مواطنون سوريون في إحدى الصيدليات قرب إدلب شمال سوريا- تعبيرية
مواطنون سوريون في إحدى الصيدليات قرب إدلب شمال سوريا- تعبيرية

تعتقد السورية يسرا الحلبي (31 عاماً)، من ريف حماة، أن الصفحات والمجموعات المتخصصة في مجال الصحة والطب على مواقع التواصل، "أنقذت العديد من السوريين، لأنها توفر استشارة طبية مجانية ودقيقة، مقارنة بنتائج البحث عبر غوغل التي تأتي عادة بإجابات مرعبة".

وتشرح لـ"ارفع صوتك" طريقتها في الحصول على وصفات العلاج: "أعرض مشكلتي ومشاكل أبنائي الصحية في الصفحات والمجموعات الطبية التي أتابعها، بانتظار أن يجيبني أي طبيب ويصف لي العلاج والتحاليل والأدوية المناسبة، وبعد إجراء التحاليل أعود إلى الصفحة لنشر النتيجة، وأنتظر طبيباً ليجيبني".

وتسببت الأزمة الاقتصادية وفقدان العملة لقيمتها الشرائية وانخفاض الرواتب، بجعل الوصول إلى الرعاية الطبية أمراً في غاية الصعوبة بالنسبة لغالبية السوريين، الذين وجدوا بدائل في مواقع التواصل.

يقول جاسم الأحمد (26 عاما)، إنه تعرض للسقوط أثناء عمله ولم يكن بإمكانه زيارة الطبيب، لكنه أجرى صورة أشعة في مركز حكومي، فقام بنشر الصورة على أحد الصفخات المختصة، وتلقى إجابة من طبيب بأن لديه "كسرا في قدمه".

"تحملت الآلام يوما كاملا حتى أجاب الطبيب، وعندها توجهت لمركز طبي لتجبير الرجل المكسورة"، يضيف جاسم لـ"ارفع صوتك".

وتعرض طفل يمنى راشد (28 عاما) للحرق بالماء المغلي، فقامت بعلاجه بوصفات بيتية من النشاء وزيت الزيتون لـ"استحالة أخذه إلى الطبيب بسبب ضعف الإمكانات المادية" وفق تعبيرها.

تقول: "لم تنفع العلاجات المنزلية التي كنت أتبعها، وكانت حالته تسوء، وخلال بحثي على الفيسبوك اكتشفت صفحة طبية انضممت إليها وأرسلت صورة للحرق، فأجابني أحد الأطباء وأعطاني اسم دواء جيد، وحذرني من مخاطر العلاج الذي كنت أتبعه". 

 

الهدف "المساعدة"

تدير ريم تنبكجي، إحدى المجموعات الطبية على فيسبوك،وعن ذلك تقول لـ"ارفع صوتك": "هدفنا مساعدة الناس في ظل الأزمة، فكثيرون لا يتمكنون من دفع فاتورة الاستشفاء وإجراء الفحص السريري لدى الأطباء".

وعن مخاطر انشغال الأطباء وتأخرهم في الرد، وما يمكن أن ينتج عنه من تفاقم المشكلات الصحية لدى المريض، تبين ريم: "نحاول أن نجيب بأسرع وقت، قد نتأخر يوما أو اثنين، لكن هناك أكثر من طبيب واحد لكل اختصاص، فإذا انشغل أحدهم يجيب الآخر، أما بالنسبة للحالات الطارئة والإسعافية، فهي تحتاج لدخول المشفى وليس انتظار الطبيب على مواقع التواصل".

وتؤكد أن "الفائدة مشتركة على هذه الصفحات، فالمريض يستفيد من العلاج المجاني والطبيب أيضا، لأن المجموعات بما تحويه من أعداد كبيرة من الأعضاء هي دعاية مجانية للطبيب، تساعده في الانتشار، خاصة إذا كان حديث التخرج".

وعن إمكانية حدوث أخطاء طبية، تقول ريم: "حتى الطبيب في الفحص السريري قد يخطئ أحيانا، وفي مجموعتنا أطباء متخصصون وعلى درجة عالية من الكفاءة، ولو حصل خطأ ما يكون بسبب عدم وصف المريض لحالته بشكل صحيح".

