FILE - Shopkeeper waits for customers in Damascus, Syria, on Dec. 15, 2022. Syria’s president early Wednesday Aug. 16, 2023…
صورة تعبيرية من أحد أسواق مدينة دمشق

تنتشر الأغذية منتهية الصلاحية والفاسدة والمهربة في الأسواق السورية بشكل كبير، وتحظى بشعبية بين المواطنين بسبب توفرها بأسعار مخفضة مقارنةً بالمنتجات المشابهة.

ويشجع غياب الدور الحكومي والرقابي الفعال، التجار، على طرح هذه السلع بأسعار مغرية، لاجتذاب المستهلكين الذين يعانون ضغوطات اقتصادية حادة نتيجة تدهور الرواتب والمداخيل وقيمة العملة.

وتختلف أسعار هذه المواد عن الأسعار الحقيقية بشكل كبير، إذ تجد البعض يشتريها بنصف ثمن المنتجات السوقية المشابهة، أو بسعر أقل بنسبة تتراوح بين 25 إلى 40%، بحسب ما رصد موقع "ارفع صوتك" في حديثه مع عدد من السوريين القاطنين مناطق النظام.

تقول باسمة حمدان (56 عاماً) من حرستا في ريف دمشق، إنها تشتري مواد غذائية لا يوجد عليها تاريخ صلاحية، وهي "مدركة تماماً إمكانية أن تكون مغشوشة أو فاسدة".

"لكنها الخيار الوحيد بسبب انخفاض سعرها إلى حد كبير مقارنة بالمنتجات المتاحة في السوق"، تضيف باسمة لـ"ارفع صوتك".

وتشتري الحبوب والبقوليات والزيوت النباتية بالإضافة إلى المعكرونة والمعلبات والألبان والأجبان من دون تاريخ وبسعر أقل بأكثر من 40%.

تتابع باسمة: "أشتري اللبنة مثلا بـ 15 ألف ليرة بينما سعر الكيلو في السوق 34 ألفا، وأعلم أنه منخفض الجودة، ولا يحتوي تاريخ صلاحية وتاريخ إنتاج، لكن سعره مناسب".

ولا تأبه لموضوع التزوير، مبينةً أن "هناك الكثير من المنتجات المزورة والمقلدة موجودة في الأسواق تعرض على أنها أصلية، ويتبين لاحقاً أنها مغشوشة". وتضرب مثلاً "اشتريت مسحوق غسيل لماركة معروفة، وتبين أنه مخلوط بالملح بشكل كبير، كذلك بالنسبة للعسل الطبيعي الذي وجدت أنه عبارة عن سكر مطبوخ، والأمر نفسه بالنسبة للبنة التي تشبه اللبنة في الشكل فقط، بينما هي عبارة عن ماء ونشاء وقليل من الحليب".

وتشرح باسمة: "أقصد الأرصفة حيث يعرض التجار مواد استهلاكية مختلفة، وأختار كل ما كتب عليه (غير مخصص للبيع)، وهو باعتقادي جزء من المساعدات الإنسانية للناجين من الزلزال، التي لم تصل لأصحابها، إنما سيطر عليها تجار متنفذون، وهكذا أطمئن أنها ليست فاسدة، كما أنها أرخص، ويتزاحم الناس لشرائها".

حالات تسمم

"ارتفاع الطلب على المواد الغذائية الرخيصة سببه تراجع الرواتب والظروف المعيشية الصعبة"، يقول الرجل الخمسيني يوسف الحصني من مدينة دمشق، مؤكداً أنه وعائلته "تعرضوا للتسمم جراء تناول معلبات المرتديلا".

ويبدي أسفه "لأنه اضطر لإطعام عائلته مواد فاسدة اشتراها لسعرها المتدني" ومنتقدا غياب أي دور فعال  لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التي "ينبغي أن تراقب المنتجات المنتشرة في الأسواق، وتفرض عقوبات رادعة على التجار الذين يبيعون سلعا فاسدة ومغشوشة، كالسجن والتشهير وليس الغرامة فقط" على حد تعبيره.

ويوضح يوسف لـ"ارفع صوتك"، أن السلطات "قامت بتغريم صاحب السوبر ماركت الذي اشترى منه بعد اكتشافها أن مستودعه مليء بالمنتجات الفاسدة منتهية الصلاحية"، إلا أن هذه الغرامة برأيه "عقوبة بسيطة مقارنة بالأرباح الطائلة التي يحققها التجار المستهترين بصحة المواطن".

