صورة تعبيرية لمحل يبيع المجوهرات الذهبية في العاصمة السورية دمشق- أرشيف ا ف ب
صورة تعبيرية لمحل يبيع المجوهرات الذهبية في العاصمة السورية دمشق- أرشيف ا ف ب

تواصل الشابة السورية أماني. ع (28 عاماً) منذ أسابيع البحث عن أشخاص يقبلون بتأجير مجوهرات ذهبية، وتسابق الوقت قبل نحو أسبوعين من موعد زفافها.

تقول أماني وهي من سكان ريف دمشق، ومخطوبة منذ نحو ثلاثة أعوام: "أنا معلمة، وخطيبي محام في أحد مكاتب المحاماة في دمشق، لكننا كالعاطلين عن العمل، بسبب الأزمة الاقتصادية في البلد".

وتشير إلى أن معظم الاحتياجات التي تعتبر "أساسية" أثناء التحضير لحفل الزفاف وتجهيز البيت، أصبحت خارج قدرتها هي وخطيبها، لذلك يحاولان "تأسيس بيت بأيسر التكاليف" وفق تعبيرها.

توضح أماني لـ"ارفع صوتك" التي قررت استئجار مصوغات ذهبية، أن تكلفة ذلك مهما بلغت، ستبقى "أقل بكثير من سعر الغرام الواحد من الذهب في حال شرائه"، مردفةً: "أعرف الكثير من العرائس اللواتي ارتدين مجوهرات في حفل زفافهن، ثم اضطررن إلى بيعها لإعانة أزواجهن لاحقاً، وأنا قمت بإعانة خطيبي قبل الزواج.. النتيجة واحدة إذاً".

"بريستيج"

قبل الحرب في سوريا لم يكن مُستهجَناً أن يتم استئجار فستان العروس في حال أراد العريس الاختصار من التكاليف، لكن لم يكن اعتيادياً استئجار مصوغات ذهبية، خصوصاً أن شراء الذهب في للعروس يعدّ أمراً أساسيا بالنسبة للعريس (كجزء من مهر العروس) وأيضاً في هدايا أهل العروس لابنتهم.

ويعدّه الكثيرون مدعاة للتباهي أمام الحاضرين في حفل الزفاف، حيث يقوم العريس بتلبيسه لعروسه قطعة قطعة أمامهم، وفي أحيان أخرى تكون العروس مرتدية كل ما اشترته وتلقته هدايا.

بالعودة لأماني، تقول إن "وضعها الاجتماعي هي وخطيبها جعل من غير اللائق أن يمرّ حفل زفافهما دون حليّ ذهبية"، معللةً بأن "الناس لا يفهمون الأوضاع الحالية، وستنهال التعليقات والانتقادات التي تقلل من شأني أنا وخطيبي، فإن الناس لها المظاهر".

ودرجت العادة مؤخّراً على أن تقوم العروس بالاتفاق مع خطيبها على استئجار قطع من المجوهرات تلبسها في حفل الزفاف، ثم تعيدها بعد نهاية الحفل، وتتراوح قيمة التأجير لمدة يومين أو ثلاثة بين ربع مليون ليرة ومليون ليرة، بحسب عدد القطع الذهبية المؤجّرة، بينما يقوم المستأجر بإيداع بطاقته الشخصية كضمان لإعادة المجوهرات.

ويصل سعر الغرام الواحد من الذهب في أسواق العاصمة دمشق إلى عتبة 800 ألف ليرة سورية (نحو 57 دولاراً بحسب سعر الصرف الحالي)، ما يعني أن تكلفة الخاتم مع قطع صغيرة لا تتجاوز 30 غراماً تصل إلى 24 مليون ليرة سورية، وهو مبلغ خارج قدرة الغالبية الساحقة من المقبلين على الزواج، عدا عن بقية التكاليف المتعلّقة بالمهر وتجهيز العروس والمسكن. 

وقامت الكثير من العائلات بتخفيف تكاليف الزواج والمهور في ظل عزوف الشباب عن الزواج بسبب الأوضاع المادية، حيث يقتصر حفل الزفاف على أهل العروس والعريس، مع الاكتفاء بتقديم خاتم ذهبي فقط للعروس، بينما يلجأ آخرون لاستئجاره كنوع من "البريستيج الاجتماعي" أمام الأقارب والجيران.  

