امرأة تبكي أحد ضحايا القصف الروسي لمناطق في إدلب شمال غرب سوريا- فرانس برس
امرأة تبكي أحد ضحايا القصف الروسي لمناطق في إدلب شمال غرب سوريا- فرانس برس

تسبب القصف والاستهداف المتكرر، الذي تشنه قوات النظام السوري والقوات الروسية على إدلب وريفها منذ أكثر من شهر، بأضرار كبيرة على القطاع الصحي.

ويعاني القطاع الصحي أساسا من عجز كبير في تقديم الخدمات لسكان هذه المنطقة المكتظة، ولم يتعاف بعد من تبعات زلزال كهرمان مرعش (6 فبراير)، وما سبقه من قصف واعتداءات متكررة للنظام وروسيا دمرت العديد من المستشفيات والمرافق الطبية الحيوية.

كما يواجه نقصا شديدا في الموارد وأضرارا في البنية التحتية، وتفتقر المستشفيات والمرافق الصحية إلى المعدات والأدوية الأساسية، بالإضافة إلى وجود نقص في الكوادر الطبية المدربة.

وبيّن تقرير لـ"الأوتشا"، نُشر في الثالث من نوفمبر الجاري، مقتل أكثر من 70 شخصاً وإصابة 349 آخرين، أكثر من الثلثين أطفال، كما نزح أكثر من 120,000 شخص خلال أسبوعين بسبب تصعيد الأعمال العدائية الذي بدأت في 5 أكتوبر الماضي.

وأكد تضرر أكثر من 40 مرفقاً صحياً، و24 مدرسة، و20 منظومة مياه، بالإضافة إلى العديد من المرافق الأخرى.

 

صعوبة الحصول على العلاج

محمد عميري نازح مقيم في الدانا في ريف إدلب، وهو أب لثلاثة أطفال. يقول لـ"ارفع صوتك": "أحد أبنائي يعاني من ثقب في القلب ونقص في النمو، ويحتاج علاجًا مستمرًا، ولكن بسبب نقص الأدوية والمعدات الضرورية في المستشفيات المحلية، نجد صعوبة في الحصول على العلاج اللازم، وهذا يضع حياة ابني في خطر دائم".

"كما يتسبب القصف بتضرر المستشفيات والعيادات الطبية في المنطقة، ويزيد من صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية"، يضيف محمد.

ويتابع: "نحن بحاجة ماسة إلى المساعدة الطبية والدعم الإنساني لهذا القطاع وتزويده بالأدوية والأجهزة، وتدخل المجتمع الدولي لمنع استهداف المشافي والمساعدة بإعادة بناء ما تهدم".

فاطمة الدناوي (31 عاما)، المقيمة في إدلب، تعاني أيضاً صعوبة الوصول إلى العلاج. تبين لـ"ارفع صوتك": "عوضاً عن نقص الأدوية والأجهزة الطبية، هناك أيضاً نقص في عدد الأطباء والممرضين المتاحين لتقديم الرعاية الصحية".

بدوره، يؤكد مدير العلاقات العامة في مديرية صحة  إدلب، غانم الخليل، أن القطاع الصحي في المدينة "يعاني أساساً من قلّة الإمكانيات الطبية الموجودة مقارنة بعدد السكان الموجودين في هذه المنطقة، وزادت الأزمة بتكرار القصف للمرافق الطبية والبنى التحتية".

ويوضح الخليل لـ"ارفع صوتك": "شهدنا في الفترة الأخيرة اعتداءات على عدد من المراكز والمنشآت الطبية والمستشفيات في إدلب، أبرزها المشفى الوطني، كذلك تم استهداف المربع الطبي، واستُهدفت مديرية صحة إدلب والمشفى الجامعي بشكل مباشر بصاروخ سقط بين المشفى الجامعي ومديرية صحة إدلب، متسبباً بأضرار مادية، ولم يكن هناك أضرار بشرية لحسن الحظ، أما مدينة تفتناز، فقد تعرضت فيها سيارة طبيب للاستهداف، ما أدى لمقتل ممرض كان برفقته وإصابة الطبيب والسائق".

 

أجهزة منتهية الصلاحية

يبين الخليل، أن المرافق الطبية في إدلب "تعاني نقصاً في المعدات والمستهلكات العظمية والعصبية، بالإضافة لنقص ومشكلة في الأجهزة أيضاً، فالأجهزة الموجودة انتهت صلاحية استخدامها، ولكن بسبب عدم وجود بديل، نستمر بتشغيلها، وهناك بعض الأجهزة مضى على تاريخ انتهاء صلاحيتها أكثر من 10 و15 سنة".

"كذلك هناك نقص في الأدوية النوعية وأدوية التخدير وأدوية الأمراض المزمنة التي يحتاجها دوريا عدد كبير جدا من المرضى، مثل مرضى السكري وارتفاع ضغط الدم والقلب وغيرها، بالإضافة إلى النقص في جرعات السرطان وعلاج الأورام، علماً أنه لا يوجد في الشمال السوري سوى  مركز واحد فقط لمعالجة الأورام يقع في محافظة إدلب".

