صورة أرشيفية لزوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، أسماء الأخرس- ا ف ب
صورة أرشيفية لزوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، أسماء الأخرس- ا ف ب

رغم التهاوي المتواصل في بنية الاقتصاد السوري ووصول البلاد إلى حافة المجاعة، يهمل النظام السوري القيام بأي خطوات من شأنها أن تخفّف حدّة هذا الانحدار، وبدلاً من ذلك أقدمت عائلة الرئيس السوري على اتباع سياسة الانقلاب على الأذرع الاقتصادية والمالية والفعاليات التجارية، حتى بات أصحاب رؤوس الأموال في سوريا يتحسّسون رؤوسهم خوفاً من ضياع أموالهم.

هذا الانقلاب في مواقف النظام السوري ليس بالجديد، غير أنه بدأ يأخذ منحنى تصاعدياً منذ العام 2020 بعد دخول "قانون قيصر" حيّز التنفيذ، حين أطاح بشار الأسد بابن خاله رامي مخلوف، الذي كان يُعدّ أهم أركان النظام الاقتصادية، في خطوة حصل شبه إجماع على أن من يقف وراءها أسماء الأخرس، زوجة الأسد.

يقول إعلاميون وناشطون سوريون معارضون إن أمر ملاحقة التجار وأصحاب رؤوس الأموال بدأ بشكل اعتباطي غير مخطّط له، ثم أصبح النشاط تابعاً لما يسمّى "المكتب السرّي" في القصر الجمهوري، وهو مكتب ذو طبيعة اقتصادية أمنيّة، تديره بشكل مباشر زوجة رئيس النظام السوري.

وعن طريق هذا المكتب، تتحكم أسماء الأخرس بمفاصل الاقتصاد في سوريا بنفوذ أمنيّ بحت، بحيث تصل سطوة المكتب إلى جميع التجار والصناعيين، وتأخذ منهم إتاوات ضخمة مقابل السماح لهم بمواصلة النشاط الاقتصادي في ظروف الحرب، ومن لا يقبل منهم فإنه يخضع للتهديد وقد يصل الأمر إلى اعتقاله، ما دفع كثيراً من التجار في حلب ودمشق ومناطق أخرى إلى الفرار من البلاد.

وفي تقرير سابق، ذكرت صحيفة "فاينينشال تايمز" الأميركية، أن هذا المكتب الذي يتألف من أعضاء غير مصرّح بأسمائهم، يتولّى مهمة الهيمنة والتحكم باقتصاد سوريا، لزيادة ثراء عائلة بشار الأسد، الذي لا يتدخل غالباً في عمل المكتب.

 

أعضاء "المكتب السري"

وفق شهادات أجرتها الصحيفة الأميركية مع 18 شخصية ذات اطّلاع واسع على آليات عمل النظام، بينهم رجال أعمال ومديرو شركات وموظفون في منظّمات إغاثية ومسؤولون سابقون، فإن أسماء الأخرس عملت خلال سنوات طويلة، على بناء شبكة محسوبيات واسعة بالاعتماد على المنظمات الخيرية وغير الحكومية التابعة لها، مثل "الأمانة السورية للتنمية".

ومن خلال هذه الشبكة استطاعت التحكّم بتدفق أموال المساعدات الدولية إلى سوريا، وتوجيهها نحو المصالح الخاصة للعائلة، بالتعاون مع شثيق زوجها، ماهر الأسد.

على الرغم من أن طبيعة عمل المكتب ونشاطاته تحيط بها السرية التامة، إلا أن وسائل إعلام سورية معارضة سلطت الضوء على أهم الشخصيات التي توظّفها أسماء الأخرس لإدارة عمليات المكتب، منهم فارس كلاس، أحد أبرز المقرّبين منها ومدير مؤسستها "الأمانة السورية للتنمية". بالإضافة إلى لينا الكناية، التي عملت مستشارة لوزير الشؤون الرئاسية لبشار الأسد، وهي إحدى أبرز منسقي العلاقات بين القصر الرئاسي والقطاع الخاص، وتحمل الجنسيتين اللبنانية والسورية.

ولعل أهم موظفة في "المكتب السرّي"، لونا الشبل، المستشارة الإعلامية الخاصة للرئيس السوري، وصاحبة النفوذ الواسع في دوائر صنع القرار بالقصر الجمهوري.

