صورة من عمليات إجلاء لاجئين سوريين من تركيا للشمال السوري بعد زلزال فبراير- تعبيرية
صورة من عمليات إجلاء لاجئين سوريين من تركيا للشمال السوري بعد زلزال فبراير- تعبيرية

"لم نكن قد حقّقنا حالة الاستقرار التي حلمنا بها، لكننا الآن في وضع أكثر سوءاً"، يتحدث سليمان. ع عن وضعه هو عائلته بعد نحو شهر من وصولهم إلى الشمال السوري، عقب ترحيلهم من تركيا ضمن الحملة الأمنية الأخيرة ضد المهاجرين غير الشرعيين.

سليمان (45 عاماً) الذي ينحدر من مدينة حلب، يقول إنه "فرّ إلى تركيا مع عائلته في نهايات عام 2016 مع اشتداد قصف النظام السوري وحلفائه على مدينته، وهناك أخذ قيوداً في ولاية غازي عنتاب الجنوبية، وبدأ بالعمل فيها في مهنة النجارة".

يوضح لـ"ارفع صوتك"، أنه بقي في غازي عنتاب نحو 5 سنوات، وفي أواخر 2021 أُغلقت الورشة التي كان يعمل فيها، فاضطُرّ للانتقال وحده إلى إسطنبول، لأن "فرص العمل هناك أكثر" وفق تعبيره.

يتابع سليمان: "تركت عائلتي في غازي عنتاب.. لم أستطع نقلهم معي (زوجة و3 أطفال)، لأن أولادي لن يستطيعوا الدخول إلى المدارس في إسطنبول بسبب القيود، لكني كنت أسافر إليهم مرةً كل شهرين تقريباً".

وعقب الزلزال المُدمّر الذي ضرب جنوب تركيا في فبراير 2023، عاد سليمان إلى غازي عنتاب للاطمئنان على عائلته، وهناك حصل على "إذن سفر" لهم أيضاً، فانتقل بهم إلى إسطنبول بموجب القرار الذي أصدرته السلطات التركية حول السماح للسوريين من سكان المناطق المنكوبة الانتقال إلى ولايات غير متضررة، أي أنهم انتقلوا "بقرار رسمي صادر من إدارة الهجرة"، كما يؤكد.

مدة إذن السفر التي حصل عليه سليمان كانت ستة أشهر، وبحسب التعليمات الصادرة عن إدارة الهجرة التركية، ينبغي على اللاجئ السوري الحصول على إذن سفر جديد بعد انقضاء المهلة الممنوحة والمحددة.

يبين سليمان: "لم أقُم بطلب إذن سفر جديد لي ولعائلتي، ما أدخلني في سياق المخالفات الإدارية والقانونية التي يقع فيها السوريون هنا بعلم أو من دون علم. ولاحقاً، أوقفتني دورية للشرطة التركية خلال ذهابي إلى العمل في الحملة الأمنية الأخيرة في إسطنبول، وباعتباري مخالفاًً، تم ترحيلي إلى الشمال السوري، وبعد أسبوعين لحقت بي عائلتي".

 

"صدمة" العودة

رغم أن سليمان وعائلته عادوا – كما هو مُفترَض- إلى بلادهم، إلا أن ذلك شكّل بالنسبة إليهم صدمة كبيرة، على اعتبار أنهم حاولوا خلال نحو 8 سنوات "تأسيس حياة جديدة بعيدة عن أهوال الحرب في سوريا"، وفق تعبيره.

يقول "وجدنا أنفسنا فجأة إزاء حياة جديدة، تختلف بشكل كلّي عما كنا عليه في تركيا. في البداية أقمتُ عند أحد أقاربي بمدينة جرابلس في ريف حلب، وبدأت المشكلة تكبر حين عادت عائلتي، وكان التحدي الأول إيجاد منزل يؤوينا".

تمكن سليمان بصعوبة من إيجاد بيت صغير بإيجار متوسّط في جرابلس، لتبقى مشكلة أخرى بالنسبة له، وهي إيجاد عمل هناك. يقول "الغالبية في الشمال السوري يلجأون إلى العمل الحر وهو إيجاد أي فرصة عملٍ ولو خلال يوم واحد لتحصيل قوت اليوم".

