وجوب إسقاط النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، وتطبيق القرار (2254) كـ"حلّ وحيد" لإنقاذ ما تبقى من المشهد السوري. 

القرار 2254.. مفتاح الحل الضائع في سوريا
بعد 11 عاما من الحرب في البلاد باتت العبارة المختصرة بـ"استنادا لقرار مجلس الأمن 2254" أكثر ما يسمعه السوريون على لسان السياسيين في الداخل والخارج بشتى توجهاتهم ومساراتهم، وبينما ينظر إلى هذه الأرقام الأربعة على أنها "مفتاح الحل السوري المنتظر" لا تلوح في الأفق أي بادرة لتنفيذ البنود التي نص عليها القرار الذي سمي بها، فيما تثار الكثير من التكهنات ما إذا كان قابلا للتطبيق المستقبل أم لا. 

وتداول متابعون وناشطون سوريون على منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات مصوّرة لفعاليات اليوم 100 من الاحتجاجات، صدحت فيها أهازيج إبراهيم القاشوش الملقب بـ"منشد الثورة"، وردّد المتظاهرون وراءه أغنيته الشهيرة "سوريا بدا حرية".

وتضمّن إحياء ذكرى 100 يوم الاحتجاجات عدة فعاليات عبّر فيها محتجّو السويداء عن سلمية حراكهم وأحقية مطالبهم، والأهداف التي خرجوا من أجلها. كما رفعوا خريطة بيضاء لسوريا الموحّدة، رسمت عليها حمامة السلام، وسط هتافات "الدين لله والوطن للجميع".

وعلى أنغام الأهازيج الشعبية والجوفيات المحلية "صاح الصايح وطب الأسد خوف"، حمل المتظاهرون أغصان الزيتون، وطيور الحمام، وعلم "الثورة السورية" وشعاراتها الأولى.

مظاهرات السويداء.. واجهة لثقافتها وتراثها محمّلة برسائل وطنية
من أشهر الأغاني الحماسية التي يرددها المحتجون في مظاهرات السويداء يومياً "صاح الصايح وطَبّ الأسد خوف.. ورجال السويداء ما تعرف الخوف"، وأيضاً "سكّر حزب التقارير.. ورحّل حزب الإيراني" في إشارة إلى المطالبة بإغلاق مقر حزب البعث في السويداء ورفض النفوذ الإيراني في المدينة.

"إجماع على المطالب"

الناشط الشاب تيم الفارس، الذي حرص على المشاركة في مظاهرات السويداء منذ انطلاقتها، يقول لـ"ارفع صوتك"، إن الاحتفالات بمئة يوم على الاحتجاجات "أعادت الزخم الأول للحراك"، مبيناً: "راهن النظام السوري وأذرعه الأمنية في السويداء على شعور الناس بالملل من التظاهرات، خاصة مع دخول فصل الشتاء والبرد القارس، لكن المحتجّين أثبتوا أن ماضون في طريق تحصيل مطالبهم مهما طال الوقت".

ويرى أن مشاركة رجال الدين الدروز "منح الاحتجاجات زخماً إضافياً، خاصة أن النظام السوري حاول شق الصف عن طريق محاولة استمالة بعض رجال الدين، غير أنه فشل في هذا الاتجاه، وأثبت أهالي السويداء إجماعهم على نيل مطالبهم".

وكانت القوات الأمنية التابعة للنظام السوري تصدت للاحتجاجات، ببثّ رسائل وتحذيرات إعلامية وأخرى سياسية للمتظاهرين. وتم إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين من مبنى "حزب البعث" في مدينة السويداء سبتمبر الماضي، ما أدى لإصابة ثلاثة بجروح.

كما لم يحقق النظام أياً من مطالب المحتجين الخدمية التي برزت أول الاحتجاجات. تقول الناشطة السياسية راقية الشاعر، إن النظام "يتعامل حتى الآن بإهمال وتجاهل مه مطالب المظاهرات. وهو مُفلس وعاجز عن تلبية أي منها"، على حدّ تعبيرها.

وتضيف لـ"ارفع صوتك"، أن المجتمع الدولي أيضاً "تجاهل" الاحتجاجات بـ"إغفال الحديث عن المطالب السياسية، وأبرزها تنفيذ القرار الأممي 2254. بالإضافة لعدم اتخاذه قراراً بمحاسبة بشار الأسد أو الحديث عن سيناريو إزاحته من الحكم".

 

"تحرير السويداء"

تقول الشاعر، إن محافظة السويداء "قد تلجأ إلى تصعيد مختلف المظاهرات"، مقترحة "تحرير السويداء من النظام السوري" وفق تعبيرها، وهو ما قد "يشجّع بقية المحافظات على الحراك ضدّه".

