FILE - Shopkeeper waits for customers in Damascus, Syria, on Dec. 15, 2022. Syria’s president early Wednesday Aug. 16, 2023…
صورة تعبيرية من أحد أسواق مدينة دمشق

"نحن اليوم نلاحق رغيف الخبز حرفياً، إذا كانت المجاعة تعني العجز عن تأمين وجبة الطعام التالية.. فنحن في مجاعة"، يردّد الخمسيني السوري قحطان. م (تحفظ على ذكر اسمه الثنائي) هذه الكلمات خلال حديثه عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في سوريا.

منذر (54 عاماً) من سكان العاصمة دمشق، يعمل موظفاً حكوميا في إحدى مؤسسات النظام السوري منذ 34 سنة، فضّل عدم الكشف عن كنيته خوفاً من الملاحقة الأمنية. يقول لـ"ارفع صوتك": "السلطة الحاكمة تجوّعنا وتطلب منا الصمت".

ويصف ارتفاع أسعار المواد الغذائية في مناطق النظام بأنه "جنوني"، خصوصاً بعد شهر أغسطس الماضي، مبيناً "الناس لا يهتمون اليوم بأسعار البيوت والسيارات والملابس والعطور، بل صار الاهتمام حتى عند الميسورين حالاً بتأمين المواد الغذائية، التي تحوّلت لكنز ثمين".

وفي منتصف أغسطس الماضي، أعلنت الحكومة السورية رفع الدعم عن المحروقات الرئيسية في البلاد بنسبة تقارب ثلاثة أضعاف، ما أدى بشكل مباشر إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام، وأسعار المواد الغذائية بشكل خاص، بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل والنقل القائمة على "الديزل" و"البنزين".

وعلى الرغم من أن قرار رفع الدعم سبقه بساعات مرسوم من رئيس النظام السوري بشار الأسد، برفع الرواتب بنسبة 100%، إلا أن الزيادة الجديدة أصبحت ذات مفعول عكسي، مع ارتفاع أسعار السلع والمواد بنسب كبيرة وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 200%.

 

"وجبة واحدة يومياً"

في تقرير حديث لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ورد أن تكلفة السلة الغذائية في سوريا (تشمل 20 سلعة غذائية رئيسة) ارتفعت في سبتمبر الماضي إلى 938 ألف ليرة سورية (67 دولار).

وأوضح أن تخفيض دعم الوقود في الأشهر الأخيرة وانخفاض قيمة الليرة السورية، أديا إلى مزيد من الضغوط التضخمية على تكلفة السلة الغذائية، مشيرا إلى أن سعر سلّة الحد الأدنى للإنفاق (مقياس لحساب التكلفة الأدنى لمعيشة أسرة مكونة من خمسة أفراد شهرياً) ارتفع للمرة الـ 14 على التوالي، ليصل إلى نحو 2.2 مليون ليرة سورية في سبتمبر الماضي، بينما تضاعفت تكاليف المعيشة تقريباً في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، وارتفعت أربعة أضعاف خلال عامين.

يقول أبو سلام وهو صاحب محل بقالة في منطقة الزاهرة الشعبية جنوب دمشق، إن الناس لم تعد تستطيع شراء البيض والجبنة والزيتون مثلاً، مضيفا أن سعر ثلاثة أقراص من الفلافل (التي كانت تسمى طعام الفقراء) وصل إلى ألف ليرة سورية.

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "أعرف أشخاصاً كثيرين لا يستطيعون أن يأكلوا سوى وجبة واحدة يومياً، وبقية اليوم يأكلون الخبز وحده".   

من جهته، يبين الخبير الاقتصادي د. فراس شعبو، إن "النظام السوري قام بتثبيت سعر الصرف أمنياً، أي إن السعر الحقيقي لليرة السورية بالمؤكد ليس هو السعر الحالي أمام الدولار (في حدود 14 ألف ليرة سورية أمام الدولار الواحد في أسواق العاصمة دمشق)، بل أعلى بكثير، والدليل على ذلك أن أسعار السلع الرئيسة ترتفع بشكل يومي رغم أن سعر الصرف ثابت منذ عدة أسابيع". 

"ومما يزيد الوضع سوءاً"، يقول شعبو لـ"ارفع صوتك" هو "نسبة الهجرة الكبيرة من الريف وتأثر الزراعة المحلية بشكل مباشر، ما يعني مزيداً من التدهور في الأمن الغذائي في سوريا". 

ويضيف أن أزمة اقتصاد النظام السوري هي "أزمة بنيوية" حتى قبل اندلاع الثورة الشعبية سنة 2011، وأن "إجراءات التطبيع السياسي ورفع الدعم وزيادة الضرائب كلها لا تُجدي نفعاً"، متوقعاً أن تتجه الأزمة "للأسوأ".

وتُعد سوريا من بين البلدان الستة التي تعاني أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم، حيث يوجد 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون انعدام الأمن الغذائي، كما يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، وفق البيانات الأممية.