كما يضم المكتب أسماء شخصيات أخرى تحظى بنفوذ أمني واسع مكّنها من ممارسة الضغط على التجار والصناعيين، بينهم: دانا بشكور، وخضر علي طاهر (أبو علي خضّور)، ويسار إبراهيم.

الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء
خفايا صعود أسماء الأسد.. وتفاصيل دورها في "استرداد الأموال"
في مدينة حمص وفي أكتوبر الماضي، كان هناك مشهد غير مألوف في سوريا التي تحكمها عائلة الأسد منذ عقود، حيث اعتاد المواطنون على رؤية صور الأسد الأب والابن في الشوارع وعلى أبواب المدارس والدوائر الحكومية، لكن يبدو أن هذه القاعدة قد كسرت بأياد ليست من الخارج بل من الداخل.

المشهد تغير حين بدأت صور، أسماء الأسد، تزاحم صور زوجها، بشار الأسد، ووالده حافظ. فقد باتت موجودة في الشوارع في صعود إعلامي ملفت

نموذج "اقتصاد العائلة"

في ظل عدم وجود أي مؤشرات على نية النظام السوري بناء نموذج اقتصادي يتلافى حالة الانهيار المتسارعة، فإن "المكتب السرّي" يُعد نموذجاً اقتصادياً خاصاً بعائلة الأسد تهدف منه زوجة الرئيس إلى بناء منظومة مالية بعيدة عن روتين المؤسسات الرسمية والقوانين التي يمكن أن تكبّلها، وفقاً للمدير التنفيذي لمؤسسة "اقتصادي" يونس الكريم.

ويقول لـ"ارفع صوتك"، إن "مهمة المكتب السري تنفيذ سياسات ما يسمى (المكتب الاقتصادي) في القصر الجمهوري، بتأمين جزء من  السيولة المالية والموارد الاقتصادية التي تحتاجها أجهزة القصر، وذلك على حساب التجار والصناعيين، دون أن تُضطر عائلة الأسد إلى تأمين مواردها  من أملاكها الخاصة، في ظل حرمان النظام من موارده السابقة المتمثلة بالنفط وحصصهم من ثروات الدولة السورية".

ويؤكد أن الإتاوات التي يحصل عليها "المكتب السري" من التجار والصناعيين تنعكس على المواطن السوري بشكل مباشر، لأن التاجر سيقوم بحميل  خسائره للمستهلك، ولن يقوم بتحمّل تلك الخسائر من جيبه الخاص، وهذا ما يفسر ارتفاع نسبة التضخم والأسعار إلى أرقام فلكية مؤخّراً، على حدّ وصفه. 

ويرى الكريم، أن "المكتب السري" ورغم أنه يشكّل ضغوطاً اقتصادية على كبار التجار، إلا أنه "يؤمّن بالنسبة للبعض منهم حماية أمنية تجنّبه الصِّدام مع أمراء الحرب، الذين يبحثون أيضاً عن مكاسب اقتصادية سريعة".

"في الوقت نفسه، أدى إلى ظاهرة خطيرة لدى بعض الصناعيين الذين لا يجدون جدوى في ممارسة نشاطهم الاقتصادي التقليدي، مع ضعف المقدرة الشرائية وغلاء المواد الخام وفرض الإتاوات، لذلك قامت بعض شركات الأدوية مثلاً بتحويل نشاطاتها إلى تصنيع المخدرات بموافقة رسمية من أذرع النظام السوري، وبتنسيق مباشر مع المكتب السري"، يبين الكريم.

 

 

لماذا أسماء الأخرس تحديداً؟

برزت زوجة رئيس النظام السوري على الساحة الاقتصادية لدى النظام السوري بعد قيامها بالقضاء على الدور الاقتصادي لرامي مخلوف، ومنذ عام 2020 هي المتحكّم الرئيس بما يصح أن يُسمّى "اقتصاد عائلة الأسد".

"لم يكن هذا اعتباطياً" وفقاً للخبير الاقتصادي الكريم، موضحاً أن "بشار الأسد اختار زوجته للقيام بهذه المهمة لعدة اعتبارات جوهرية، أهمها شعوره بالثقة المطلقة كون عقيلته لا يمكن أن تشكّل أي منافسة معه، وهو بهذا يطمئن إليها أكثر من ابن خاله رامي مخلوف وحتى من شقيقه ماهر، إضافة إلى أنها بعيدة -من وجهة نظر النظام- عن الصراع العسكري، وهي وجه نسائي ذو خلفية أكاديمية بالنسبة للرأي العام الغربي".

