This image from video provided by the Department of Defense shows a Nov. 8, 2023, airstrike on a weapons warehouse. center, in…
صورة وزعتها وزارة الدفاع الأميركية لغارة جوية على مخزن سلاح شرقي سوريا

تحوّلت محافظة دير الزور، في شرقي سوريا، إلى ساحة مواجهة بين القوات الأميركية والمليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، في امتداد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي في غزة إلى خارج حدود القطاع.

وتنقسم دير الزور، التي تُعد أغنى محافظات سوريا بآبار النفط، إلى منطقتين يفصل بينهما نهر الفرات.

تسيطر على الضفة الشرقية (الجزيرة) قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من التحالف الدولي، وفيها تتمركز القوات الأميركية بعدة قواعد عسكرية.

أما على الضفة الغربية (الشاميّة) فتسيطر قوات النظام السوري مع ميليشيات تابعة للحرس الثوري الإيراني.

ولا تفصل بين مناطق السيطرتين في كثير من الأحيان سوى عشرات الأمتار.

 

ساحة مواجهة جانبية

 

منذ بدء الحرب في غزة، قامت مليشيات تابعة لإيران في سوريا بالتدخّل غير المباشر بالحرب، الأول كان عند حدود الجولان، المحكومة باتفاقية "فض الاشتباك" بين سوريا وإسرائيل منذ العام 1974، حيث استهدف مسلحون مدعومون من طهران مناطق شمال شرق إسرائيل ببعض الأسلحة إضافة إلى إرسال طائرات مسيّرة، وهو ما ردّت عليه القوات الإسرائيلية بقصف داخل الأراضي السورية في محافظتي درعا والقنيطرة، وكذلك في مطارَي حلب ودمشق الدوليين.

وتدخلت الفصائل المسلحة أيضا باستهداف مراكز تموضع القوات الأميركية، خصوصاً في حقل العمر النفطي وحقل كونيكو للغاز شرقي محافظة دير الزور.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أكّدت عبر وزارة الدفاع (البنتاغون) أن هذه الهجمات لم تُؤدّ إلى سقوط قتلى أو إصابات خطيرة، إلا أنها ردّت على مصادر النيران في أكثر من موقع من محافظة دير الزور، أبرزها محافظة البوكمال أقصى شرق المحافظة على الحدود العراقية، وكان ذلك منتصف أكتوبر الماضي، بالإضافة إلى غارات جوية عنيفة استهدفت مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني في مدينة دير الزور قبل أيام قليلة.

وأعلنت الولايات المتحدة قيامها بالردّ على الجماعات التابعة للحرس الثوري الإيراني 3 مرات منذ 7 أكتوبر الماضي، آخرها ليلة 12 نوفمبر، حيث قال وزير الدفاع أن الضربة الأميركية "جاءت بأمر مباشر من الرئيس جوزيف بايدن"، وأنها استهدفت منشآت تابعة للحرس الإيراني في البوكمال والميادين بريف دير الزور الشرقي.

وقبل ذلك بأيام قليلة، قال وزير الدفاع الأميركي إن غارات أميركية استهدفت منشأة لتخزين السلاح تابعة للحرس الثوري الإيراني في مدينة دير الزور، بينما قالت وسائل إعلام موالية للمعارضة إن الغارات استهدفت تمركزات لمليشيات إيران في شارع "بور سعيد" وحي "هرابش" شرق المدينة، مشيرةً إلى أنها أدت إلى سقوط قتلى وجرحى من المسلحين.

سعي إيراني لتغيير قواعد الاشتباك؟

تتميّز تمركزات الفصائل المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني بأنها "غير مستقرة وغير ثابتة"، وفقاً للصحفي السوري فراس علاوي الخبير بشؤون المنطقة الشرقية.