 

نماذج على الغش والتزوير

تروي أم عبد الله المصري، لـ"ارفع صوتك" تجربتها مع المواد المغشوشة والفاسدة، حيث اشترت لحماً مفروما بسعر أقل بنسبة 30% من السعر في السوق، فتفاجأت بـ"رائحته الكريهة ولونه الداكن جدا".

ورغم عدم جرأتها على إطعام عائلتها منها، إلا أنها تذوقتها لتجد أن "طعمها سيء للغاية ولا يشبه طعم اللحم"، كما تقول ، مردفةً "لم أرغب بتقديم شكوى لأننا اعتدنا على الغش والتزوير ونشتري الأرخص دائما".

وتضيف أم عبدالله: "في وقت سابق اشتريت أرزاً وعدساً ومعكرونة بنصف السعر، ظننتها مهربة وليست منتهية الصلاحية، ولكن بعد فتحها وجدتها ممتلئة بالحشرات، فغسلتها ووضعتها في الشمس ونحن نتناولها بشكل طبيعي".

تتابع: "في وقت سابق اشتريت عبوة زيت دوار الشمس، لا يوجد عليها اسم شركة أو مصدر، وعندما بدأت القلي أصبحت تفور ولها رغوة كالصابون تماما ورائحة غريبة، كذلك اشتريت في إحدى المرات زيتا وعند تسخينه كانت رائحة السمك تفوح منه كأنه زيت مكرر من أحد المطاعم".

وكان أمين سر جمعية حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزة، أكد في تصريح لصحيفة "البعث" المحلية، طرح كميات كبيرة من الزيوت النباتية بأنواع وعلامات تجارية من مصادر غير محلية مختلفة خلال الأشهر الماضية، لافتاً إلى وجود كم كبير من زيت النخيل المعبأ بأكياس نايلون (فرط) يباع على أطراف الأرصفة بطريقة غير صحية من ناحية العرض.

وقال إن "هذه الزيوت سريعة التطاير وتحوي إضافات معينة تعطيها ألوانا مختلفة كما أن تركيب المادة غير معروف".

كما حذر مدير حماية المستهلك في محافظة حماة، رياض زيود، في حديثه لموقع "غلوبال نيوز" المحلي من أن الأسواق مليئة بالمواد الفاسدة.

وقال إن المديرية تضبط يومياً العديد من المخالفات الجسيمة، التي تتعلق بالمواد الغذائية، وفي يوم واحد تم ضبط 65 مادة بحق المخالفين، وهي "مخالفات جسيمة تبدأ من طرح لحوم فاسدة واستخدام جلد الفروج في الشاورما، والذبح في مسالخ سرية بعيداً عن أعين الدائرة الصحية المشرفة، وهي مخالفات يعاقب عليها القانون".

وأشار زيود إلى "ضبط مسلخ سري، فيه سلوكيات عجيبة وذبح طيور وفرم لحوم رائحتها تزكم الأنوف"، وفق تعبيره.

 

بدائل غير صحية

في السياق نفسه، يبين الخبير الاقتصادي الدكتور فراس شعبو، أن المواطنين يبحثون دائماً عن البدائل المتاحة بناءً على وضعهم المالي، ومع الوقت تحولت الأمور الأساسية إلى كماليات، واتجاه نحو الزيوت المهدرجة والأجبان والألبان البديلة، بمكونات غير طبيعية وغير صحية.

ويقول لـ"ارفع صوتك": "النظام الحالي أزال كل أشكال الدعم والوسائل التي تقيّد ارتفاع الأسعار، ما دفع الشعب الذي يعيش برواتب متدنية إلى اللجوء لتلك البدائل في ظل الظروف الصعبة التي يمرون بها".

وعن أخطار تناول الأغذية الفاسدة ومنتهية الصلاحية، تؤكد خبيرة التغذية نور حياني لـ"ارفع صوتك"، أنها "تشكل خطراً على الجهاز الهضمي، إذ تحتوي على بكتيريا وطفيليات وفيروسات تسبب التسمم الغذائي، ما يؤدي إلى تقلصات في المعدة وإسهال وقيء وحمّى".

وتوضح أن الأغذية المنتهية الصلاحية "تفقد قيمتها الغذائية بمرور الوقت، وتفقد ما تحتويه من الفيتامينات والمعادن الضرورية".

"كما قد تشكل الأطعمة المتحللة مركبات ضارة ناتجة عن تحلل البروتينات والدهون، ويمكن أن تسبب مشاكل في الكبد والكلى، بالإضافة إلى إمكانية أن تتسبب بخطر الإصابة بأمراض مزمنة كأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان"، تحذر حياني.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".