ويتابع: "رغم كل محاولات أسماء الأخرس إنشاء فريق اقتصادي خاص بالعائلة وبعيد عن الصراع الدائر، إلا أنها فشلت في ذلك، ولم تجد أمامها سوى شخصيات إما كانت تعمل مع منظومة رامي مخلوف الاقتصادية، أو شخصيات تابعة لطبقة أمراء الحرب".

مواضيع ذات صلة:

لافتة على طريق مطار دمشق الدولي ترحب بالقادمين باللغتين العربية والفارسية- تعبيرية
لافتة على طريق مطار دمشق الدولي ترحب بالقادمين باللغتين العربية والفارسية- تعبيرية

"عاد إلى الخدمة.. خرج عن الخدمة"، باتت هذه العبارة من أكثر العناوين الإخبارية تداولاً لدى النظام السوري خلال الشهرين الأخيرين، فيما يخصّ مطار دمشق الدولي، الذي تكرر في أهداف الضربات الإسرائيلية تجاه مناطق النظام السوري.

وأعلنت حكومة النظام تحويل الرحلات إلى مطار حلب، الذي تعرّض في نوفمبر الماضي لهجوم مشابه أخرجه عن الخدمة كذلك. 

في الظاهر يبدو مطار دمشق الدولي مجرد مرفق مدني تابع للنظام لأغراض السفر المدني، لكنه في الحقيقة، اتخذ طابعاً جعل منه أشبه بمطار عسكري استقبل خلال الحرب السورية آلاف المقاتلين التابعين للحرس الثوري الإيراني، القادمين من إيران والعراق وأفغانستان وباكستان.

كما تحوّل إلى ممر لوصول الأسلحة الإيرانية للنظام السوري وحزب الله اللبناني، حيث وصلت تلك الأسلحة تحت غطاء الطيران المدني، لتجنّب العقوبات والضربات الأميركية أو الإسرائيلية. 

في عام 2016، نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، تحقيقاً استقصائياً بعنوان "من داخل البيت الزجاجي"، كشف أن إيران قامت بقيادة عملياتها الهادفة لدعم بشار الأسد من مبنى سرّي ضخم، يضم كبار قادة الاستخبارات الإيرانيين قرب مطار دمشق الدولي.

وكشفت الصحيفة ملف المعلومات المسرّبة من "مصادر عليا" في الحرس الثوري الإيراني، التي قالت إن غرفة العمليات الإيرانية في سوريا تُدار من قبل عسكريين وخبراء إيرانيين موجودين في بناء مؤلّف من خمسة طوابق، يقع قرب مطار دمشق الدولي، حيث تتم عمليات للاستخبارات ومكافحة التجسس، كما يحتوي البناء على خزائن مليئة بملايين الدولارات النقدية القادمة من إيران.

وأضافت أن "البيت الزجاجي" يحوي عدداً من الإدارات داخل المبنى، منها إدارة مكافحة التجسّس والخدمات اللوجستية والدعائية، وقيادة المرتزقة الأجانب، بينما تقع إدارة أجهزة الاستخبارات الإيرانية المسؤولة عن المبنى "السري" في الطابقين العلويين.

يقول الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية في "مركز عمران للدراسات"، نوار شعبان، إن مطار دمشق الدولي، يشكل أهمية خاصة لدى إيران، كونه نقطة إمداد متقدّمة لها داخل الأراضي السورية، وحلقة وصل مهمة بينها وبين حزب الله اللبناني".

ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن أي مرفق مدني أو عسكري "مهم"، سواء بالنسبة للنظام السوري أو لإيران.

ويرى شعبان، أن إسرائيل "تدرك أهمية مطار دمشق كنقطة إمداد لوجستية" غير أنها "لا تستطيع شلّ الحركة فيه على المدى الكامل والطويل"، واصفاً استهدافها للمطار بأنه "لحظي، يتعلق عادةً باستهداف مدرج يعطّل وصول طائرة إيرانية تفيد المعلومات الاستخباراتية بأنها تقلّ مسؤولاً مهماً أو تحمل أسلحة نوعية". 