ورغم من ازدياد الاحتياجات الإغاثية، تتضاءل نسبة التمويل المخصصة لخطة الاستجابة الإنسانية في سوريا، حيث بلغت نسبة العجز حتى الآن 71%، وهو ما أدى إلى إعلان برنامج الأغذية العالمي، في 13 يونيو الماضي، عن تخفيض مساعداته الغذائية لنحو 2.5 مليون شخص بدءاً من يوليو الماضي، بعد أن كان يقدّمها لنحو 5.5 مليون يعتمدون على المساعدات في سوريا، مُرجعاً أسباب ذلك لأزمة في التمويل.

تقرير برنامج الأغذية حذّر من أن الطلب المتزايد المحتمل على الطاقة مع اقتراب فصل الشتاء، والصراع الإقليمي الحالي، يهدّد على المدى القريب بتغيير الأسعار في سوريا، وارتفاعها إلى مستويات جديدة غير مسبوقة.

وتُعد سوريا من بين البلدان الستة التي تعاني أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم، حيث يوجد 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون انعدام الأمن الغذائي، كما يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، وفق البيانات الأممية.

ورغم ازدياد الاحتياجات الإغاثية، تتضاءل نسبة التمويل المخصصة لخطة الاستجابة الإنسانية في سوريا، حيث بلغت نسبة العجز حتى الآن 71%، ما أدى إلى إعلان برنامج الأغذية العالمي، في 13 يونيو الماضي، عن تخفيض مساعداته الغذائية لنحو 2.5 مليون شخص بدءاً من يوليو الماضي، بعد أن كان يقدّمها لنحو 5.5 مليون يعتمدون على المساعدات في سوريا، مُرجعاً أسباب ذلك لأزمة في التمويل.

مواضيع ذات صلة:

لافتة على طريق مطار دمشق الدولي ترحب بالقادمين باللغتين العربية والفارسية- تعبيرية
لافتة على طريق مطار دمشق الدولي ترحب بالقادمين باللغتين العربية والفارسية- تعبيرية

"عاد إلى الخدمة.. خرج عن الخدمة"، باتت هذه العبارة من أكثر العناوين الإخبارية تداولاً لدى النظام السوري خلال الشهرين الأخيرين، فيما يخصّ مطار دمشق الدولي، الذي تكرر في أهداف الضربات الإسرائيلية تجاه مناطق النظام السوري.

وأعلنت حكومة النظام تحويل الرحلات إلى مطار حلب، الذي تعرّض في نوفمبر الماضي لهجوم مشابه أخرجه عن الخدمة كذلك. 

في الظاهر يبدو مطار دمشق الدولي مجرد مرفق مدني تابع للنظام لأغراض السفر المدني، لكنه في الحقيقة، اتخذ طابعاً جعل منه أشبه بمطار عسكري استقبل خلال الحرب السورية آلاف المقاتلين التابعين للحرس الثوري الإيراني، القادمين من إيران والعراق وأفغانستان وباكستان.

كما تحوّل إلى ممر لوصول الأسلحة الإيرانية للنظام السوري وحزب الله اللبناني، حيث وصلت تلك الأسلحة تحت غطاء الطيران المدني، لتجنّب العقوبات والضربات الأميركية أو الإسرائيلية. 

في عام 2016، نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، تحقيقاً استقصائياً بعنوان "من داخل البيت الزجاجي"، كشف أن إيران قامت بقيادة عملياتها الهادفة لدعم بشار الأسد من مبنى سرّي ضخم، يضم كبار قادة الاستخبارات الإيرانيين قرب مطار دمشق الدولي.

وكشفت الصحيفة ملف المعلومات المسرّبة من "مصادر عليا" في الحرس الثوري الإيراني، التي قالت إن غرفة العمليات الإيرانية في سوريا تُدار من قبل عسكريين وخبراء إيرانيين موجودين في بناء مؤلّف من خمسة طوابق، يقع قرب مطار دمشق الدولي، حيث تتم عمليات للاستخبارات ومكافحة التجسس، كما يحتوي البناء على خزائن مليئة بملايين الدولارات النقدية القادمة من إيران.

وأضافت أن "البيت الزجاجي" يحوي عدداً من الإدارات داخل المبنى، منها إدارة مكافحة التجسّس والخدمات اللوجستية والدعائية، وقيادة المرتزقة الأجانب، بينما تقع إدارة أجهزة الاستخبارات الإيرانية المسؤولة عن المبنى "السري" في الطابقين العلويين.

يقول الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية في "مركز عمران للدراسات"، نوار شعبان، إن مطار دمشق الدولي، يشكل أهمية خاصة لدى إيران، كونه نقطة إمداد متقدّمة لها داخل الأراضي السورية، وحلقة وصل مهمة بينها وبين حزب الله اللبناني".

ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن أي مرفق مدني أو عسكري "مهم"، سواء بالنسبة للنظام السوري أو لإيران.