 

دعم المنظمات

يشير مدير العلاقات العامة في مديرية صحة  إدلب، غانم الخليل، إلى "وجود منظمات تعنى بالشأن الطبي بشكل خاص وتقدم دعما كبيرا لهذا القطاع، وتعمل بجهود كبيرة لتأمين المستهلكات والاحتياجات اللازمة".

ويستدرك: "لكن حجم عدد السكان الموجود والحاجة الطبية أكبر من المتوفر حتى الآن، ونأمل من المنظمات المحلية والدولية ومنظمة الصحة العالمية توجيه دعم أكبر إلى منطقة شمال غرب سوريا".

ويقول الخليل إن "معظم المنظمات الصحية العاملة في إدلب تنسق مع مديرية صحة إدلب لتقييم الاحتياجات وتوزيع المستهلكات حسب الضرورة، خصوصاً في أوقات القصف والاستهداف، وهناك مشافٍ تعتبر خط أول تكون أكثر حاجة، وهذه الحاجة تُقدرها وتُقيمها مديرية صحة إدلب".

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية من إحدى قرى الشمال السوري- فرانس برس
صورة تعبيرية من إحدى قرى الشمال السوري- فرانس برس

منذ عدة أيام دخل الطفل بشار الجبر (15 عاما)، قطعة أرض مهجورة في قرية موزان شرق محافظة دير الزور، كانت تستعمل في السابق كنقطة عسكرية، وبينما كان يجمع الخردة، انفجر به لغم أرضي، فقتله. 

وقبلها بأيام قُتل محمد مرعي العسول (37 عاما) أثناء عمله في أحد الأراضي الزراعية في بلدة الغارية الغربية بريف محافظة درعا الشرقي، بعد انفجار جسم من مخلفات الحرب.

أحداث عديدة مشابهة وضحايا كثر للألغام ومخلفات الحرب تشهدها مناطق النزاع في سوريا، تركت تأثيرات كارثية على الحياة اليومية للمدنيين، متسببة بالعديد من الوفيات والإعاقات الدائمة، غالبيتهم من المزارعين والعاملين في مواسم القطاف وجامعي الكمأة والخردة والأطفال.

كما تشكل الألغام تهديداً مستمراً للاستدامة البيئية والموارد الطبيعية والحياة النباتية والحيوانية. وبحسب تقرير مرصد الألغام الأرضية (Mine Action Review)، سجلت سوريا أكبر عدد من ضحايا الألغام المضادة للأفراد ومخلفات الحرب.

وكشف في تقريره السنوي، أنه خلال الفترة الممتدة بين عام 2022 والنصف الأول من 2023، سجلت سوريا للعام الثالث على التوالي، أكبر عدد من الضحايا الجدد للألغام المضادة للأفراد أو مخلفات الحرب القابلة للانفجار، ووثق وقوع 834 ضحية في سوريا، كما تم تحديد 42 مجتمعاً ملوثاً بالذخائر المتفجرة في المناطق التي ضربها الزلزال.

إزالة الذخائر غير المنفجرة 

تقوم فرق الدفاع المدني السوري (منظمة الخوذ البيضاء) بجهود حثيثة لإزالة الذخائر غير المنفجرة، ومسح المناطق الملوثة بمخلفات الحرب، بالإضافة إلى حملات توعية مستمرة حول أشكال هذه المخلفات وخطرها، وكيفية التصرف السليم في حال مصادفتها.

وتزداد كثافة هذهِ الحملات في مواسم الحصاد وقطاف الزيتون لتمكين المزارعين من العمل في أرضهم بسلام، إضافة إلى توفير السلامة العامة للمدنيين والأطفال، وتعزيز التنمية المستدامة في مناطق شمال غربي سوريا، بحسب منشورات المنظمة.

وتبين في تقرير حول الألغام في سوريا، أن هناك الآلاف من الذخائر التي تقصف بها المدن والأراضي الزراعية إضافة إلى الألغام، "لا تنفجر وتشكل تهديدا طويل الأمد على المدنيين والبيئة، كما تُعدُ حاجزاً بين المزارع ومحصوله وبين الطفل ومدرسته ومسرح لهوه".

ويشير الدفاع المدني إلى أن فرقه قامت حتى تاريخ صدور التقرير في منتصف شهر نوفمبر الماضي، بالتخلص من أكثر من 24 ألف ذخيرة متنوعة أغلبها قنابل عنقودية، كما وثقت فرق الذخائر  خلال السنوات الماضية استخدام أكثر من 60 نوع من الذخائر المتنوعة، بينها أكثر من 11 نوعا من القنابل العنقودية المحرمة دولياً، التي استخدمها النظام وروسيا.

