A hairdresser cuts hair extensions on the backstage during the ModaLisboa Fashion Week Saturday, March 12, 2011 in downtown…
ضفائر شعر بعض السوريات أصبحت بمثابة "رأس مال" يمكن الاعتماد عليه عند الحاجة- صورة تعبيرية

"كنّا نبيع ذهب الزينة الخاص بنا عند الحاجة، واضطُررنا إلى بيع أغراض ثمينة من منازلنا، اليوم لا نمتلك شيئاً نبيعه إلا ضفائر الشعر". تعبّر كلمات السورية منى عن أوضاع ملايين السوريات والسوريين، الذين بلغت حاجتهم المادية جرّاء الأزمة المعيشية في سوريا حدّاً لا يُطاق، ووصل إلى درجات يبيع بعض الناس فيها حتى أعضاء من أجسادهم!

منى (طلبت عدم الكشف عن هويتها الكاملة) تبلغ من العُمر 30 عاماً، من سكّان مدينة حلب، قُتل زوجها نهايات عام 2016 بقصف للنظام السوري على الأحياء الشرقية من المدينة، وبقيت مسؤولة عن ثلاثة أطفال (ولد وبنتان).

تروي لـ"ارفع صوتك" معاناتها اليومية في تأمين متطلّبات المعيشة لأبنائها، يحتاجون الأكل والشرب ومصاريف المدارس.

تعمل منى في ورشة خياطة صغيرة، تقول إن مدخولها الشهري منها لا يكفي لمدة أسبوع، "ولذلك بدأتُ أفكّر في حلول لا أضطر معها إلى مدّ يدي للناس أو التسوّل، فكرتُ ببيع كليتي، لكني أحجمتُ من ذلك ليس خوفاً على حياتي بحد ذاتها، إنما أخاف أن يحصل لي مكروه ويبقى أولادي بلا أم أو أب"، تتابع السيدة السورية.

"في أحد الأيام كنت على منصة فيسبوك، فوجدت إعلانات حول بيع ضفائر الشعر، ووجود طلب عليها خارج سوريا، حيث تباع في تركيا ولبنان بأسعار ليست كبيرة بالنسبة إلينا، لكنها تبقى أهونُ من بيع أعضاء حيوية من الجسد"، توضح منى.

قرّرت منى التخلّي عن ضفيرة شعرها الطويل، مقابل مبلغ يصل إلى 400 دولار ( حوالي 5 ملايين ونصف ليرة سورية بحسب سعر صرف الدولار الحالي بسوريا).

 ترتفع الطلبات على ضفائر الشعر في سوريا ليس فقط في مواقع التواصل، حيث يوجد مجموعات خاصة تعرض فيها النسوة حاجتهنّ لـ"وصلات شعر"، بل أيضاً في صالونات التجميل في المناطق "الراقية".

وتختلف الأسعار بحسب نوع الشعر، ويباع بحسب الوزن (بالغرام الواحد)، حيث يوجد سماسرة مختصّون بالتعامل مع الزبونات، وبيع الضفائر للصالونات، التي تبيعها إما لزبونات محليات، أو ترسلها إلى خارج سوريا.

#شعر_طبيعي_بلدي #قصات_الشعر_الطبيعي #مشغل_نايا_للشعر_الطبيعي #واتس_اب_اتصال_٠٩٣٦٦٨٣٥٠٦ #سوريا_دمشق_درعا_السويداء_اللاذقي...

Posted by ‎شعر طبيعي للبيع سوريا‎ on Saturday, September 2, 2023

في إسطنبول، تقول حنان إبراهيم (مغربية الجنسية) وهي صاحبة صالون تجميل، إنها تتعامل مع الكثير من السيدات السوريات اللواتي يبعن ضفائرهنّ، عبر وسيط سوري يعمل في هذا المجال، وتشير إلى أن كثيراً من زبائنها لا يفضّلن "وصلات الشعر الاصطناعية"، ويدفعن مبالغ أكثر مقابل الحصول على وصلات من الشعر الطبيعي.

ولا يقتصر أمر بيع الشعر على السيدات أو الفتيات الكبيرات البالغات، حيث تدفع الحاجة للنقود إلى بيع شعر فتيات صغيرات لا تتجاوز أعمارهنّ 10 سنوات. تقول منى إنها باتت تهتم بشكل أكبر بشعر ابنتيها (10 أعوام، و12 عاماً)، لأن ضفائر الشعر المُنسدل التي تحملانها أصبحت بمثابة "رأس مال" يمكن الاعتماد عليه عند الحاجة.

تتابع منى الحديث، وهي تتأمل شعر ابنتيها بلهجة مليئة بالحسرة والألم:"ربما لو كان والدهما حيّاً لما وصلنا إلى هذه الحال، أنا متأكدة أنه كان سيوفّر لهما ما تريدان ولن يوافق على بيع ضفائر شعرهما، وأنا أتمنى أن لا أضطر إلى  اللجوء لذلك، لكن الأمور واضحة، الوضع المادي لن يتحسّن، والمستقبل القريب بالنسبة لنا مُخيف جداً".