الكثير من الفتيات تنازلن عن شراء الذهب مكتفيات بالمحبس (خاتم الزواج)- صورة تعبيرية
في سوريا.. تكاليف الزواج تتضاءل لحدودها الدنيا
اختلفت عادات الزواج وتقاليده في سوريا نتيجة تأثيرات الأزمة الاقتصادية وضعف الإمكانات المادية للعائلات، متسببة بعزوف الكثير من الشبان عن الارتباط، أو اختصار العديد من أساسيات حفلات الزواج، وتخفيض قيمة المهور التي يطلبها أهالي الفتيات. 

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية من إحدى قرى الشمال السوري- فرانس برس
صورة تعبيرية من إحدى قرى الشمال السوري- فرانس برس

منذ عدة أيام دخل الطفل بشار الجبر (15 عاما)، قطعة أرض مهجورة في قرية موزان شرق محافظة دير الزور، كانت تستعمل في السابق كنقطة عسكرية، وبينما كان يجمع الخردة، انفجر به لغم أرضي، فقتله. 

وقبلها بأيام قُتل محمد مرعي العسول (37 عاما) أثناء عمله في أحد الأراضي الزراعية في بلدة الغارية الغربية بريف محافظة درعا الشرقي، بعد انفجار جسم من مخلفات الحرب.

أحداث عديدة مشابهة وضحايا كثر للألغام ومخلفات الحرب تشهدها مناطق النزاع في سوريا، تركت تأثيرات كارثية على الحياة اليومية للمدنيين، متسببة بالعديد من الوفيات والإعاقات الدائمة، غالبيتهم من المزارعين والعاملين في مواسم القطاف وجامعي الكمأة والخردة والأطفال.

كما تشكل الألغام تهديداً مستمراً للاستدامة البيئية والموارد الطبيعية والحياة النباتية والحيوانية. وبحسب تقرير مرصد الألغام الأرضية (Mine Action Review)، سجلت سوريا أكبر عدد من ضحايا الألغام المضادة للأفراد ومخلفات الحرب.

وكشف في تقريره السنوي، أنه خلال الفترة الممتدة بين عام 2022 والنصف الأول من 2023، سجلت سوريا للعام الثالث على التوالي، أكبر عدد من الضحايا الجدد للألغام المضادة للأفراد أو مخلفات الحرب القابلة للانفجار، ووثق وقوع 834 ضحية في سوريا، كما تم تحديد 42 مجتمعاً ملوثاً بالذخائر المتفجرة في المناطق التي ضربها الزلزال.

إزالة الذخائر غير المنفجرة 

تقوم فرق الدفاع المدني السوري (منظمة الخوذ البيضاء) بجهود حثيثة لإزالة الذخائر غير المنفجرة، ومسح المناطق الملوثة بمخلفات الحرب، بالإضافة إلى حملات توعية مستمرة حول أشكال هذه المخلفات وخطرها، وكيفية التصرف السليم في حال مصادفتها.

وتزداد كثافة هذهِ الحملات في مواسم الحصاد وقطاف الزيتون لتمكين المزارعين من العمل في أرضهم بسلام، إضافة إلى توفير السلامة العامة للمدنيين والأطفال، وتعزيز التنمية المستدامة في مناطق شمال غربي سوريا، بحسب منشورات المنظمة.

وتبين في تقرير حول الألغام في سوريا، أن هناك الآلاف من الذخائر التي تقصف بها المدن والأراضي الزراعية إضافة إلى الألغام، "لا تنفجر وتشكل تهديدا طويل الأمد على المدنيين والبيئة، كما تُعدُ حاجزاً بين المزارع ومحصوله وبين الطفل ومدرسته ومسرح لهوه".

ويشير الدفاع المدني إلى أن فرقه قامت حتى تاريخ صدور التقرير في منتصف شهر نوفمبر الماضي، بالتخلص من أكثر من 24 ألف ذخيرة متنوعة أغلبها قنابل عنقودية، كما وثقت فرق الذخائر  خلال السنوات الماضية استخدام أكثر من 60 نوع من الذخائر المتنوعة، بينها أكثر من 11 نوعا من القنابل العنقودية المحرمة دولياً، التي استخدمها النظام وروسيا.

كذلك بين التقرير أنه ومنذ بداية العام الحالي حتى نهاية شهر أكتوبر الماضي، أتلفت فرق المنظمة  أكثر من 894 ذخيرة متنوعة، بينها 119 ذخيرة خلال أكتوبر وحده.