يقول علاوي لـ"ارفع صوتك" إن القوات الأميركية تستهدف في العادة قواعد متنقّلة لإطلاق الصواريخ في مناطق البادية بريف دير الزور، بالإضافة إلى استهداف قوافل الدعم العسكري واللوجيستي التي تعبر من العراق إلى سوريا عن طريق ريف دير الزور الشرقي، بالإضافة إلى "قاعدة الإمام علي" الموجودة بريف البوكمال، والتي تعد من أهم مراكز تجميع الأسلحة والصواريخ التابعة للمليشيات الإيرانية.

ويوضح علاوي أن الاستهدافات الإيرانية تركز على حقل "العمر" النفطي شرقي دير الزور، وحقل "كونيكو" للغاز شمالي مركز المدينة، وذلك لأنهما أكبر قاعدتين رئيسيتين للقوات الأميركية في الشرق السوري عامة، وفي محافظة دير الزور خاصة.

ويشير إلى أن القصف لا يصيب مراكز القيادة الأميركية، إنما يطاول عادة أطراف هذه المراكز، ولا يؤدّي إلى أي خسائر بشرية.  

المواجهات بين المليشيات الإيرانية والقوات الأميركية في سوريا ليست جديدة، وفقاً لعبد الوهاب عاصي، الباحث في مركز "جسور" للدراسات، الذي يقول لـ"ارفع صوتك" إنها تعود إلى عام 2018، وإنها بدأت تأخذ منحى متصاعداً منذ عام 2021، "فيما يبدو أنّ الحرس الثوري الإيراني أخذ يسعى إلى تغيير قواعد الاشتباك مع قواعد التحالف من خلال اختبار ردود الأفعال العسكرية وبناء الهجمات التالية عليها، وبما يقود في النهاية إلى رفع كلفة بقاء القوات الأميركية وزيادة الضغوط عليها للتفاوض مثلما حصل في العراق"، وفقاً لتعبيره.

ويضيف عاصي أن سلسلة التصعيد الراهنة بين الطرفين -والتي بدأتها المليشيات الإيرانية في 23 أكتوبر- هي الأعنف مقارنة مع كل الموجات السابقة من ناحية كثافة النيران والأسلحة المستخدمة والنطاق الجغرافي، حيث طال القصف لأوّل مرة قواعد التحالف الدولي في الحسكة، وتم استخدام الأراضي العراقية والسورية لتوجيه الضربات.

وبحسب عاصي، تسعى الميليشيات الإيرانية إلى توسيع قواعد الاشتباك، "لكنها تكتيكياً تريد إشغال القوات الأميركية في سوريا بحكم مشاركتها في دعم إسرائيل في غزة، وفتح جبهة جديدة للضغط على الولايات المتحدة، في الوقت الذي تبدو فيه خيارات فتح جبهة الجولان أو جنوب لبنان بالنسبة لإيران مكلفة أكثر بكثير من التصعيد شرق سوريا".

ويختم عاصي حديثه بالإشارة إلى أن اختيار إيران لجبهة شرق سوريا كساحة للتصعيد، يؤكد عدم رغبتها في توسيع نطاق الحرب في المنطقة، "لكن ذلك لا يضمن لها حصول ذلك، ولا سيما أن المواجهات تأخذ طابعاً تصاعدياً، وقد تؤول إلى انزلاق نحو ردود فعل غير مدروسة، فضلاً عن أنّ الحسابات ذاتها قد تنطبق على حالة التصعيد بين "حزب الله" وإسرائيل في جبهة جنوب لبنان"، بحسب رأيه.

مواضيع ذات صلة:

لافتة على طريق مطار دمشق الدولي ترحب بالقادمين باللغتين العربية والفارسية- تعبيرية
لافتة على طريق مطار دمشق الدولي ترحب بالقادمين باللغتين العربية والفارسية- تعبيرية

"عاد إلى الخدمة.. خرج عن الخدمة"، باتت هذه العبارة من أكثر العناوين الإخبارية تداولاً لدى النظام السوري خلال الشهرين الأخيرين، فيما يخصّ مطار دمشق الدولي، الذي تكرر في أهداف الضربات الإسرائيلية تجاه مناطق النظام السوري.

