"نحن اليوم نلاحق رغيف الخبز حرفياً، إذا كانت المجاعة تعني العجز عن تأمين وجبة الطعام التالية.. فنحن في مجاعة"، يردّد الخمسيني السوري قحطان. م (تحفظ على ذكر اسمه الثنائي) هذه الكلمات خلال حديثه عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في سوريا.
منذر (54 عاماً) من سكان العاصمة دمشق، يعمل موظفاً حكوميا في إحدى مؤسسات النظام السوري منذ 34 سنة، فضّل عدم الكشف عن كنيته خوفاً من الملاحقة الأمنية. يقول لـ"ارفع صوتك": "السلطة الحاكمة تجوّعنا وتطلب منا الصمت".
ويصف ارتفاع أسعار المواد الغذائية في مناطق النظام بأنه "جنوني"، خصوصاً بعد شهر أغسطس الماضي، مبيناً "الناس لا يهتمون اليوم بأسعار البيوت والسيارات والملابس والعطور، بل صار الاهتمام حتى عند الميسورين حالاً بتأمين المواد الغذائية، التي تحوّلت لكنز ثمين".
وفي منتصف أغسطس الماضي، أعلنت الحكومة السورية رفع الدعم عن المحروقات الرئيسية في البلاد بنسبة تقارب ثلاثة أضعاف، ما أدى بشكل مباشر إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام، وأسعار المواد الغذائية بشكل خاص، بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل والنقل القائمة على "الديزل" و"البنزين".
وعلى الرغم من أن قرار رفع الدعم سبقه بساعات مرسوم من رئيس النظام السوري بشار الأسد، برفع الرواتب بنسبة 100%، إلا أن الزيادة الجديدة أصبحت ذات مفعول عكسي، مع ارتفاع أسعار السلع والمواد بنسب كبيرة وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 200%.
"وجبة واحدة يومياً"
في تقرير حديث لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ورد أن تكلفة السلة الغذائية في سوريا (تشمل 20 سلعة غذائية رئيسة) ارتفعت في سبتمبر الماضي إلى 938 ألف ليرة سورية (67 دولار).
وأوضح أن تخفيض دعم الوقود في الأشهر الأخيرة وانخفاض قيمة الليرة السورية، أديا إلى مزيد من الضغوط التضخمية على تكلفة السلة الغذائية، مشيرا إلى أن سعر سلّة الحد الأدنى للإنفاق (مقياس لحساب التكلفة الأدنى لمعيشة أسرة مكونة من خمسة أفراد شهرياً) ارتفع للمرة الـ 14 على التوالي، ليصل إلى نحو 2.2 مليون ليرة سورية في سبتمبر الماضي، بينما تضاعفت تكاليف المعيشة تقريباً في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، وارتفعت أربعة أضعاف خلال عامين.
يقول أبو سلام وهو صاحب محل بقالة في منطقة الزاهرة الشعبية جنوب دمشق، إن الناس لم تعد تستطيع شراء البيض والجبنة والزيتون مثلاً، مضيفا أن سعر ثلاثة أقراص من الفلافل (التي كانت تسمى طعام الفقراء) وصل إلى ألف ليرة سورية.
ويضيف لـ"ارفع صوتك": "أعرف أشخاصاً كثيرين لا يستطيعون أن يأكلوا سوى وجبة واحدة يومياً، وبقية اليوم يأكلون الخبز وحده".
من جهته، يبين الخبير الاقتصادي د. فراس شعبو، إن "النظام السوري قام بتثبيت سعر الصرف أمنياً، أي إن السعر الحقيقي لليرة السورية بالمؤكد ليس هو السعر الحالي أمام الدولار (في حدود 14 ألف ليرة سورية أمام الدولار الواحد في أسواق العاصمة دمشق)، بل أعلى بكثير، والدليل على ذلك أن أسعار السلع الرئيسة ترتفع بشكل يومي رغم أن سعر الصرف ثابت منذ عدة أسابيع".
"ومما يزيد الوضع سوءاً"، يقول شعبو لـ"ارفع صوتك" هو "نسبة الهجرة الكبيرة من الريف وتأثر الزراعة المحلية بشكل مباشر، ما يعني مزيداً من التدهور في الأمن الغذائي في سوريا".
ويضيف أن أزمة اقتصاد النظام السوري هي "أزمة بنيوية" حتى قبل اندلاع الثورة الشعبية سنة 2011، وأن "إجراءات التطبيع السياسي ورفع الدعم وزيادة الضرائب كلها لا تُجدي نفعاً"، متوقعاً أن تتجه الأزمة "للأسوأ".
وتُعد سوريا من بين البلدان الستة التي تعاني أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم، حيث يوجد 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون انعدام الأمن الغذائي، كما يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، وفق البيانات الأممية.
ورغم من ازدياد الاحتياجات الإغاثية، تتضاءل نسبة التمويل المخصصة لخطة الاستجابة الإنسانية في سوريا، حيث بلغت نسبة العجز حتى الآن 71%، وهو ما أدى إلى إعلان برنامج الأغذية العالمي، في 13 يونيو الماضي، عن تخفيض مساعداته الغذائية لنحو 2.5 مليون شخص بدءاً من يوليو الماضي، بعد أن كان يقدّمها لنحو 5.5 مليون يعتمدون على المساعدات في سوريا، مُرجعاً أسباب ذلك لأزمة في التمويل.
تقرير برنامج الأغذية حذّر من أن الطلب المتزايد المحتمل على الطاقة مع اقتراب فصل الشتاء، والصراع الإقليمي الحالي، يهدّد على المدى القريب بتغيير الأسعار في سوريا، وارتفاعها إلى مستويات جديدة غير مسبوقة.
وتُعد سوريا من بين البلدان الستة التي تعاني أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم، حيث يوجد 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون انعدام الأمن الغذائي، كما يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، وفق البيانات الأممية.
ورغم ازدياد الاحتياجات الإغاثية، تتضاءل نسبة التمويل المخصصة لخطة الاستجابة الإنسانية في سوريا، حيث بلغت نسبة العجز حتى الآن 71%، ما أدى إلى إعلان برنامج الأغذية العالمي، في 13 يونيو الماضي، عن تخفيض مساعداته الغذائية لنحو 2.5 مليون شخص بدءاً من يوليو الماضي، بعد أن كان يقدّمها لنحو 5.5 مليون يعتمدون على المساعدات في سوريا، مُرجعاً أسباب ذلك لأزمة في التمويل.