لا تزال منطقة شرق الفرات تشكّل نقطة الاهتمام الكبرى للقوى الفاعلة في سوريا، نظراً لاحتوائها على غالبية حقول النفط والغاز، ولكونها تشكّل بوابة لإيران في إطار تدخلها العسكري واللوجستي داخل سوريا.
وتنتشر القوات الأميركية في شرق الفرات أو ما يُعرف بمنطقة "الجزيرة السورية"، التي تمتد على أجزاء واسعة من محافظات دير الزور والحسكة والرقة، فيما يسيطر النظام السوري شكلياً على بقية هذه المحافظات (المنطقة الشامية منها)، تحت دعم وسيطرة فعلية لميليشيات محلية وأجنبية تابعة للحرس الثوري الإيراني، بينما تحظى روسيا على وجود عسكري رمزي هناك.
منظومات رادارية أميركية
بدأت الولايات المتحدة بنشر قواتها في منطقة شرق الفرات السورية بدءاً من عام 2014، مع انطلاق عمليات "العزم الصُّلب" ضد تنظيم داعش، واستطاعت عن طريق حلفائها الأكراد طرد داعش من الحدود التركية شمالاً إلى منطقة الباغوز على الحدود العراقية جنوباً.
ومنذ ذلك الحين يقول المسؤولون الأميركيون إن قوات بلادهم ستواصل البقاء هناك لإجبار النظام السوري على الجلوس على طاولة مفاوضات تُفضي إلى حلّ سياسي شامل للملف السوري.
وفي إطار التوترات العسكرية بين القوات الروسية والأميركية حول شرق الفرات، نقلت وكالة أنباء "الأناضول" التركية، عن مصادر سورية، أن الولايات المتحدة زوّدت قواتها في محافظة دير الزور (شرق سوريا) بمنظومة رادار بعد تعرّض حقول للنفط في المنطقة لهجمات من "جماعات إرهابية أجنبية مدعومة من إيران".
وأوضحت المصادر أن القوات الأميركية "أدخلت في وقت سابق من أكتوبر الحالي، أربع منظومات رادار من العراق إلى قاعدتها بمنطقة الشدادي جنوبي محافظة الحسكة، عبر بوابة الوليد الحدودية، ونشرتها منظومات في حقلي العمر النفطي وكونيكو للغاز في دير الزور".
كما نشرت في الموقعين منظومة صاروخية مرتبطة بالرادار، لم يتم التعرف على طرازها، بحسب ما نقلت "الأناضول".
وبينما لم يصدر عن قيادة القوات الأميركية أي تصريح بهذا الشأن، ذكرت "الأناضول" أنّ نشر منظومة الرادار جاء "للرد على أي هجمات للجماعات الإرهابية المدعومة من إيران غرب نهر الفرات".
وكانت الولايات المتحدة عززت في 17 يوليو الماضي قواتها في سوريا بـ4 راجمات صواريخ من نوع "هيمارس"، و15 بطارية مدفعية و5 مدرعات و5 دبابات و45 مركبة محملة بالذخائر، وصلت لقاعدتها في الشدادي.
الخبير بالشؤون العسكرية والإستراتيجية والطيران إسماعيل أيوب، يقول لـ"ارفع صوتك": "من الطبيعي لأي قوة عسكرية في أي مكان أن يكون لديها منظومة رادارات لعمليات الرصد والإنذار والتوجيه، لا سيما أن هذه القوة تابعة للجيش الأميركي".
ويضيف أن القوات الأميركية في سوريا "كان لديها أصلاً منظومة رادارات في منطقة الـ 55 بالبادية السورية أو في منطقة الجزيرة، لكن الآن أنشأت القوات الأميركية منظومات رادار في أماكن أقرب".
ويستبعد أيوب أن تكون الخطوة الأميركية موجّهة ضد ميليشيات إيران أو القوات الروسية في سوريا، معتبراً أنها "خطوة عسكرية مُكلمّة ومتطورة أكثر للمنظومة الموجودة من قبل".
من جهته، يرى الباحث في "مركز جسور للدراسات"، عبد الوهاب عاصي، أن الخطوة الأميركية "تأتي ضرورية في توقيت حسّاس، يتطلب تعزيز وضعية الدفاع الجوي للقواعد الأميركية في سوريا".
ويبين لـ"ارفع صوتك": "حالياً يبدو إجراءً أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى في ظل التصعيد غير المسبوق الذي تشهده المنطقة بعد اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر الجاري، الذي قد يتّسع ليشمل سوريا والعراق، ولا يقتصر على المواجهة المباشرة بين إسرائيل والمليشيات التابعة لإيران".
بالتالي، فإنها "إجراءات ردع إضافية تعكف قوات التحالف والولايات المتحدة على القيام بها"، بحسب عاصي، مردفاً "لا يُعرف بالضبط نوع الرادارات التي زوّدت أميركا بها قواعدها في سوريا، لكنها إما Sentinel أو TBS 77 الأحدث منها، وكلا النوعين للكشف الواطئ والمتوسط، والنوع الأول موجود أصلاً ببعض القواعد الأميركية في سوريا".
ويعتقد عاصي أن مثل هذا الإجراء "يُعزز من مهام تغطية المجال الجوي للقوات الأميركية في سوريا ضد الأهداف المعادية من صواريخ وقذائف وطائرات مسيّرة، عبر مراقبتها وتتبع مسارها تمهيداً لتعطيلها".
يتابع: "عموماً تبدو هذه المنظومات غير قادرة تماماً على مواجهة خطر الطائرات المسيّرة عبر الكشف عن حركتها أو التعرّف إليها كأجسام معادية".