تنظر منى في مرآة صغيرة وهي تتأمّل شعرها المقصوص، قائلة "طالما أنني لم أضطرّ للتسوّل أو لبيع جزء من جسمي فأنا لستُ مهتمّة، هذا المبلغ الذي حصلت عليه يمكن أن يسدّ حاجتي بعض الوقت، وفي نهاية الأمر يبقى الشعر كما نقول في لهجتنا الدراجة (بضاعة مخلوفة)، سيعود للنموّ، وأتمنى أن تكون الظروف أفضل عندما يطول شعري، فلا أُضطرّ لبيعه مجدداً".

للشعر الطويل عند الكثير من السيدات العربيات قيمة نفسية واجتماعية ترتبط بمكانة الشعر في التقاليد العربية المتوارثة، ولهذا فإن كثيرات يرغبن في الاحتفاظ بالشعر الطويل ويبالغن في الاهتمام والعناية به ليطول أكثر، ويصرفن مقابل ذلك جهداً ووقتاً ومالاً. في ذلك تقول منى إنه كان "المفروض بها كسيدة أن تتعامل مع صالونات التجميل للاعتناء بجمالها وشعرها الطويل، لكن الواقع فرض عليها أن تتعامل مع هذه الأماكن كبائعة لشعرها، وليس كزبونة".    

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية من إحدى قرى الشمال السوري- فرانس برس
صورة تعبيرية من إحدى قرى الشمال السوري- فرانس برس

منذ عدة أيام دخل الطفل بشار الجبر (15 عاما)، قطعة أرض مهجورة في قرية موزان شرق محافظة دير الزور، كانت تستعمل في السابق كنقطة عسكرية، وبينما كان يجمع الخردة، انفجر به لغم أرضي، فقتله. 

وقبلها بأيام قُتل محمد مرعي العسول (37 عاما) أثناء عمله في أحد الأراضي الزراعية في بلدة الغارية الغربية بريف محافظة درعا الشرقي، بعد انفجار جسم من مخلفات الحرب.

أحداث عديدة مشابهة وضحايا كثر للألغام ومخلفات الحرب تشهدها مناطق النزاع في سوريا، تركت تأثيرات كارثية على الحياة اليومية للمدنيين، متسببة بالعديد من الوفيات والإعاقات الدائمة، غالبيتهم من المزارعين والعاملين في مواسم القطاف وجامعي الكمأة والخردة والأطفال.

كما تشكل الألغام تهديداً مستمراً للاستدامة البيئية والموارد الطبيعية والحياة النباتية والحيوانية. وبحسب تقرير مرصد الألغام الأرضية (Mine Action Review)، سجلت سوريا أكبر عدد من ضحايا الألغام المضادة للأفراد ومخلفات الحرب.

وكشف في تقريره السنوي، أنه خلال الفترة الممتدة بين عام 2022 والنصف الأول من 2023، سجلت سوريا للعام الثالث على التوالي، أكبر عدد من الضحايا الجدد للألغام المضادة للأفراد أو مخلفات الحرب القابلة للانفجار، ووثق وقوع 834 ضحية في سوريا، كما تم تحديد 42 مجتمعاً ملوثاً بالذخائر المتفجرة في المناطق التي ضربها الزلزال.

إزالة الذخائر غير المنفجرة 

تقوم فرق الدفاع المدني السوري (منظمة الخوذ البيضاء) بجهود حثيثة لإزالة الذخائر غير المنفجرة، ومسح المناطق الملوثة بمخلفات الحرب، بالإضافة إلى حملات توعية مستمرة حول أشكال هذه المخلفات وخطرها، وكيفية التصرف السليم في حال مصادفتها.

وتزداد كثافة هذهِ الحملات في مواسم الحصاد وقطاف الزيتون لتمكين المزارعين من العمل في أرضهم بسلام، إضافة إلى توفير السلامة العامة للمدنيين والأطفال، وتعزيز التنمية المستدامة في مناطق شمال غربي سوريا، بحسب منشورات المنظمة.

وتبين في تقرير حول الألغام في سوريا، أن هناك الآلاف من الذخائر التي تقصف بها المدن والأراضي الزراعية إضافة إلى الألغام، "لا تنفجر وتشكل تهديدا طويل الأمد على المدنيين والبيئة، كما تُعدُ حاجزاً بين المزارع ومحصوله وبين الطفل ومدرسته ومسرح لهوه".

ويشير الدفاع المدني إلى أن فرقه قامت حتى تاريخ صدور التقرير في منتصف شهر نوفمبر الماضي، بالتخلص من أكثر من 24 ألف ذخيرة متنوعة أغلبها قنابل عنقودية، كما وثقت فرق الذخائر  خلال السنوات الماضية استخدام أكثر من 60 نوع من الذخائر المتنوعة، بينها أكثر من 11 نوعا من القنابل العنقودية المحرمة دولياً، التي استخدمها النظام وروسيا.

