من تظاهرات السويداء
من تظاهرات السويداء

على الرغم من مرور نحو 7 أسابيع على انطلاق المظاهرات السلميّة ضد النظام السوري في محافظة السويداء جنوب البلاد، إلا أنها تواصل زخمها، وتجتذب بشكل يومي مزيداً من المتظاهرين، الذين يتّخذون من الساحات الرئيسية في المدن والبلدات تجمّعاً لاحتجاجاتهم التي بدأت منتصف أغسطس الماضي.

وبشكل دائم، يطوّر متظاهرو السويداء أدوات تعبيرهم عن الاحتجاج ضد النظام السوري بفعاليات شعبية وفنّية، سواءٌ بالرسومات والدبكات أو توزيع "القهوة العربية المرّة"، إلا أن المظهر الأكثر بروزاً في تلك الاحتجاجات هو الأهازيج الشعبية التراثية، المعروف محلياً باسم "الجوفيّات".

السياسة عن طريق التراث

"سوريا بلا حزب البعث غير... صاح الصايح وطَبّ الأسد خوف.. وين رجالك أُسُود الشليّة.. ورجال السويدا ما تعرف الخوف"، وغيرها من الجوفيّات التي بات المتظاهرون يردّدونها في كل المظاهرات في أنحاء السويداء، يعبّرون فيها عن آرائهم السياسية بطريقة تراثية فنية، ويطالبون فيها برحيل الأسد وجميع أفراد الزمرة الحاكمة.

يقول الشاعر الشعبي حازم ناصر النجم في بحث ألّفه حول "الجوفيّة"، إن أصل الكلمة هو "الجوف"، وهي منطقة في شبه الجزيرة العربية يحدّها الأردن من جهة الشمال الغربي، ومن الجنوب منطقة حائل وتبوك. وكان لأهالي منطقة الجوف علاقات تجارية ورعوية مع سكان جبل العرب، فانتقل هذا النموذج الفني إلى الجبل وسهل حوران والبادية الأردنية، ويُعرف في الجزيرة العربية باسم "العَرْضة"، ويوضح النجم في بحثه أنه مع انتقال الجوفية إلى جبل العرب تغيّرت بعض  معطياتها الفنيّة، مشيراً إلى أنها "لعبت دور الوعاء الذي وثّق الكثير من الأحداث التاريخية والأسماء التي غيّبها طوفان الزمن، وهذه الأسماء تنوّعت ما بين قادة وجنود أبطال وحتى نساء كان لهنَّ دور مميز في إثارة الحماس أو المشاركة في المعارك".

ويلفت الباحث أن "الجوفية كنموذج غنائي جماعي، لها شكلها وأسلوبها، حيث تعتمد على الغناء المتناوَب عليه من قبل مجموعة من الرجال يشكّلون حلقة دائرية، و"تبدأ قِلة منهم بغناء "قسيم" من بيت الشعر المطلوب كأن يقولوا مثلاً: هيه يا اللي راكبين على السلايل، فيردده باقي الرجال على اللحن ذاته، ثم ينتقلون إلى "القسيم" الثاني: فوق ضمّر يمّ طربا ناحرينا.. وتستمر هذه العملية حتى آخر القصيدة".

يستحضر أهل السويداء الجوفيات في مظاهراتهم اليوم، للتعبير بها عما كانت تُوظّف فيه في أيام الحروب أو الأفراح أو الأمور الجليلة، فعلى أنغامهما يتجمعون في ساحة الكرامة قادمين من أرياف السويداء، للتأكيد على معنى التوحّد والالتحام، وفي هذا يقول نجم إن الجماعة "التي تصل أولاً تدخل المناسبة هازجةً بجوفية، ويستقبلها أصحاب المناسبة بالترحيب والرد على الجوفية ذاتها وينتظم الجميع في حلقة، وعندما يأتي وفد آخر يهزج بجوفية أخرى، فتُنهي الجماعة الأولى جوفيتها فوراً وتبدأ بالرد على الجوفية القادمة، إلى أن يندمج الوفدان، وهكذا حتى تتكامل الوفود المدعوة خلال فترة وجيزة، ثم تبدأ المناسبة بكامل فولكلورها المتنوّع"، ومن الجوفيات التي يستخدمها متظاهرو السويداء اليوم بشكل متكرر، حتى إنها باتت أشبه بشعار في كل المظاهرات: "سوريا لنا وما هي لبيت الأسد.. عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد".