كذلك بين التقرير أنه ومنذ بداية العام الحالي حتى نهاية شهر أكتوبر الماضي، أتلفت فرق المنظمة  أكثر من 894 ذخيرة متنوعة، بينها 119 ذخيرة خلال أكتوبر وحده.

وأفاد أنه ومنذ بداية العام الحالي حتى منتصف شهر نوفمبر الماضي، وثقت فرق الدفاع المدني 15 انفجاراً لمخلفات الحرب في شمال غربي سوريا، أدت لمقتل 4 أطفال ورجلين، وإصابة 23 مدنياً بينهم 16 طفلاً و3 نساء.

خرائط حقول الألغام

بدورها، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في أبريل الفائت، انتشار الألغام الأرضية على مساحات واسعة في العديد من المحافظات السورية، وقامت بتجهيز خرائط تحدد مواقع تواجد حقول الألغام، ومواقع انتشار مخلفات الذخائر العنقودية كي يتم تجنبها من قبل السكان المحليين.

يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ"ارفع صوتك": "استغرق تحديد المواقع التي تتواجد فيها حقول الألغام في سوريا جهداً كبيراً، امتد لحوالي سنة، وكان لتقريرنا هدفان، الأول أن تقوم القوى المسيطرة بالبناء على هذا التقرير والمتابعة بإزالة حقول الألغام، والثاني إطلاع السكان على هذه الخرائط والتوعية بوجودها من أجل تجنبها".

ويعتبر عبد الغني أن التجاوب مع التقرير والخرائط التي تم إعدادها كان "ضعيفا ودون المستوى المأمول بشكل كبير جدا"، لهذا "ما زلنا نسجل حوادث وإصابات ووفيات بسبب الألغام"، كما يقول.

وبينت الشبكة السورية في تقريرها، أن ما لا ما لا يقل عن 3353 مدنياً بينهم 889 طفلاً، و335 سيدة (أنثى بالغة)، و8 من الكوادر الطبية، و7 من كوادر الدفاع المدني، و9 من الكوادر الإعلامية، قتلوا في المئات من حوادث انفجار الألغام الأرضية المضادة للأفراد في سوريا،  بينهم 382 مدنياً قتلوا على يد قوات الحلف السوري الروسي، إثر انفجار مخلفات ذخائر عنقودية.

موسم الزيتون: الحصاد المُميت

لم يكن الطفل شادي السيد علي (12 عاما) يتوقع أن ينفجر به لغم أرضي، أثناء رحلته لقطاف الزيتون في أطراف مدينته بنش الواقعة في ريف إدلب شمال سوريا.

يقول إنه كان برفقة أخيه، حين رأى جسما غريبا فرماه بعيدا، فسقط على صخرة وانفجر، متسببا ببتر قدمه اليسرى ويده اليمنى.

آلام شديدة عاناها شادي الذي توقف عن الدراسة لمدة سنتين، حتى تم تركيب طرفين صناعيين له، ولكن الألم ما زال يرافقه بشكل مستمر حتى اليوم، ويحرمه من عيش طفولته بشكل طبيعي.

يبين الناشط عزيز الأسمر، من مدينة  بنش، لـ"ارفع صوتك"، أن هناك الكثير من الحالات في المدينة كحالة شادي، ومعظم الضحايا مدنيون، غالبيتهم من الرعاة والمزارعين. 

ويضيف: "هذا النزف مستمر منذ بداية الثورة حتى الآن وكل فترة نسمع عن مقتل طفل أو شاب أو بتر أقدامهم وأيديهم نتيجة هذه الألغام". 

ويؤكد أنه في وقت سابق من العام الماضي عثر أربعة أطفال على لغم أو إحدى مخلفات الحرب أثناء جمعهم الخردة، وأحضروها إلى المنزل، وأثناء عبثهم بها انفجرت وتسببت بمقتلهم جميعا.

يتابع الأسمر، أن "هناك حملات توعية كبيرة حول الألغام من المنظمات والهيئات المدنية والدفاع المدني، لتعريف الناس بشكلها وأماكن تواجدها، مع التشديد على ضرورة إبلاغ الجهات المختصة حين يرون لغما، ولكن الأقدار وفضول الأطفال يتسبب بهذه الحوادث".

ويوضح: "كل قرية أو مدينة في الشمال السوري تعاني من إصابات نتيجة الألغام المتفجرة التي زرعها النظام قبل مغادرة مدينة إدلب،  كذلك هناك العديد من ضحايا مخلفات القنابل العنقودية، ومعظمهم من المزارعين ورعاة الغنم الذين يصادفون اللغم أثناء عملهم. وكونهم لا يعرفون شكله يصبحون ضحايا له، أما العسكريون فهم بطبيعة الحال يعرفون أماكن توزع الألغام ويعرفون شكلها، لذلك قليلا ما تكون هناك إصابات بينهم".