"لم نكن قد حقّقنا حالة الاستقرار التي حلمنا بها، لكننا الآن في وضع أكثر سوءاً"، يتحدث سليمان. ع عن وضعه هو عائلته بعد نحو شهر من وصولهم إلى الشمال السوري، عقب ترحيلهم من تركيا ضمن الحملة الأمنية الأخيرة ضد المهاجرين غير الشرعيين.
سليمان (45 عاماً) الذي ينحدر من مدينة حلب، يقول إنه "فرّ إلى تركيا مع عائلته في نهايات عام 2016 مع اشتداد قصف النظام السوري وحلفائه على مدينته، وهناك أخذ قيوداً في ولاية غازي عنتاب الجنوبية، وبدأ بالعمل فيها في مهنة النجارة".
يوضح لـ"ارفع صوتك"، أنه بقي في غازي عنتاب نحو 5 سنوات، وفي أواخر 2021 أُغلقت الورشة التي كان يعمل فيها، فاضطُرّ للانتقال وحده إلى إسطنبول، لأن "فرص العمل هناك أكثر" وفق تعبيره.
يتابع سليمان: "تركت عائلتي في غازي عنتاب.. لم أستطع نقلهم معي (زوجة و3 أطفال)، لأن أولادي لن يستطيعوا الدخول إلى المدارس في إسطنبول بسبب القيود، لكني كنت أسافر إليهم مرةً كل شهرين تقريباً".
وعقب الزلزال المُدمّر الذي ضرب جنوب تركيا في فبراير 2023، عاد سليمان إلى غازي عنتاب للاطمئنان على عائلته، وهناك حصل على "إذن سفر" لهم أيضاً، فانتقل بهم إلى إسطنبول بموجب القرار الذي أصدرته السلطات التركية حول السماح للسوريين من سكان المناطق المنكوبة الانتقال إلى ولايات غير متضررة، أي أنهم انتقلوا "بقرار رسمي صادر من إدارة الهجرة"، كما يؤكد.
مدة إذن السفر التي حصل عليه سليمان كانت ستة أشهر، وبحسب التعليمات الصادرة عن إدارة الهجرة التركية، ينبغي على اللاجئ السوري الحصول على إذن سفر جديد بعد انقضاء المهلة الممنوحة والمحددة.
يبين سليمان: "لم أقُم بطلب إذن سفر جديد لي ولعائلتي، ما أدخلني في سياق المخالفات الإدارية والقانونية التي يقع فيها السوريون هنا بعلم أو من دون علم. ولاحقاً، أوقفتني دورية للشرطة التركية خلال ذهابي إلى العمل في الحملة الأمنية الأخيرة في إسطنبول، وباعتباري مخالفاًً، تم ترحيلي إلى الشمال السوري، وبعد أسبوعين لحقت بي عائلتي".
"صدمة" العودة
رغم أن سليمان وعائلته عادوا – كما هو مُفترَض- إلى بلادهم، إلا أن ذلك شكّل بالنسبة إليهم صدمة كبيرة، على اعتبار أنهم حاولوا خلال نحو 8 سنوات "تأسيس حياة جديدة بعيدة عن أهوال الحرب في سوريا"، وفق تعبيره.
يقول "وجدنا أنفسنا فجأة إزاء حياة جديدة، تختلف بشكل كلّي عما كنا عليه في تركيا. في البداية أقمتُ عند أحد أقاربي بمدينة جرابلس في ريف حلب، وبدأت المشكلة تكبر حين عادت عائلتي، وكان التحدي الأول إيجاد منزل يؤوينا".
تمكن سليمان بصعوبة من إيجاد بيت صغير بإيجار متوسّط في جرابلس، لتبقى مشكلة أخرى بالنسبة له، وهي إيجاد عمل هناك. يقول "الغالبية في الشمال السوري يلجأون إلى العمل الحر وهو إيجاد أي فرصة عملٍ ولو خلال يوم واحد لتحصيل قوت اليوم".
إضافة إلى ذلك، يشعر سليمان بأنه "عاد حرفياً إلى أجواء الحرب التي فرّ منها"، موضحاً "لا يزال الشمال السوري يعاني من اندلاع مواجهات بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والجيش الوطني المدعوم من تركيا، إضافة إلى عدم انضباط الوضع الأمني بالشكل الذي يشعر فيه الإنسان بالأمان، فالسلاح موجود في كل مكان، وهو أمر لم نعتده طيل سنوات العيش في تركيا".
"لم نجمع في تركيا مالاً نستطيع من خلاله تدبّر أمورنا في الوقت الحالي، فلجأت إلى الاستدانة من بعض الأقارب والأصدقاء لشراء الحاجيات الأساسية، ولا أعلم ما ينتظرنا في الغد"، يضيف سليمان.
ويصف حياته اليوم في سوريا بأنها "أشبه بالكابوس"، نتيجة المشاكل والتحديات التي ينبغي عليه أن يتخطّاها مجدداً.
يؤكد سليمان "هذه ليست مشكلتي وحدي، فقد تعرض الآلاف خلال الأشهر الأخيرة لهذه المصاعب إثر ترحيلهم من تركيا، غير أن أوضاع العوائل أشد قسوة ممن يكون بمفرده".