وأفاد أنه ومنذ بداية العام الحالي حتى منتصف شهر نوفمبر الماضي، وثقت فرق الدفاع المدني 15 انفجاراً لمخلفات الحرب في شمال غربي سوريا، أدت لمقتل 4 أطفال ورجلين، وإصابة 23 مدنياً بينهم 16 طفلاً و3 نساء.

خرائط حقول الألغام

بدورها، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في أبريل الفائت، انتشار الألغام الأرضية على مساحات واسعة في العديد من المحافظات السورية، وقامت بتجهيز خرائط تحدد مواقع تواجد حقول الألغام، ومواقع انتشار مخلفات الذخائر العنقودية كي يتم تجنبها من قبل السكان المحليين.

يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ"ارفع صوتك": "استغرق تحديد المواقع التي تتواجد فيها حقول الألغام في سوريا جهداً كبيراً، امتد لحوالي سنة، وكان لتقريرنا هدفان، الأول أن تقوم القوى المسيطرة بالبناء على هذا التقرير والمتابعة بإزالة حقول الألغام، والثاني إطلاع السكان على هذه الخرائط والتوعية بوجودها من أجل تجنبها".

ويعتبر عبد الغني أن التجاوب مع التقرير والخرائط التي تم إعدادها كان "ضعيفا ودون المستوى المأمول بشكل كبير جدا"، لهذا "ما زلنا نسجل حوادث وإصابات ووفيات بسبب الألغام"، كما يقول.

وبينت الشبكة السورية في تقريرها، أن ما لا ما لا يقل عن 3353 مدنياً بينهم 889 طفلاً، و335 سيدة (أنثى بالغة)، و8 من الكوادر الطبية، و7 من كوادر الدفاع المدني، و9 من الكوادر الإعلامية، قتلوا في المئات من حوادث انفجار الألغام الأرضية المضادة للأفراد في سوريا،  بينهم 382 مدنياً قتلوا على يد قوات الحلف السوري الروسي، إثر انفجار مخلفات ذخائر عنقودية.

موسم الزيتون: الحصاد المُميت

لم يكن الطفل شادي السيد علي (12 عاما) يتوقع أن ينفجر به لغم أرضي، أثناء رحلته لقطاف الزيتون في أطراف مدينته بنش الواقعة في ريف إدلب شمال سوريا.

يقول إنه كان برفقة أخيه، حين رأى جسما غريبا فرماه بعيدا، فسقط على صخرة وانفجر، متسببا ببتر قدمه اليسرى ويده اليمنى.

آلام شديدة عاناها شادي الذي توقف عن الدراسة لمدة سنتين، حتى تم تركيب طرفين صناعيين له، ولكن الألم ما زال يرافقه بشكل مستمر حتى اليوم، ويحرمه من عيش طفولته بشكل طبيعي.

يبين الناشط عزيز الأسمر، من مدينة  بنش، لـ"ارفع صوتك"، أن هناك الكثير من الحالات في المدينة كحالة شادي، ومعظم الضحايا مدنيون، غالبيتهم من الرعاة والمزارعين. 

ويضيف: "هذا النزف مستمر منذ بداية الثورة حتى الآن وكل فترة نسمع عن مقتل طفل أو شاب أو بتر أقدامهم وأيديهم نتيجة هذه الألغام". 

ويؤكد أنه في وقت سابق من العام الماضي عثر أربعة أطفال على لغم أو إحدى مخلفات الحرب أثناء جمعهم الخردة، وأحضروها إلى المنزل، وأثناء عبثهم بها انفجرت وتسببت بمقتلهم جميعا.

يتابع الأسمر، أن "هناك حملات توعية كبيرة حول الألغام من المنظمات والهيئات المدنية والدفاع المدني، لتعريف الناس بشكلها وأماكن تواجدها، مع التشديد على ضرورة إبلاغ الجهات المختصة حين يرون لغما، ولكن الأقدار وفضول الأطفال يتسبب بهذه الحوادث".

ويوضح: "كل قرية أو مدينة في الشمال السوري تعاني من إصابات نتيجة الألغام المتفجرة التي زرعها النظام قبل مغادرة مدينة إدلب،  كذلك هناك العديد من ضحايا مخلفات القنابل العنقودية، ومعظمهم من المزارعين ورعاة الغنم الذين يصادفون اللغم أثناء عملهم. وكونهم لا يعرفون شكله يصبحون ضحايا له، أما العسكريون فهم بطبيعة الحال يعرفون أماكن توزع الألغام ويعرفون شكلها، لذلك قليلا ما تكون هناك إصابات بينهم".