في السياق، تقول منال جباوي، التي تدير هي الأخرى صفحة طبية، إن مجموعتها مختصة بـ"الاستشارات الطبية فقط، ولا يسمح بنشر أي أسئلة غير طبية أو مناقشة أي موضوع عام في أي مجال".

وتنتقد منال انتشار الأسئلة والاستفسارات الطبية في مجموعات بعيدة عن الطب تهتم بالطبخ أو الديكور أو التنظيف وسواها، "حيث ينشر المريض حالته الصحية من حرق أو ورم أو جراحة، كما ينشر تحاليله ويسأل الأعضاء من منطلق (من مر بمثل هذه الحالة) لتنهال الأجوبة من أناس عاديين، مروا بنفس الحالة، وكل يصف علاجا يعتبره ناجعاً"، بحسب وصفها.

تضيف لـ"ارفع صوتك": "في هذا خطر كبير، وهو من أخطر الظواهر المنتشرة على الفيسبوك حاليا، فهو فتوى بغير علم، حيث من الممكن أن يعطي الإنسان رأيه في العديد من المجالات، ولكن لا يمكنه أن يفتي في حياة الناس".

 

الصيادلة أيضاً

تضم المجموعات أيضا عددا من الصيادلة الذين ينصحون بأنواع من الأدوية الجيدة والمتوفرة والبديلة، ويوضحون حالات استعمالها، كما يصفونها للمرضى دون الحاجة لوصفة طبيب في الكثير من الأحيان.

تقول هيام الأسود ( 40 عاما): "كنت أسأل الأطباء في المجموعات الطبية عن حالات تخصني وتخص والديّ وأقاربي وأبنائي، حتى عانيت من آلام شديدة في البطن، فشخّص لي الصيدلي الحالة كارتجاع معوي، وأعطاني وصفة دوائية بالإضافة إلى مسكن للألم، ولكن تفاقمت حالتي بشدة لأن التشخيص كان خاطئا،  إذ كان لدي انعقاد في المصران، وكدت أموت". 

وتوضح لـ"ارفع صوتك"، أن "الجميع يتحمل مسؤولية الخطأ، فالطبيب الموجود في الصفحة أخطأ لأنه لم يشكك برأي الصيدلي، وكذلك أخطأ الصيدلي لاقتراحه دواء دون وصفة طبيب، بالإضافة إلى خطئها بعدم الذهاب لعيادة الطبيب والخضوع لفحص سريري".

تضيف هيام: "رغم الأخطاء والمخاطر التي يمكن أن تحدث، إلا أن ظروف الناس الاقتصادية تجبرهم على هذه الاستشارات".

من جانبه، يحذر الصيدلاني رياض بيلوني، من "مخاطر بيع أدوية دون وصفة طبيب، أو وصف دواء عبر صفحات التواصل"، مبيناً: "هناك من يقوم ببيع دواء مختلف أو بديل، فالعديد من الصيادلة يهمهم بيع مخزونهم من الأدوية، حتى إن كانت غير فعالة، كذلك قد يكون الصيدلي هو نفسه مندوب تسويق لإحدى الشركات، فيقوم بإعطاء النصائح، ويؤكد على فعالية دواء معين لعلاج حالة المريض، وهناك من يتظاهر أحيانا بأنه صيدلي لتسويق بعض الأدوية".

ويقول بيلوني لـ"ارفع صوتك": "أحياناً يكون التشخيص غير دقيق، إذ يحتاج الطبيب لتقييم حالة المريض ومعرفة تاريخه الطبي قبل وصف الدواء، فالخطأ في التشخيص يؤدي إلى إعطاء الدواء الخاطئ".

ويلفت إلى إمكانية "حدوث تفاعلات دوائية بين الدواء الذي يتم صرفه وأدوية أخرى يتناولها المريض، بالإضافة إلى إمكانية إعطاء جرعات غير مناسبة، تسبب الضرر للمريض". 

"بالتالي، يجب أن يلتزم الصيدلاني بالإجراءات والقوانين الطبية التي تحكم صرف الأدوية لضمان سلامة المريض وفعالية العلاج"، يؤكد بيلوني.