 

التنسيق الإسرائيلي- الروسي

الأهمية التي ذكرت سابقاً لمطار دمشق ليست محلّ إجماع الخبراء والمحللين، حيث يذهب المحلل السياسي حسن النيفي، إلى أن "القيمة التي يحظى بها مطار دمشق الدولي هي قيمة رمزية ولا تُحيل إلى أهميته الحيوية أو العمرانية أو الأمنية".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "عندما تستهدفه إسرائيل بشكل متكرر فهي ترمي إلى إبلاغ النظام وحلفائه من محور الممانعة، أنها قادرة على شلّ حركتهم وتقويض أي نشاط عسكري يستهدف إسرائيل".

وهذا الاستهداف المتكرر "تحوّل إلى حالة معتادة عند النظام والميليشيات التابعة له"، وفق تعبير النيفي، متابعاً "هذه الضربات لا تؤدي عادة إلى خسائر بشرية لأنها مجرد رسائل فقط، من جهة، ولأنها تتم بالتنسيق مع إسرائيل، بموجب الاتفاق الذي أبرم عام 2018 بين كل من موسكو وتل أبيب وواشنطن حول ضرورة التنسيق وتحاشي الاشتباك في الأجواء السورية، من جهة ثانية".

في السياق، يقول الباحث في مركز "أبعاد للدراسات"، فراس فحام، لـ"ارفع صوتك"، إن إسرائيل "تبتعد في الوقت الحالي عن استخدام الأجواء السورية لشن ضربات؛ خشية التصادم مع القوات الروسية، وتقوم بدلاً من ذلك بشن ضربات بصواريخ بعيدة المدى تُطلق من الأجواء اللبنانية أو من البحر المتوسط، لكنها على أية حال لا تهدف إلى تدمير المطار بشكل كلي أو إخراجه عن الخدمة بشكل دائم".

وحول التنسيق مع روسيا، يرى فحام، أن هذه الفكرة "أصبحت من الماضي، لأن موسكو ضيّقت من قدرات إسرائيل على تنفيذ غارات جوية في سوريا بشكل كبير، وقامت في الوقت نفسه بالتنسيق مع إيران في إيجاد بدائل للمطارات المدنية، عبر المطارات العسكرية الخاضعة لسيطرة روسيا مثل قاعدتي حميميم وتدمر".

بالنسبة لنوار شعبان، فإن إسرائيل "يستحيل أن تقوم بهذا الكم من الاستهدافات في كل الخارطة السورية، ولا سيما مطار دمشق الحيوي، دون التنسيق مع موسكو، رغم الإدانات الدبلوماسية الروسية التي تعبّر عن الاستنكار والرفض لهذه الضربات".

ويؤكد أن "التنسيق غير المعلن بين موسكو وتل أبيب يحدّد كذلك نوعية وحجم الضربات، بحيث لا تؤدّي مثلاً إلى إحداث أضرار كبيرة في المطار، إنما يقتصر ذلك على تدمير جزئي لأحد المدارج، على سبيل المثال".

 

خسائر النظام وإيران

بشأن الخسائر المادّية أو العسكرية، يقول نوار شعبان، إن "إيران تتأثر بلا شكّ جراء بالضربات الإسرائيلية، لكنها أيضا تقوم بامتصاصها والتكيّف معها، بحيث باتت تحوّل الرحلات إلى جهات ثانية مثل مطار حلب الدولي، وتزيد الاعتماد على الطرق البرّية رغم التكلفة العالية لذلك".

"كما تحاول إيران تشتيت التركيز الإسرائيلي عبر تكرار عمليات التموضع وإعادة الانتشار، بحيث يصعب على الضربات الإسرائيلية تحديد واستهداف كل مناطق العبور والإمداد اللوجستي، الممتدة من دير الزور شرقاً إلى معبر نصيب جنوباً، مروراً بمناطق البادية السورية"، بحسب شعبان. 

ويستدرك، أن "المتضرّر الأكبر هو النظام السوري، الذي يتكلّف مبالغ طائلة مع كل عملية إعادة تأهيل للمطار، بالإضافة إلى أن قصف المطار يؤثّر على عملية الملاحة الجوية مع ترويج النظام دولياً بأن الحياة عادت لطبيعتها، ويمكن للزوار والالسيّاح قدوم لسوريا".

يتابع شعبان: "القصف المتكرّر لمطار دمشق يضرب دعاية النظام السوري حول سيطرته المُطلقة في مناطق نفوذه".