كذلك بين التقرير أنه ومنذ بداية العام الحالي حتى نهاية شهر أكتوبر الماضي، أتلفت فرق المنظمة  أكثر من 894 ذخيرة متنوعة، بينها 119 ذخيرة خلال أكتوبر وحده.

وأفاد أنه ومنذ بداية العام الحالي حتى منتصف شهر نوفمبر الماضي، وثقت فرق الدفاع المدني 15 انفجاراً لمخلفات الحرب في شمال غربي سوريا، أدت لمقتل 4 أطفال ورجلين، وإصابة 23 مدنياً بينهم 16 طفلاً و3 نساء.

خرائط حقول الألغام

بدورها، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في أبريل الفائت، انتشار الألغام الأرضية على مساحات واسعة في العديد من المحافظات السورية، وقامت بتجهيز خرائط تحدد مواقع تواجد حقول الألغام، ومواقع انتشار مخلفات الذخائر العنقودية كي يتم تجنبها من قبل السكان المحليين.

يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ"ارفع صوتك": "استغرق تحديد المواقع التي تتواجد فيها حقول الألغام في سوريا جهداً كبيراً، امتد لحوالي سنة، وكان لتقريرنا هدفان، الأول أن تقوم القوى المسيطرة بالبناء على هذا التقرير والمتابعة بإزالة حقول الألغام، والثاني إطلاع السكان على هذه الخرائط والتوعية بوجودها من أجل تجنبها".

ويعتبر عبد الغني أن التجاوب مع التقرير والخرائط التي تم إعدادها كان "ضعيفا ودون المستوى المأمول بشكل كبير جدا"، لهذا "ما زلنا نسجل حوادث وإصابات ووفيات بسبب الألغام"، كما يقول.

وبينت الشبكة السورية في تقريرها، أن ما لا ما لا يقل عن 3353 مدنياً بينهم 889 طفلاً، و335 سيدة (أنثى بالغة)، و8 من الكوادر الطبية، و7 من كوادر الدفاع المدني، و9 من الكوادر الإعلامية، قتلوا في المئات من حوادث انفجار الألغام الأرضية المضادة للأفراد في سوريا،  بينهم 382 مدنياً قتلوا على يد قوات الحلف السوري الروسي، إثر انفجار مخلفات ذخائر عنقودية.

موسم الزيتون: الحصاد المُميت

لم يكن الطفل شادي السيد علي (12 عاما) يتوقع أن ينفجر به لغم أرضي، أثناء رحلته لقطاف الزيتون في أطراف مدينته بنش الواقعة في ريف إدلب شمال سوريا.

يقول إنه كان برفقة أخيه، حين رأى جسما غريبا فرماه بعيدا، فسقط على صخرة وانفجر، متسببا ببتر قدمه اليسرى ويده اليمنى.

آلام شديدة عاناها شادي الذي توقف عن الدراسة لمدة سنتين، حتى تم تركيب طرفين صناعيين له، ولكن الألم ما زال يرافقه بشكل مستمر حتى اليوم، ويحرمه من عيش طفولته بشكل طبيعي.

يبين الناشط عزيز الأسمر، من مدينة  بنش، لـ"ارفع صوتك"، أن هناك الكثير من الحالات في المدينة كحالة شادي، ومعظم الضحايا مدنيون، غالبيتهم من الرعاة والمزارعين. 

ويضيف: "هذا النزف مستمر منذ بداية الثورة حتى الآن وكل فترة نسمع عن مقتل طفل أو شاب أو بتر أقدامهم وأيديهم نتيجة هذه الألغام". 

ويؤكد أنه في وقت سابق من العام الماضي عثر أربعة أطفال على لغم أو إحدى مخلفات الحرب أثناء جمعهم الخردة، وأحضروها إلى المنزل، وأثناء عبثهم بها انفجرت وتسببت بمقتلهم جميعا.

يتابع الأسمر، أن "هناك حملات توعية كبيرة حول الألغام من المنظمات والهيئات المدنية والدفاع المدني، لتعريف الناس بشكلها وأماكن تواجدها، مع التشديد على ضرورة إبلاغ الجهات المختصة حين يرون لغما، ولكن الأقدار وفضول الأطفال يتسبب بهذه الحوادث".

ويوضح: "كل قرية أو مدينة في الشمال السوري تعاني من إصابات نتيجة الألغام المتفجرة التي زرعها النظام قبل مغادرة مدينة إدلب،  كذلك هناك العديد من ضحايا مخلفات القنابل العنقودية، ومعظمهم من المزارعين ورعاة الغنم الذين يصادفون اللغم أثناء عملهم. وكونهم لا يعرفون شكله يصبحون ضحايا له، أما العسكريون فهم بطبيعة الحال يعرفون أماكن توزع الألغام ويعرفون شكلها، لذلك قليلا ما تكون هناك إصابات بينهم".