وأعلنت حكومة النظام تحويل الرحلات إلى مطار حلب، الذي تعرّض في نوفمبر الماضي لهجوم مشابه أخرجه عن الخدمة كذلك. 

في الظاهر يبدو مطار دمشق الدولي مجرد مرفق مدني تابع للنظام لأغراض السفر المدني، لكنه في الحقيقة، اتخذ طابعاً جعل منه أشبه بمطار عسكري استقبل خلال الحرب السورية آلاف المقاتلين التابعين للحرس الثوري الإيراني، القادمين من إيران والعراق وأفغانستان وباكستان.

كما تحوّل إلى ممر لوصول الأسلحة الإيرانية للنظام السوري وحزب الله اللبناني، حيث وصلت تلك الأسلحة تحت غطاء الطيران المدني، لتجنّب العقوبات والضربات الأميركية أو الإسرائيلية. 

في عام 2016، نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، تحقيقاً استقصائياً بعنوان "من داخل البيت الزجاجي"، كشف أن إيران قامت بقيادة عملياتها الهادفة لدعم بشار الأسد من مبنى سرّي ضخم، يضم كبار قادة الاستخبارات الإيرانيين قرب مطار دمشق الدولي.

وكشفت الصحيفة ملف المعلومات المسرّبة من "مصادر عليا" في الحرس الثوري الإيراني، التي قالت إن غرفة العمليات الإيرانية في سوريا تُدار من قبل عسكريين وخبراء إيرانيين موجودين في بناء مؤلّف من خمسة طوابق، يقع قرب مطار دمشق الدولي، حيث تتم عمليات للاستخبارات ومكافحة التجسس، كما يحتوي البناء على خزائن مليئة بملايين الدولارات النقدية القادمة من إيران.

وأضافت أن "البيت الزجاجي" يحوي عدداً من الإدارات داخل المبنى، منها إدارة مكافحة التجسّس والخدمات اللوجستية والدعائية، وقيادة المرتزقة الأجانب، بينما تقع إدارة أجهزة الاستخبارات الإيرانية المسؤولة عن المبنى "السري" في الطابقين العلويين.

يقول الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية في "مركز عمران للدراسات"، نوار شعبان، إن مطار دمشق الدولي، يشكل أهمية خاصة لدى إيران، كونه نقطة إمداد متقدّمة لها داخل الأراضي السورية، وحلقة وصل مهمة بينها وبين حزب الله اللبناني".

ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن أي مرفق مدني أو عسكري "مهم"، سواء بالنسبة للنظام السوري أو لإيران.

ويرى شعبان، أن إسرائيل "تدرك أهمية مطار دمشق كنقطة إمداد لوجستية" غير أنها "لا تستطيع شلّ الحركة فيه على المدى الكامل والطويل"، واصفاً استهدافها للمطار بأنه "لحظي، يتعلق عادةً باستهداف مدرج يعطّل وصول طائرة إيرانية تفيد المعلومات الاستخباراتية بأنها تقلّ مسؤولاً مهماً أو تحمل أسلحة نوعية". 

 

التنسيق الإسرائيلي- الروسي

الأهمية التي ذكرت سابقاً لمطار دمشق ليست محلّ إجماع الخبراء والمحللين، حيث يذهب المحلل السياسي حسن النيفي، إلى أن "القيمة التي يحظى بها مطار دمشق الدولي هي قيمة رمزية ولا تُحيل إلى أهميته الحيوية أو العمرانية أو الأمنية".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "عندما تستهدفه إسرائيل بشكل متكرر فهي ترمي إلى إبلاغ النظام وحلفائه من محور الممانعة، أنها قادرة على شلّ حركتهم وتقويض أي نشاط عسكري يستهدف إسرائيل".