الكاتب والسياسي السوري ابن محافظة السويداء حافظ قرقوط يقول لـ"ارفع صوتك" إن الجوفية في الجنوب السوري (السويداء ودرعا) ترتبط بعادات البداوة والفروسية ومعانيها، فهي تعبر عن الشجاعة من جهة، وعن الارتباط بالأرض وبالدفاع عنها من جهة ثانية. فيما يقول الشاب تيم فارس وهو من أهالي مدينة السويداء، إن المتظاهرين حريصون على نظم الأهازيج التي تعبّر عن معارضتهم للنظام السوري والمطالبة برحيله، كي يبعثوا برسالة صارمة بأنهم يعتبرون أنفسهم أولاً في "عُرس وطني" يقصدون فيه التحرر من هذا النظام، ومن جهة ثانية تعبّر الجوفيات عن فروسيتهم، واستعدادهم لمواجهة أي محاولة من النظام لقمع احتجاجاتهم السلمية عن طريق التنكيل والترهيب.

 

مواضيع ذات صلة:

لافتة على طريق مطار دمشق الدولي ترحب بالقادمين باللغتين العربية والفارسية- تعبيرية
لافتة على طريق مطار دمشق الدولي ترحب بالقادمين باللغتين العربية والفارسية- تعبيرية

"عاد إلى الخدمة.. خرج عن الخدمة"، باتت هذه العبارة من أكثر العناوين الإخبارية تداولاً لدى النظام السوري خلال الشهرين الأخيرين، فيما يخصّ مطار دمشق الدولي، الذي تكرر في أهداف الضربات الإسرائيلية تجاه مناطق النظام السوري.

وأعلنت حكومة النظام تحويل الرحلات إلى مطار حلب، الذي تعرّض في نوفمبر الماضي لهجوم مشابه أخرجه عن الخدمة كذلك. 

في الظاهر يبدو مطار دمشق الدولي مجرد مرفق مدني تابع للنظام لأغراض السفر المدني، لكنه في الحقيقة، اتخذ طابعاً جعل منه أشبه بمطار عسكري استقبل خلال الحرب السورية آلاف المقاتلين التابعين للحرس الثوري الإيراني، القادمين من إيران والعراق وأفغانستان وباكستان.

كما تحوّل إلى ممر لوصول الأسلحة الإيرانية للنظام السوري وحزب الله اللبناني، حيث وصلت تلك الأسلحة تحت غطاء الطيران المدني، لتجنّب العقوبات والضربات الأميركية أو الإسرائيلية. 

في عام 2016، نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، تحقيقاً استقصائياً بعنوان "من داخل البيت الزجاجي"، كشف أن إيران قامت بقيادة عملياتها الهادفة لدعم بشار الأسد من مبنى سرّي ضخم، يضم كبار قادة الاستخبارات الإيرانيين قرب مطار دمشق الدولي.

وكشفت الصحيفة ملف المعلومات المسرّبة من "مصادر عليا" في الحرس الثوري الإيراني، التي قالت إن غرفة العمليات الإيرانية في سوريا تُدار من قبل عسكريين وخبراء إيرانيين موجودين في بناء مؤلّف من خمسة طوابق، يقع قرب مطار دمشق الدولي، حيث تتم عمليات للاستخبارات ومكافحة التجسس، كما يحتوي البناء على خزائن مليئة بملايين الدولارات النقدية القادمة من إيران.

وأضافت أن "البيت الزجاجي" يحوي عدداً من الإدارات داخل المبنى، منها إدارة مكافحة التجسّس والخدمات اللوجستية والدعائية، وقيادة المرتزقة الأجانب، بينما تقع إدارة أجهزة الاستخبارات الإيرانية المسؤولة عن المبنى "السري" في الطابقين العلويين.

يقول الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية في "مركز عمران للدراسات"، نوار شعبان، إن مطار دمشق الدولي، يشكل أهمية خاصة لدى إيران، كونه نقطة إمداد متقدّمة لها داخل الأراضي السورية، وحلقة وصل مهمة بينها وبين حزب الله اللبناني".

ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن أي مرفق مدني أو عسكري "مهم"، سواء بالنسبة للنظام السوري أو لإيران.

ويرى شعبان، أن إسرائيل "تدرك أهمية مطار دمشق كنقطة إمداد لوجستية" غير أنها "لا تستطيع شلّ الحركة فيه على المدى الكامل والطويل"، واصفاً استهدافها للمطار بأنه "لحظي، يتعلق عادةً باستهداف مدرج يعطّل وصول طائرة إيرانية تفيد المعلومات الاستخباراتية بأنها تقلّ مسؤولاً مهماً أو تحمل أسلحة نوعية". 