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية من إحدى قرى الشمال السوري- فرانس برس
صورة تعبيرية من إحدى قرى الشمال السوري- فرانس برس

منذ عدة أيام دخل الطفل بشار الجبر (15 عاما)، قطعة أرض مهجورة في قرية موزان شرق محافظة دير الزور، كانت تستعمل في السابق كنقطة عسكرية، وبينما كان يجمع الخردة، انفجر به لغم أرضي، فقتله. 

وقبلها بأيام قُتل محمد مرعي العسول (37 عاما) أثناء عمله في أحد الأراضي الزراعية في بلدة الغارية الغربية بريف محافظة درعا الشرقي، بعد انفجار جسم من مخلفات الحرب.

أحداث عديدة مشابهة وضحايا كثر للألغام ومخلفات الحرب تشهدها مناطق النزاع في سوريا، تركت تأثيرات كارثية على الحياة اليومية للمدنيين، متسببة بالعديد من الوفيات والإعاقات الدائمة، غالبيتهم من المزارعين والعاملين في مواسم القطاف وجامعي الكمأة والخردة والأطفال.

كما تشكل الألغام تهديداً مستمراً للاستدامة البيئية والموارد الطبيعية والحياة النباتية والحيوانية. وبحسب تقرير مرصد الألغام الأرضية (Mine Action Review)، سجلت سوريا أكبر عدد من ضحايا الألغام المضادة للأفراد ومخلفات الحرب.

وكشف في تقريره السنوي، أنه خلال الفترة الممتدة بين عام 2022 والنصف الأول من 2023، سجلت سوريا للعام الثالث على التوالي، أكبر عدد من الضحايا الجدد للألغام المضادة للأفراد أو مخلفات الحرب القابلة للانفجار، ووثق وقوع 834 ضحية في سوريا، كما تم تحديد 42 مجتمعاً ملوثاً بالذخائر المتفجرة في المناطق التي ضربها الزلزال.

إزالة الذخائر غير المنفجرة 

تقوم فرق الدفاع المدني السوري (منظمة الخوذ البيضاء) بجهود حثيثة لإزالة الذخائر غير المنفجرة، ومسح المناطق الملوثة بمخلفات الحرب، بالإضافة إلى حملات توعية مستمرة حول أشكال هذه المخلفات وخطرها، وكيفية التصرف السليم في حال مصادفتها.

وتزداد كثافة هذهِ الحملات في مواسم الحصاد وقطاف الزيتون لتمكين المزارعين من العمل في أرضهم بسلام، إضافة إلى توفير السلامة العامة للمدنيين والأطفال، وتعزيز التنمية المستدامة في مناطق شمال غربي سوريا، بحسب منشورات المنظمة.

وتبين في تقرير حول الألغام في سوريا، أن هناك الآلاف من الذخائر التي تقصف بها المدن والأراضي الزراعية إضافة إلى الألغام، "لا تنفجر وتشكل تهديدا طويل الأمد على المدنيين والبيئة، كما تُعدُ حاجزاً بين المزارع ومحصوله وبين الطفل ومدرسته ومسرح لهوه".

ويشير الدفاع المدني إلى أن فرقه قامت حتى تاريخ صدور التقرير في منتصف شهر نوفمبر الماضي، بالتخلص من أكثر من 24 ألف ذخيرة متنوعة أغلبها قنابل عنقودية، كما وثقت فرق الذخائر  خلال السنوات الماضية استخدام أكثر من 60 نوع من الذخائر المتنوعة، بينها أكثر من 11 نوعا من القنابل العنقودية المحرمة دولياً، التي استخدمها النظام وروسيا.

كذلك بين التقرير أنه ومنذ بداية العام الحالي حتى نهاية شهر أكتوبر الماضي، أتلفت فرق المنظمة  أكثر من 894 ذخيرة متنوعة، بينها 119 ذخيرة خلال أكتوبر وحده.

وأفاد أنه ومنذ بداية العام الحالي حتى منتصف شهر نوفمبر الماضي، وثقت فرق الدفاع المدني 15 انفجاراً لمخلفات الحرب في شمال غربي سوريا، أدت لمقتل 4 أطفال ورجلين، وإصابة 23 مدنياً بينهم 16 طفلاً و3 نساء.