وتعتقد أنه "بغير هذه الطريقة، لن يحصل السوريون على حقوقهم، ولا يمكن التعويل بأي حال من الأحوال التعويل على مواقف وقرارات المجتمع الدولي".

تتابع الشاعر: "الحراك السلمي في السويداء بدأ يأخذ شكله التنظيمي أكثر فأكثر، وشيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز وجّه المتظاهرين إلى تشكيل هيئات سياسية ومدنية".

"السويداء كذلك بحاجة إلى مجالس محلية وخدمية تكون بديلاً مناسباً ومستقبلياً عن مؤسسات النظام السوري العاجزة، بالإضافة إلى أن الأهالي يطالبون بفتح معبر خاص للمحافظة مع الأردن، في حال قررت قطع علاقاتها كلياً بالنظام الذي قد يُقدِم على محاصرتها كما فعل سابقاً في محافظات أخرى"، توضح الشاعر.

أثار علم الدروز الاهتمام بعد رفع المتكرر في تظاهرات مدينة السويداء.
بعد رفعه في تظاهرات السويداء.. ماذا تعني الألوان الخمسة في علم الدروز؟
أثار علم طائفة الموحدين الدروز، المؤلف من ألوان طولية خمسة هي الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق والأبيض، والذي تصدّر الكثير من تظاهرات السويداء الأخيرة، الكثير من الجدل حول ماهيته، سواء في الداخل السوري أو على مواقع التواصل الاجتماعي.

ماذا تحقق؟

تعتبر الناشطة السياسية راقية الشاعر، أن الحراك "حقق إنجازات عديدة"، منها أن "أهالي السويداء يقفون اليوم في صفّ واحد وراء مطالب واحدة لا يمكن التنازل عنها. إضافة إلى إخلاء المدينة والكثير من أريافها، من فروع حزب البعث الحاكم، وتراجع دور الأجهزة الأمنية للنظام في التحكم بشؤون السكان والتسلّط عليهم".

من جهتها، ترى الصحافية والأكاديمية بيسان أبو عسلي، أن احتجاجات السويداء "حقّقت الكثير من الأهداف رغم عدم تحقق المطالب الرئيسة"، مردفةً أن الاحتجاجات تمثل "عودة روح الثورة السورية إلى التوهّج مجدّداً، وكذلك عودة التعددية السياسية إلى السويداء بعد أن قام النظام السوري على مدار عقود بفرض فكرة الحزب الواحد".

في السياق، يقول الصحافي ريان معروف، مسؤول تحرير موقع "السويداء 24": "لا يبدو من الممكن تحقيق المطالب الرئيسة وهي إسقاط النظام والتغيير السياسي، قريباً، لاعتبارات كثيرة يتصدّرها استعصاء الحل السياسي في سوريا وغياب الآفاق لهذا الحل وتجميد القرارات الأممية ذات الصلة كالقرار (2254)".

رغم ذلك، يبين معروف لـ"ارفع صوتك"، فإن الاحتجاجات عملت على "استعادة الفضاء العام، وتعزيز مفاهيم الحرية والديمقراطية، وكبح جماح سلطة حزب البعث، وانتزاع ورقة الأقليات من النظام السوري التي لطالما راهن عليها وادعى أن الأقليات في سوريا مؤيدة له".

يتابع: "لم يتوقف الحراك منذ أكثر من 100 يوم، ومن الواضح أنه مستمر إلى أطول فترة ممكنة، فهناك إصرار من الناس على التمسك بالساحات، وهذا الاستمرار سيكون مرتبطاً بالأحداث والتطورات التي قد تطرأ، فمن الممكن أن يعود الزخم الكبير في أي وقت للحراك إذا ما حصل أي رد فعل عُنفي من النظام، لأن الحراك اليوم استطاع كسب تأييد الحاضنة الشعبية والاجتماعية والدينية في محافظة السويداء".

ويشير معروف، إلى "حراك موازٍ للاحتجاجات يتعلق بتشكيل هيئات مدنية وسياسية، وتكتلات وربما أحزاب في الفترة القادمة"، مردفاً "الفضاء العام مفتوح للناس، والحراك يستمر في إفراز حالة تنظيمية سياسية متنوعة ومختلفة أحياناً، لكنها تتفق على الهدف الرئيس المتمثل بإنهاء الحكم الاستبدادي".

ويعرب عن "إحباطه" بسبب "غياب التغطية الإعلامية العربية لحراك السويداء، رغم صموده أكثر من 100 يوم"، عازياً الأمر لاستحواذ الحرب في قطاع غزة على التغطية والاهتمام الإعلامي.

لكن هذا "الغياب"، يجعل أهالي السويداء يشعرون "كأنهم في جزيرة معزولة"، يقول معروف.