 

التنسيق الإسرائيلي- الروسي

الأهمية التي ذكرت سابقاً لمطار دمشق ليست محلّ إجماع الخبراء والمحللين، حيث يذهب المحلل السياسي حسن النيفي، إلى أن "القيمة التي يحظى بها مطار دمشق الدولي هي قيمة رمزية ولا تُحيل إلى أهميته الحيوية أو العمرانية أو الأمنية".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "عندما تستهدفه إسرائيل بشكل متكرر فهي ترمي إلى إبلاغ النظام وحلفائه من محور الممانعة، أنها قادرة على شلّ حركتهم وتقويض أي نشاط عسكري يستهدف إسرائيل".

وهذا الاستهداف المتكرر "تحوّل إلى حالة معتادة عند النظام والميليشيات التابعة له"، وفق تعبير النيفي، متابعاً "هذه الضربات لا تؤدي عادة إلى خسائر بشرية لأنها مجرد رسائل فقط، من جهة، ولأنها تتم بالتنسيق مع إسرائيل، بموجب الاتفاق الذي أبرم عام 2018 بين كل من موسكو وتل أبيب وواشنطن حول ضرورة التنسيق وتحاشي الاشتباك في الأجواء السورية، من جهة ثانية".

في السياق، يقول الباحث في مركز "أبعاد للدراسات"، فراس فحام، لـ"ارفع صوتك"، إن إسرائيل "تبتعد في الوقت الحالي عن استخدام الأجواء السورية لشن ضربات؛ خشية التصادم مع القوات الروسية، وتقوم بدلاً من ذلك بشن ضربات بصواريخ بعيدة المدى تُطلق من الأجواء اللبنانية أو من البحر المتوسط، لكنها على أية حال لا تهدف إلى تدمير المطار بشكل كلي أو إخراجه عن الخدمة بشكل دائم".

وحول التنسيق مع روسيا، يرى فحام، أن هذه الفكرة "أصبحت من الماضي، لأن موسكو ضيّقت من قدرات إسرائيل على تنفيذ غارات جوية في سوريا بشكل كبير، وقامت في الوقت نفسه بالتنسيق مع إيران في إيجاد بدائل للمطارات المدنية، عبر المطارات العسكرية الخاضعة لسيطرة روسيا مثل قاعدتي حميميم وتدمر".

بالنسبة لنوار شعبان، فإن إسرائيل "يستحيل أن تقوم بهذا الكم من الاستهدافات في كل الخارطة السورية، ولا سيما مطار دمشق الحيوي، دون التنسيق مع موسكو، رغم الإدانات الدبلوماسية الروسية التي تعبّر عن الاستنكار والرفض لهذه الضربات".

ويؤكد أن "التنسيق غير المعلن بين موسكو وتل أبيب يحدّد كذلك نوعية وحجم الضربات، بحيث لا تؤدّي مثلاً إلى إحداث أضرار كبيرة في المطار، إنما يقتصر ذلك على تدمير جزئي لأحد المدارج، على سبيل المثال".

 

خسائر النظام وإيران

بشأن الخسائر المادّية أو العسكرية، يقول نوار شعبان، إن "إيران تتأثر بلا شكّ جراء بالضربات الإسرائيلية، لكنها أيضا تقوم بامتصاصها والتكيّف معها، بحيث باتت تحوّل الرحلات إلى جهات ثانية مثل مطار حلب الدولي، وتزيد الاعتماد على الطرق البرّية رغم التكلفة العالية لذلك".

"كما تحاول إيران تشتيت التركيز الإسرائيلي عبر تكرار عمليات التموضع وإعادة الانتشار، بحيث يصعب على الضربات الإسرائيلية تحديد واستهداف كل مناطق العبور والإمداد اللوجستي، الممتدة من دير الزور شرقاً إلى معبر نصيب جنوباً، مروراً بمناطق البادية السورية"، بحسب شعبان. 

ويستدرك، أن "المتضرّر الأكبر هو النظام السوري، الذي يتكلّف مبالغ طائلة مع كل عملية إعادة تأهيل للمطار، بالإضافة إلى أن قصف المطار يؤثّر على عملية الملاحة الجوية مع ترويج النظام دولياً بأن الحياة عادت لطبيعتها، ويمكن للزوار والالسيّاح قدوم لسوريا".

يتابع شعبان: "القصف المتكرّر لمطار دمشق يضرب دعاية النظام السوري حول سيطرته المُطلقة في مناطق نفوذه".