إضافة إلى ذلك، يشعر سليمان بأنه "عاد حرفياً إلى أجواء الحرب التي فرّ منها"، موضحاً "لا يزال الشمال السوري يعاني من اندلاع مواجهات بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والجيش الوطني المدعوم من تركيا، إضافة إلى عدم انضباط الوضع الأمني بالشكل الذي يشعر فيه الإنسان بالأمان، فالسلاح موجود في كل مكان، وهو أمر لم نعتده طيل سنوات العيش في تركيا". 

"لم نجمع في تركيا مالاً نستطيع من خلاله تدبّر أمورنا في الوقت الحالي، فلجأت إلى الاستدانة من بعض الأقارب والأصدقاء لشراء الحاجيات الأساسية، ولا أعلم ما ينتظرنا في الغد"، يضيف سليمان.

ويصف حياته اليوم في سوريا بأنها "أشبه بالكابوس"، نتيجة المشاكل والتحديات التي ينبغي عليه أن يتخطّاها مجدداً.

يؤكد سليمان "هذه ليست مشكلتي وحدي، فقد تعرض الآلاف خلال الأشهر الأخيرة لهذه المصاعب إثر ترحيلهم من تركيا، غير أن أوضاع العوائل أشد قسوة ممن يكون بمفرده".

مواضيع ذات صلة:

ظروف معيشية قاسية ضمن المخيمات المكتظة بالناس
ظروف معيشية قاسية ضمن المخيمات المكتظة بالناس

سجل فريق "منسقو الاستجابة" الإنساني 62 حالة انتحار في مناطق شمال غرب سوريا الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، منذ بداية العام الحالي.

ومن بين الحالات 34 حالة باءت بالفشل، وأوضح الفريق في بيان، الثلاثاء، أن "فئة النساء تشكل الفئة الأكبر في أعداد الحالات، لعدم وجود من يساعدهن على تخطي الصعوبات".

وتأتي في المرتبة الثانية "فئة اليافعين"، وقال البيان إنهم "من غير القادرين على التعامل مع المصاعب والضغوط المختلفة التي تواجههم"، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار والتي تشهد تزايدا ملحوظا في المنطقة، نتيجة المتغيرات الكثيرة والدورية.

وناشد الفريق المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة لمساندة المدنيين والنازحين وتأمين المتطلبات الأساسية لهم، والعمل على تأمين فرص العمل بشكل دوري للحد من انتشار البطالة في المنطقة.

كما حث المنظمات على "تفعيل العيادات النفسية ضمن المراكز الطبية، وتفعيل أرقام خاصة للإبلاغ عن حالات محتملة بغية التعامل معها بشكل عاجل".

وأوصى البيان بإنشاء "مصحات خاصة لعلاج مدمني المخدرات، بعد انتشار ترويجها في المنطقة".

ويعيش في شمال غرب البلاد 4.5 مليون شخص، نزح منهم 2.9 مليون خلال الصراع الذي تسبب في مقتل مئات الآلاف منذ اندلاعه إثر احتجاجات مناهضة للنظام السوري.

وتقول الأمم المتحدة إن نحو مليوني شخص يعيشون في مخيمات، وقد تضاعفت معاناتهم بعد كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب المنطقة في فبراير الماضي.

وسبق أن أطلقت منظمة "أنقذوا الأطفال" تحذيرات من ارتفاع أعداد حالات الانتحار بين الأطفال السوريين، في مناطق شمال غربي سوريا.

وبحسب تقرير لها، نشر في أبريل 2021، فإن 187 حالة وفاة ناجمة عن الانتحار تعود لأشخاص هُجروا من ديارهم، مما اضطرهم للعيش بعد ذلك ظروف معيشية قاسية ضمن المخيمات المكتظة بالناس، ونقص البنية التحتية، وهي عوامل كافية لجعل الناس يشعرون بمزيد من الأسى، بحسب المنظمة.

وقالت المنظمة إن الوضع الاقتصادي المتدهور في الشمال الغربي أثر على الأشخاص الذين يكافحون من أجل تأمين احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء، وقد ساهم ذلك في زيادة مستويات التوتر بين المجتمعات.