خرائط حقول الألغام

بدورها، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في أبريل الفائت، انتشار الألغام الأرضية على مساحات واسعة في العديد من المحافظات السورية، وقامت بتجهيز خرائط تحدد مواقع تواجد حقول الألغام، ومواقع انتشار مخلفات الذخائر العنقودية كي يتم تجنبها من قبل السكان المحليين.

يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ"ارفع صوتك": "استغرق تحديد المواقع التي تتواجد فيها حقول الألغام في سوريا جهداً كبيراً، امتد لحوالي سنة، وكان لتقريرنا هدفان، الأول أن تقوم القوى المسيطرة بالبناء على هذا التقرير والمتابعة بإزالة حقول الألغام، والثاني إطلاع السكان على هذه الخرائط والتوعية بوجودها من أجل تجنبها".

ويعتبر عبد الغني أن التجاوب مع التقرير والخرائط التي تم إعدادها كان "ضعيفا ودون المستوى المأمول بشكل كبير جدا"، لهذا "ما زلنا نسجل حوادث وإصابات ووفيات بسبب الألغام"، كما يقول.

وبينت الشبكة السورية في تقريرها، أن ما لا ما لا يقل عن 3353 مدنياً بينهم 889 طفلاً، و335 سيدة (أنثى بالغة)، و8 من الكوادر الطبية، و7 من كوادر الدفاع المدني، و9 من الكوادر الإعلامية، قتلوا في المئات من حوادث انفجار الألغام الأرضية المضادة للأفراد في سوريا،  بينهم 382 مدنياً قتلوا على يد قوات الحلف السوري الروسي، إثر انفجار مخلفات ذخائر عنقودية.

موسم الزيتون: الحصاد المُميت

لم يكن الطفل شادي السيد علي (12 عاما) يتوقع أن ينفجر به لغم أرضي، أثناء رحلته لقطاف الزيتون في أطراف مدينته بنش الواقعة في ريف إدلب شمال سوريا.

يقول إنه كان برفقة أخيه، حين رأى جسما غريبا فرماه بعيدا، فسقط على صخرة وانفجر، متسببا ببتر قدمه اليسرى ويده اليمنى.

آلام شديدة عاناها شادي الذي توقف عن الدراسة لمدة سنتين، حتى تم تركيب طرفين صناعيين له، ولكن الألم ما زال يرافقه بشكل مستمر حتى اليوم، ويحرمه من عيش طفولته بشكل طبيعي.

يبين الناشط عزيز الأسمر، من مدينة  بنش، لـ"ارفع صوتك"، أن هناك الكثير من الحالات في المدينة كحالة شادي، ومعظم الضحايا مدنيون، غالبيتهم من الرعاة والمزارعين. 

ويضيف: "هذا النزف مستمر منذ بداية الثورة حتى الآن وكل فترة نسمع عن مقتل طفل أو شاب أو بتر أقدامهم وأيديهم نتيجة هذه الألغام". 

ويؤكد أنه في وقت سابق من العام الماضي عثر أربعة أطفال على لغم أو إحدى مخلفات الحرب أثناء جمعهم الخردة، وأحضروها إلى المنزل، وأثناء عبثهم بها انفجرت وتسببت بمقتلهم جميعا.

يتابع الأسمر، أن "هناك حملات توعية كبيرة حول الألغام من المنظمات والهيئات المدنية والدفاع المدني، لتعريف الناس بشكلها وأماكن تواجدها، مع التشديد على ضرورة إبلاغ الجهات المختصة حين يرون لغما، ولكن الأقدار وفضول الأطفال يتسبب بهذه الحوادث".

ويوضح: "كل قرية أو مدينة في الشمال السوري تعاني من إصابات نتيجة الألغام المتفجرة التي زرعها النظام قبل مغادرة مدينة إدلب،  كذلك هناك العديد من ضحايا مخلفات القنابل العنقودية، ومعظمهم من المزارعين ورعاة الغنم الذين يصادفون اللغم أثناء عملهم. وكونهم لا يعرفون شكله يصبحون ضحايا له، أما العسكريون فهم بطبيعة الحال يعرفون أماكن توزع الألغام ويعرفون شكلها، لذلك قليلا ما تكون هناك إصابات بينهم".