ويرى شعبان، أن إسرائيل "تدرك أهمية مطار دمشق كنقطة إمداد لوجستية" غير أنها "لا تستطيع شلّ الحركة فيه على المدى الكامل والطويل"، واصفاً استهدافها للمطار بأنه "لحظي، يتعلق عادةً باستهداف مدرج يعطّل وصول طائرة إيرانية تفيد المعلومات الاستخباراتية بأنها تقلّ مسؤولاً مهماً أو تحمل أسلحة نوعية". 

 

التنسيق الإسرائيلي- الروسي

الأهمية التي ذكرت سابقاً لمطار دمشق ليست محلّ إجماع الخبراء والمحللين، حيث يذهب المحلل السياسي حسن النيفي، إلى أن "القيمة التي يحظى بها مطار دمشق الدولي هي قيمة رمزية ولا تُحيل إلى أهميته الحيوية أو العمرانية أو الأمنية".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "عندما تستهدفه إسرائيل بشكل متكرر فهي ترمي إلى إبلاغ النظام وحلفائه من محور الممانعة، أنها قادرة على شلّ حركتهم وتقويض أي نشاط عسكري يستهدف إسرائيل".

وهذا الاستهداف المتكرر "تحوّل إلى حالة معتادة عند النظام والميليشيات التابعة له"، وفق تعبير النيفي، متابعاً "هذه الضربات لا تؤدي عادة إلى خسائر بشرية لأنها مجرد رسائل فقط، من جهة، ولأنها تتم بالتنسيق مع إسرائيل، بموجب الاتفاق الذي أبرم عام 2018 بين كل من موسكو وتل أبيب وواشنطن حول ضرورة التنسيق وتحاشي الاشتباك في الأجواء السورية، من جهة ثانية".

في السياق، يقول الباحث في مركز "أبعاد للدراسات"، فراس فحام، لـ"ارفع صوتك"، إن إسرائيل "تبتعد في الوقت الحالي عن استخدام الأجواء السورية لشن ضربات؛ خشية التصادم مع القوات الروسية، وتقوم بدلاً من ذلك بشن ضربات بصواريخ بعيدة المدى تُطلق من الأجواء اللبنانية أو من البحر المتوسط، لكنها على أية حال لا تهدف إلى تدمير المطار بشكل كلي أو إخراجه عن الخدمة بشكل دائم".

وحول التنسيق مع روسيا، يرى فحام، أن هذه الفكرة "أصبحت من الماضي، لأن موسكو ضيّقت من قدرات إسرائيل على تنفيذ غارات جوية في سوريا بشكل كبير، وقامت في الوقت نفسه بالتنسيق مع إيران في إيجاد بدائل للمطارات المدنية، عبر المطارات العسكرية الخاضعة لسيطرة روسيا مثل قاعدتي حميميم وتدمر".

بالنسبة لنوار شعبان، فإن إسرائيل "يستحيل أن تقوم بهذا الكم من الاستهدافات في كل الخارطة السورية، ولا سيما مطار دمشق الحيوي، دون التنسيق مع موسكو، رغم الإدانات الدبلوماسية الروسية التي تعبّر عن الاستنكار والرفض لهذه الضربات".

ويؤكد أن "التنسيق غير المعلن بين موسكو وتل أبيب يحدّد كذلك نوعية وحجم الضربات، بحيث لا تؤدّي مثلاً إلى إحداث أضرار كبيرة في المطار، إنما يقتصر ذلك على تدمير جزئي لأحد المدارج، على سبيل المثال".

 

خسائر النظام وإيران

بشأن الخسائر المادّية أو العسكرية، يقول نوار شعبان، إن "إيران تتأثر بلا شكّ جراء بالضربات الإسرائيلية، لكنها أيضا تقوم بامتصاصها والتكيّف معها، بحيث باتت تحوّل الرحلات إلى جهات ثانية مثل مطار حلب الدولي، وتزيد الاعتماد على الطرق البرّية رغم التكلفة العالية لذلك".

"كما تحاول إيران تشتيت التركيز الإسرائيلي عبر تكرار عمليات التموضع وإعادة الانتشار، بحيث يصعب على الضربات الإسرائيلية تحديد واستهداف كل مناطق العبور والإمداد اللوجستي، الممتدة من دير الزور شرقاً إلى معبر نصيب جنوباً، مروراً بمناطق البادية السورية"، بحسب شعبان. 

ويستدرك، أن "المتضرّر الأكبر هو النظام السوري، الذي يتكلّف مبالغ طائلة مع كل عملية إعادة تأهيل للمطار، بالإضافة إلى أن قصف المطار يؤثّر على عملية الملاحة الجوية مع ترويج النظام دولياً بأن الحياة عادت لطبيعتها، ويمكن للزوار والالسيّاح قدوم لسوريا".

يتابع شعبان: "القصف المتكرّر لمطار دمشق يضرب دعاية النظام السوري حول سيطرته المُطلقة في مناطق نفوذه".