صورة أرشيفية لغارة إسرائيلية على مناطق قرب العاصمة السورية دمشق- تعبيرية
صورة أرشيفية لغارة إسرائيلية على مناطق قرب العاصمة السورية دمشق- تعبيرية

تشكّل "دول الطوق" بالنسبة لإسرائيل أهمية كبرى في مسار الحرب الدائرة بينها وفصائل فلسطينة مسلحة في قطاع غزة، لا سيما سوريا، التي تتواصل في الحرب وتداعياتها والتنافس العسكري فيها منذ سنة 2011.

وشهد أكتوبر الماضي تحرّكات عسكرية وأمنية على حدود إسرائيل الشمالية والشمالية الشرقية مع لبنان وسوريا، ويردّ الجيش الإسرائيلي بشكل يومي على مصادر نيران تأتي من حدود الدولتين، اللتين تخضعان لسيطرة متزايدة من قبل إيران، غير أن الأمر لا يخص فقط صراع الوكالة الذي تخوضه إيران مع إسرائيل منذ سنوات، إنما تظهر روسيا كلاعب إضافي غير متوقع في خضم الصراع الحالي في قطاع غزة.

وكشفت وكالة "بلومبرغ" الأميركية في تقرير، أن إسرائيل توقفت مؤخراً عن إبلاغ القوات الروسية في سوريا بالضربات والغارات التي تشنّها في مناطق سيطرة النظام السوري والميليشيات الإيرانية.

وأوضحت أنه منذ بدء المواجهات في قطاع غزة، كثّفت إسرائيل ضرباتها ضد الميليشيات الإيرانية في جنوب سوريا، تزامناً مع تحوّل رئيسي في السياسة الإسرائيلية، قد يقود إلى تصاعد توتر العلاقات المضطربة بالفعل بين إسرائيل وروسيا، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022.

 

ما علاقة روسيا؟

في ظاهر الأمر فإن الضربات التي تشنّها إسرائيل داخل الأراضي السورية، وعدم إبلاغ القوات الروسية بها، أمر يتعلق بضرب مصادر النيران القادمة من الميليشيات الإيرانية، وفي هذه الحالة فالمفروض أن التنسيق الإسرائيلي الروسي يستمرّ، كما كان موجوداً من قبل على مدار السنوات الماضية، غير أن تطورات الحرب في غزة أظهرت للقادة الإسرائيليين أن روسيا اتخذت موقفاً مضاداً لتل أبيب من هذه الحرب.

في الواقع لا يتعلق الأمر فقط بالتصريحات السياسية الروسية المندّدة بالحرب الإسرائيلية في غزة، والمطالِبة بوقف فوري لإطلاق النار، كما لا يتعلق الأمر كذلك بالسجال الروسي الأميركي في مجلس الأمن حول قرارات تستهدف تل أبيب، إنما يتطور الأمر إلى انخراط روسي أوسع في مجريات الأحداث الدائرة.

وكانت إسرائيل ندّدت مؤخراً باستضافة موسكو وفداً من حركة حماس ونائب وزير الخارجية الإيراني، غير أن هذا لا يبدو ذا تأثير عميق على مستوى العلاقات بين موسكو وتل أبيب، ومستوى التنسيق بينهما على الصعيد العسكري السوري.

قناة “CNN” الأميركية كشفت أن المخابرات الأميركية رصدت عملية تزويد حزب الله اللبناني بنظام دفاع صاروخي روسي الصنع، عبر وساطة مجموعة "فاغنر" العاملة في سوريا.

ونقلت عن مصدرين مطلعين على المعلومات الاستخبارية، أن مجموعة "فاغنر" التي تعمل في سوريا كُلفت بتسليم نظام الصواريخ (أرض- جو SA-22)، دون تأكيد فيما إذا كان قد تم تسليمه أو مدى قربه من التسليم، وأوضحا أن أن نظام الدفاع الصاروخي قدمته روسيا سابقا للنظام السوري.

وقال أحد المصادر، أن الولايات المتحدة كانت تراقب حركة نظام الدفاع الروسي المعروف باسم "بانتسير"، فيما قال الآخر، إن التقييم الأميركي استند جزئياً إلى معلومات استخباراتية تم الحصول عليها من المناقشات بين رئيس النظام السوري بشار الأسد و"فاغنر" وحزب الله، حول تسليم النظام الدفاعي.

وقبل ذلك، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن مصادر استخباراتية، أن شركة "فاغنر" قد توفّر نظاماً دفاعياً روسياً لحزب الله، دون الإفصاح عن أي دور للنظام السوري في هذه الصفقة.

وتأتي احتمالية حصول حزب الله على نظام دفاع جوي روسي، وسط تخوفات إقليمية ودولية من فتح جبهة جديدة على الحدود الشمالية في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

واستهدفت إسرائيل سابقاً هذه الأنظمة الصاروخية داخل سوريا، كجزء من عملية تُسمّى "الحرب بين الحروب" التي تطلقها إسرائيل عنواناً لهجماتها على المواقع الإيرانية في سوريا.

