"كنّا نبيع ذهب الزينة الخاص بنا عند الحاجة، واضطُررنا إلى بيع أغراض ثمينة من منازلنا، اليوم لا نمتلك شيئاً نبيعه إلا ضفائر الشعر". تعبّر كلمات السورية منى عن أوضاع ملايين السوريات والسوريين، الذين بلغت حاجتهم المادية جرّاء الأزمة المعيشية في سوريا حدّاً لا يُطاق، ووصل إلى درجات يبيع بعض الناس فيها حتى أعضاء من أجسادهم!
منى (طلبت عدم الكشف عن هويتها الكاملة) تبلغ من العُمر 30 عاماً، من سكّان مدينة حلب، قُتل زوجها نهايات عام 2016 بقصف للنظام السوري على الأحياء الشرقية من المدينة، وبقيت مسؤولة عن ثلاثة أطفال (ولد وبنتان).
تروي لـ"ارفع صوتك" معاناتها اليومية في تأمين متطلّبات المعيشة لأبنائها، يحتاجون الأكل والشرب ومصاريف المدارس.
تعمل منى في ورشة خياطة صغيرة، تقول إن مدخولها الشهري منها لا يكفي لمدة أسبوع، "ولذلك بدأتُ أفكّر في حلول لا أضطر معها إلى مدّ يدي للناس أو التسوّل، فكرتُ ببيع كليتي، لكني أحجمتُ من ذلك ليس خوفاً على حياتي بحد ذاتها، إنما أخاف أن يحصل لي مكروه ويبقى أولادي بلا أم أو أب"، تتابع السيدة السورية.
"في أحد الأيام كنت على منصة فيسبوك، فوجدت إعلانات حول بيع ضفائر الشعر، ووجود طلب عليها خارج سوريا، حيث تباع في تركيا ولبنان بأسعار ليست كبيرة بالنسبة إلينا، لكنها تبقى أهونُ من بيع أعضاء حيوية من الجسد"، توضح منى.
قرّرت منى التخلّي عن ضفيرة شعرها الطويل، مقابل مبلغ يصل إلى 400 دولار ( حوالي 5 ملايين ونصف ليرة سورية بحسب سعر صرف الدولار الحالي بسوريا).
ترتفع الطلبات على ضفائر الشعر في سوريا ليس فقط في مواقع التواصل، حيث يوجد مجموعات خاصة تعرض فيها النسوة حاجتهنّ لـ"وصلات شعر"، بل أيضاً في صالونات التجميل في المناطق "الراقية".
وتختلف الأسعار بحسب نوع الشعر، ويباع بحسب الوزن (بالغرام الواحد)، حيث يوجد سماسرة مختصّون بالتعامل مع الزبونات، وبيع الضفائر للصالونات، التي تبيعها إما لزبونات محليات، أو ترسلها إلى خارج سوريا.
#شعر_طبيعي_بلدي #قصات_الشعر_الطبيعي #مشغل_نايا_للشعر_الطبيعي #واتس_اب_اتصال_٠٩٣٦٦٨٣٥٠٦ #سوريا_دمشق_درعا_السويداء_اللاذقي...
Posted by شعر طبيعي للبيع سوريا on Saturday, September 2, 2023
في إسطنبول، تقول حنان إبراهيم (مغربية الجنسية) وهي صاحبة صالون تجميل، إنها تتعامل مع الكثير من السيدات السوريات اللواتي يبعن ضفائرهنّ، عبر وسيط سوري يعمل في هذا المجال، وتشير إلى أن كثيراً من زبائنها لا يفضّلن "وصلات الشعر الاصطناعية"، ويدفعن مبالغ أكثر مقابل الحصول على وصلات من الشعر الطبيعي.
ولا يقتصر أمر بيع الشعر على السيدات أو الفتيات الكبيرات البالغات، حيث تدفع الحاجة للنقود إلى بيع شعر فتيات صغيرات لا تتجاوز أعمارهنّ 10 سنوات. تقول منى إنها باتت تهتم بشكل أكبر بشعر ابنتيها (10 أعوام، و12 عاماً)، لأن ضفائر الشعر المُنسدل التي تحملانها أصبحت بمثابة "رأس مال" يمكن الاعتماد عليه عند الحاجة.
تتابع منى الحديث، وهي تتأمل شعر ابنتيها بلهجة مليئة بالحسرة والألم:"ربما لو كان والدهما حيّاً لما وصلنا إلى هذه الحال، أنا متأكدة أنه كان سيوفّر لهما ما تريدان ولن يوافق على بيع ضفائر شعرهما، وأنا أتمنى أن لا أضطر إلى اللجوء لذلك، لكن الأمور واضحة، الوضع المادي لن يتحسّن، والمستقبل القريب بالنسبة لنا مُخيف جداً".

تنظر منى في مرآة صغيرة وهي تتأمّل شعرها المقصوص، قائلة "طالما أنني لم أضطرّ للتسوّل أو لبيع جزء من جسمي فأنا لستُ مهتمّة، هذا المبلغ الذي حصلت عليه يمكن أن يسدّ حاجتي بعض الوقت، وفي نهاية الأمر يبقى الشعر كما نقول في لهجتنا الدراجة (بضاعة مخلوفة)، سيعود للنموّ، وأتمنى أن تكون الظروف أفضل عندما يطول شعري، فلا أُضطرّ لبيعه مجدداً".
للشعر الطويل عند الكثير من السيدات العربيات قيمة نفسية واجتماعية ترتبط بمكانة الشعر في التقاليد العربية المتوارثة، ولهذا فإن كثيرات يرغبن في الاحتفاظ بالشعر الطويل ويبالغن في الاهتمام والعناية به ليطول أكثر، ويصرفن مقابل ذلك جهداً ووقتاً ومالاً. في ذلك تقول منى إنه كان "المفروض بها كسيدة أن تتعامل مع صالونات التجميل للاعتناء بجمالها وشعرها الطويل، لكن الواقع فرض عليها أن تتعامل مع هذه الأماكن كبائعة لشعرها، وليس كزبونة".