بعد ساعات من الهجوم الذي استهدف حفل التخريج في الكلية الحربية بمدينة حمص وسط سوريا، شنّت قوات النظام السوري حملة قصف مكثفة طالت جميع مناطق محافظتي إدلب وريف حلب الواقعة تحت نفوذ "هيئة تحرير الشام"، وشملت للمرة الأولى منذ سنوات قلب مدينة إدلب، التي كانت بعيدة عن التصعيد نوعاً ما خلال السنوات السابقة.
وأعلن النظام السوري مقتل 89 شخصاً وإصابة 277 في الهجوم، فيما تحدثت وسائل إعلام سورية مقرّبة من المعارضة عن أعداد أكبر من القتلى والجرحى.
ورغم أن الهجوم بدا غير مألوف من حيث التنفيذ والآليات، إلا أن النظام السوري سارع إلى اتهام مجموعات راديكالية في ريف إدلب بتنفيذ الهجوم.
بناءً على هذه الاتهامات، استخدمت قوات النظام السوري القصف المدفعي والصاروخي في قصف عدة قرى وبلدات في محافظة إدلب، بما فيها مركز المدينة الذي يضم مئات آلاف النازحين، إضافة إلى مناطق ريف حلب الغربي.
وشملت مناطق الاستهداف أحياءً سكنية ومرافق تعليمية وطبية وخدمية ومساجد، ومخيمات للنازحين وأسواقاً شعبية، ومراكز تابعة للدفاع المدني السوري (منظمة إغاثية)، وبلغت حصيلة القتلى والجرحى المدنيين نحو 260 شخصاً، بحسب وسائل إعلام مقرّبة من المعارضة.
مخاوف من تصعيد أكبر
رغم أن عمليات القصف من قبل قوات النظام السوري تواصلت نحو 5 أيام، ثم لم تلبث أن انخفضت وتيرتها، إلا أن كثافة القصف وشمولها على مناطق بعيدة عن خطوط التماس جنوب محافظة إدلب، أثار مخاوف السكان من احتمالية العودة إلى تصعيد أكبر خلال الأسابيع القادمة، لا سيما أن القوات الروسية الحليفة للنظام السوري شاركت في عمليات القصف الجوي، وكرّرت اتهامات دمشق لفصائل في إدلب بالمسؤولية عن هجوم الكلية الحربية، ومحاولات استهداف مواقع للقوات الروسية في منطقة شمال غرب سوريا.
وتخضع محافظة إدلب إلى اتفاق "خفض التصعيد" المُوقّع بين كل من تركيا وروسيا وإيران بموجب اتفاقات أستانا، كما تخضع لاتفاق روسي تركي خاص جرى توقيعه بين رئيسي الدولتين في مارس 2020، إلا أن ذلك لم يمنع قوات النظام السوري من خرق هذا الاتفاق عشرات المرات منذ ذلك التاريخ، سواء عن طريق التسلّل نحو مناطق التماس جنوبي محافظة إدلب، أو عبر القصف المدفعي والصاروخي لتلك المناطق.

يقول الباحث في مركز "أبعاد" للدراسات الإستراتيجية"، فراس فحام، لـ"ارفع صوتك"، إن النظام السوري "اتخذ هجوم الكلية الحربية ذريعة لتبرير قصف مناطق واسعة في إدلب وريف وحلب"، مُبدياً استغرابه من "اتهام فصائل إدلب بتنفيذ الهجوم، رغم أن مناطق وجود تلك الفصائل تبعد عن نفطة هجوم الكلية الحربية نحو 120 كيلومتراً، مع افتقاد تلك الفصائل لهذا النوع من الطائرات المسيّرة القادرة على التحليق طيلة هذه المدة، مع هذه القدرة التدميرية العالية".
ويضيف أن "النظام السوري ومن ورائه إيران، حاول استثمار الهجوم في حمص لتصعيد الأوضاع في إدلب، وخلق حالة من التوتر لدى الجانب التركي، من أجل الضغط على تركيا لسحب قواتها من الشمال السوري ومن نقاط المراقبة في إدلب، وهو شرط أصرّ عليه النظام لعودة العلاقات مع أنقرة".
"ولذلك رأينا القصف في الحملة الأخيرة يقترب بشكل متعمّد من أماكن انتشار الجيش التركي في إدلب"، يتابع فحام.
ويعتقد أن "محادثات غير معلنة دارت بين أنقرة وموسكو لتهدئة الأوضاع في إدلب"، مستدركاً "رغم حالة الهدوء الحالية هناك مخاوف استغلال النظام السوري حالة الانشغال الإقليمي والدولي بالأوضاع في غزة، للعودة إلى التصعيد عبر القصف والاستهدافات المدفعية والصاروخية".
ويبين فحام: "تبقى خيارات إقدام النظام السوري على فتح معركة برّية في إدلب محدودة في الوقت المنظور، لأن قرار مثل هذه المعركة سيكون بيد روسيا التي تنخرط في اتفاقات مع تركيا بشأن منطقة إدلب، إضافة إلى أن تركيا التي تحرص على وجودها العسكري هناك، لن تسمح بمثل هكذا عملية".