وهذا الاستهداف المتكرر "تحوّل إلى حالة معتادة عند النظام والميليشيات التابعة له"، وفق تعبير النيفي، متابعاً "هذه الضربات لا تؤدي عادة إلى خسائر بشرية لأنها مجرد رسائل فقط، من جهة، ولأنها تتم بالتنسيق مع إسرائيل، بموجب الاتفاق الذي أبرم عام 2018 بين كل من موسكو وتل أبيب وواشنطن حول ضرورة التنسيق وتحاشي الاشتباك في الأجواء السورية، من جهة ثانية".

في السياق، يقول الباحث في مركز "أبعاد للدراسات"، فراس فحام، لـ"ارفع صوتك"، إن إسرائيل "تبتعد في الوقت الحالي عن استخدام الأجواء السورية لشن ضربات؛ خشية التصادم مع القوات الروسية، وتقوم بدلاً من ذلك بشن ضربات بصواريخ بعيدة المدى تُطلق من الأجواء اللبنانية أو من البحر المتوسط، لكنها على أية حال لا تهدف إلى تدمير المطار بشكل كلي أو إخراجه عن الخدمة بشكل دائم".

وحول التنسيق مع روسيا، يرى فحام، أن هذه الفكرة "أصبحت من الماضي، لأن موسكو ضيّقت من قدرات إسرائيل على تنفيذ غارات جوية في سوريا بشكل كبير، وقامت في الوقت نفسه بالتنسيق مع إيران في إيجاد بدائل للمطارات المدنية، عبر المطارات العسكرية الخاضعة لسيطرة روسيا مثل قاعدتي حميميم وتدمر".

بالنسبة لنوار شعبان، فإن إسرائيل "يستحيل أن تقوم بهذا الكم من الاستهدافات في كل الخارطة السورية، ولا سيما مطار دمشق الحيوي، دون التنسيق مع موسكو، رغم الإدانات الدبلوماسية الروسية التي تعبّر عن الاستنكار والرفض لهذه الضربات".

ويؤكد أن "التنسيق غير المعلن بين موسكو وتل أبيب يحدّد كذلك نوعية وحجم الضربات، بحيث لا تؤدّي مثلاً إلى إحداث أضرار كبيرة في المطار، إنما يقتصر ذلك على تدمير جزئي لأحد المدارج، على سبيل المثال".

 

خسائر النظام وإيران

بشأن الخسائر المادّية أو العسكرية، يقول نوار شعبان، إن "إيران تتأثر بلا شكّ جراء بالضربات الإسرائيلية، لكنها أيضا تقوم بامتصاصها والتكيّف معها، بحيث باتت تحوّل الرحلات إلى جهات ثانية مثل مطار حلب الدولي، وتزيد الاعتماد على الطرق البرّية رغم التكلفة العالية لذلك".

"كما تحاول إيران تشتيت التركيز الإسرائيلي عبر تكرار عمليات التموضع وإعادة الانتشار، بحيث يصعب على الضربات الإسرائيلية تحديد واستهداف كل مناطق العبور والإمداد اللوجستي، الممتدة من دير الزور شرقاً إلى معبر نصيب جنوباً، مروراً بمناطق البادية السورية"، بحسب شعبان. 

ويستدرك، أن "المتضرّر الأكبر هو النظام السوري، الذي يتكلّف مبالغ طائلة مع كل عملية إعادة تأهيل للمطار، بالإضافة إلى أن قصف المطار يؤثّر على عملية الملاحة الجوية مع ترويج النظام دولياً بأن الحياة عادت لطبيعتها، ويمكن للزوار والالسيّاح قدوم لسوريا".

يتابع شعبان: "القصف المتكرّر لمطار دمشق يضرب دعاية النظام السوري حول سيطرته المُطلقة في مناطق نفوذه".