 

التوتر الروسي الإسرائيلي

يقول الباحث في مركز "أبعاد" للدراسات، فراس فحام، إن بوادر التوتر بين موسكو وتل أبيب بدأت منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا فبراير 2022، وذلك بسبب موقف إسرائيل من الحرب، وإعلانها وجوب الحفاظ على وحدة الأراضي الأوكرانية، ثم ما أتبع ذلك من حصول تعاون استخباراتي بين تل أبيب وكييف.

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "منذ ذلك الحين، اتخذت روسيا عدة إجراءات للتضييق من نطاق الضربات الجوية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، ولذلك لجأت إسرائيل إلى ضرب قواعد ومراكز عسكرية إيرانية في سوريا عن طريق صواريخ (أرض أرض) بعيدة المدى، بالإضافة إلى استخدام الأجواء اللبنانية منطلقاً لغاراتها الجوية، وعدم الدخول في المجال الجوي السوري". 

ويرى فحام أن الموقف الروسي من الحرب في غزة، هو "رد فعل من موسكو على الموقف الإسرائيلي من الحرب في أوكرانيا"، بالتالي "فإن الموقف الروسي المساند لحركة حماس، واستخدام الفيتو ضد مشاريع قرارات غربية بشأن غزة، كله يأتي كردّ فعل على النهج الإسرائيلي"، وفق تعبيره.

ويتابع: "إسرائيل ستعود على المدى المتوسط إلى فتح قنوات الاتصال والتنسيق مع روسيا، مقابل تسويات سياسية بين الجانبين، كأن تتخذ إسرائيل موقفاً أقرب للحياد بشأن أوكرانيا، في ظل اهتمام تل أبيب الكبير بمسألة تقويض النفوذ الإيراني في سوريا، ولا يمكن لها أن تتخطى أو تتجاوز النفوذ الروسي في سوريا، لتحقيق إستراتيجيتها العسكرية هناك".

مواضيع ذات صلة:

لافتة على طريق مطار دمشق الدولي ترحب بالقادمين باللغتين العربية والفارسية- تعبيرية
لافتة على طريق مطار دمشق الدولي ترحب بالقادمين باللغتين العربية والفارسية- تعبيرية

"عاد إلى الخدمة.. خرج عن الخدمة"، باتت هذه العبارة من أكثر العناوين الإخبارية تداولاً لدى النظام السوري خلال الشهرين الأخيرين، فيما يخصّ مطار دمشق الدولي، الذي تكرر في أهداف الضربات الإسرائيلية تجاه مناطق النظام السوري.

وأعلنت حكومة النظام تحويل الرحلات إلى مطار حلب، الذي تعرّض في نوفمبر الماضي لهجوم مشابه أخرجه عن الخدمة كذلك. 

في الظاهر يبدو مطار دمشق الدولي مجرد مرفق مدني تابع للنظام لأغراض السفر المدني، لكنه في الحقيقة، اتخذ طابعاً جعل منه أشبه بمطار عسكري استقبل خلال الحرب السورية آلاف المقاتلين التابعين للحرس الثوري الإيراني، القادمين من إيران والعراق وأفغانستان وباكستان.

كما تحوّل إلى ممر لوصول الأسلحة الإيرانية للنظام السوري وحزب الله اللبناني، حيث وصلت تلك الأسلحة تحت غطاء الطيران المدني، لتجنّب العقوبات والضربات الأميركية أو الإسرائيلية. 

في عام 2016، نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، تحقيقاً استقصائياً بعنوان "من داخل البيت الزجاجي"، كشف أن إيران قامت بقيادة عملياتها الهادفة لدعم بشار الأسد من مبنى سرّي ضخم، يضم كبار قادة الاستخبارات الإيرانيين قرب مطار دمشق الدولي.

وكشفت الصحيفة ملف المعلومات المسرّبة من "مصادر عليا" في الحرس الثوري الإيراني، التي قالت إن غرفة العمليات الإيرانية في سوريا تُدار من قبل عسكريين وخبراء إيرانيين موجودين في بناء مؤلّف من خمسة طوابق، يقع قرب مطار دمشق الدولي، حيث تتم عمليات للاستخبارات ومكافحة التجسس، كما يحتوي البناء على خزائن مليئة بملايين الدولارات النقدية القادمة من إيران.

وأضافت أن "البيت الزجاجي" يحوي عدداً من الإدارات داخل المبنى، منها إدارة مكافحة التجسّس والخدمات اللوجستية والدعائية، وقيادة المرتزقة الأجانب، بينما تقع إدارة أجهزة الاستخبارات الإيرانية المسؤولة عن المبنى "السري" في الطابقين العلويين.

يقول الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية في "مركز عمران للدراسات"، نوار شعبان، إن مطار دمشق الدولي، يشكل أهمية خاصة لدى إيران، كونه نقطة إمداد متقدّمة لها داخل الأراضي السورية، وحلقة وصل مهمة بينها وبين حزب الله اللبناني".

ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن أي مرفق مدني أو عسكري "مهم"، سواء بالنسبة للنظام السوري أو لإيران.

ويرى شعبان، أن إسرائيل "تدرك أهمية مطار دمشق كنقطة إمداد لوجستية" غير أنها "لا تستطيع شلّ الحركة فيه على المدى الكامل والطويل"، واصفاً استهدافها للمطار بأنه "لحظي، يتعلق عادةً باستهداف مدرج يعطّل وصول طائرة إيرانية تفيد المعلومات الاستخباراتية بأنها تقلّ مسؤولاً مهماً أو تحمل أسلحة نوعية". 

 

التنسيق الإسرائيلي- الروسي

الأهمية التي ذكرت سابقاً لمطار دمشق ليست محلّ إجماع الخبراء والمحللين، حيث يذهب المحلل السياسي حسن النيفي، إلى أن "القيمة التي يحظى بها مطار دمشق الدولي هي قيمة رمزية ولا تُحيل إلى أهميته الحيوية أو العمرانية أو الأمنية".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "عندما تستهدفه إسرائيل بشكل متكرر فهي ترمي إلى إبلاغ النظام وحلفائه من محور الممانعة، أنها قادرة على شلّ حركتهم وتقويض أي نشاط عسكري يستهدف إسرائيل".

وهذا الاستهداف المتكرر "تحوّل إلى حالة معتادة عند النظام والميليشيات التابعة له"، وفق تعبير النيفي، متابعاً "هذه الضربات لا تؤدي عادة إلى خسائر بشرية لأنها مجرد رسائل فقط، من جهة، ولأنها تتم بالتنسيق مع إسرائيل، بموجب الاتفاق الذي أبرم عام 2018 بين كل من موسكو وتل أبيب وواشنطن حول ضرورة التنسيق وتحاشي الاشتباك في الأجواء السورية، من جهة ثانية".

في السياق، يقول الباحث في مركز "أبعاد للدراسات"، فراس فحام، لـ"ارفع صوتك"، إن إسرائيل "تبتعد في الوقت الحالي عن استخدام الأجواء السورية لشن ضربات؛ خشية التصادم مع القوات الروسية، وتقوم بدلاً من ذلك بشن ضربات بصواريخ بعيدة المدى تُطلق من الأجواء اللبنانية أو من البحر المتوسط، لكنها على أية حال لا تهدف إلى تدمير المطار بشكل كلي أو إخراجه عن الخدمة بشكل دائم".

وحول التنسيق مع روسيا، يرى فحام، أن هذه الفكرة "أصبحت من الماضي، لأن موسكو ضيّقت من قدرات إسرائيل على تنفيذ غارات جوية في سوريا بشكل كبير، وقامت في الوقت نفسه بالتنسيق مع إيران في إيجاد بدائل للمطارات المدنية، عبر المطارات العسكرية الخاضعة لسيطرة روسيا مثل قاعدتي حميميم وتدمر".

بالنسبة لنوار شعبان، فإن إسرائيل "يستحيل أن تقوم بهذا الكم من الاستهدافات في كل الخارطة السورية، ولا سيما مطار دمشق الحيوي، دون التنسيق مع موسكو، رغم الإدانات الدبلوماسية الروسية التي تعبّر عن الاستنكار والرفض لهذه الضربات".

ويؤكد أن "التنسيق غير المعلن بين موسكو وتل أبيب يحدّد كذلك نوعية وحجم الضربات، بحيث لا تؤدّي مثلاً إلى إحداث أضرار كبيرة في المطار، إنما يقتصر ذلك على تدمير جزئي لأحد المدارج، على سبيل المثال".

 

خسائر النظام وإيران

بشأن الخسائر المادّية أو العسكرية، يقول نوار شعبان، إن "إيران تتأثر بلا شكّ جراء بالضربات الإسرائيلية، لكنها أيضا تقوم بامتصاصها والتكيّف معها، بحيث باتت تحوّل الرحلات إلى جهات ثانية مثل مطار حلب الدولي، وتزيد الاعتماد على الطرق البرّية رغم التكلفة العالية لذلك".

"كما تحاول إيران تشتيت التركيز الإسرائيلي عبر تكرار عمليات التموضع وإعادة الانتشار، بحيث يصعب على الضربات الإسرائيلية تحديد واستهداف كل مناطق العبور والإمداد اللوجستي، الممتدة من دير الزور شرقاً إلى معبر نصيب جنوباً، مروراً بمناطق البادية السورية"، بحسب شعبان. 

ويستدرك، أن "المتضرّر الأكبر هو النظام السوري، الذي يتكلّف مبالغ طائلة مع كل عملية إعادة تأهيل للمطار، بالإضافة إلى أن قصف المطار يؤثّر على عملية الملاحة الجوية مع ترويج النظام دولياً بأن الحياة عادت لطبيعتها، ويمكن للزوار والالسيّاح قدوم لسوريا".

يتابع شعبان: "القصف المتكرّر لمطار دمشق يضرب دعاية النظام السوري حول سيطرته المُطلقة في مناطق نفوذه".