انقسمت آراء السوريين بين مؤيد ومعارض لمشروع قانون "الآداب العامة" الذي تعتزم حكومة "الإنقاذ" تطبيقه في المناطق التي تسيطر عليها، بعد تسريب نسخة منه، والإعلان عن فتح باب الانتساب إلى "شرطة الآداب" الموكلة بحزمة من المهام لمراقبة تطبيقه.
ويضم مشروع القانون مجموعة من القواعد والأحكام المتعلقة بالنظام "الأخلاقي والسلوكي" لسكان مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب، وأجزاء من أرياف حماة وحلب واللاذقية.
من بين هذه القواعد والأحكام "منع الاختلاط بين الجنسين، ومنع المعازف والعروض المخالفة للدين والذوق العام، ومنع التبرج والوشم، وفرض اللباس المحتشم والفضفاض وغطاء الرأس على النساء".
"تشدّد ديني"
أبدى العديد من السكان في إدلب وريف حلب ممن قابلهم "ارفع صوتك"، مخاوفهم الشديدة من مشروع قانون "الآداب العامة"، خاصة وأنه ذكرهم بانتهاكات حصلت مسبقاً ضد المواطنين من قبل أجهزة مشابهة.
تقول راما ضاهر (29 عاما)، إن "القانون يخيفها، لأنها تعرضت لمواقف مشابهة في السنوات السابقة، إذ سيعيد الناس لأيام الحسبة".
والحسبة التي تقصدها راما، هي جزء من نظام سابق فرضته هيئة تحرير الشام، وتغيّر لاحقاً بسبب المشاكل التي خلقها مع السكان وارتكاب انتهاكات بحقهم.
تشرح ضاهر لـ"ارفع صوتك" عن تلك الفترة: "كان يُمنع على النساء الدخول إلى محل فيه رجل دون مُحرم كي لا يظن بها السوء، باعتباره خلوة غير شرعية مع رجل. هذا هو التشدد بعينه والتدخل السافر بحريتنا وتحركاتنا نحن النساء".
ولعل من أخطر بنود مشروع القانون "الضوابط التي تقيد الحريات، بالإضافة لخطر منع النساء والتضييق عليهن من العمل المختلط، أو الدراسة في معاهد ومدارس وجامعات مختلطة، أو التواجد في الأماكن العامة".
تقول هيام الحاج (32 عاما): "أعمل في إحدى المنظمات داخل إدلب في بيئة عمل مختلطة، وهذا يتعارض مع بند منع الاختلاط الذي تضمّنه مشروع القانون، فهل سأُمنع من العمل؟ وهل ستوقفني شرطة الآداب؟".
على العكس من ضاهر والحاج، يرى المحامي علي الزير، المقيم في ريف حلب، أن "مشروع القانون ضرورة لحماية الآداب والقيم الأخلاقية في المجتمع".
ويضيف: "مشروع القانون يمنع كل ما هو مذموم في الشرع، وفيه أشياء محرمة تحريما قطعيا بفتاوى أهل العلم، بالإضافة إلى أمور تخالف الذوق العام"، وفق تعبيره.
ويبين الزير لـ"ارفع صوتك"، أن "تفاصيل المشروع لها علاقة بالدين والمظهر وسب الذات الإلهية، والسحر والشعوذة، وأكل حقوق النساء، والإفطار العلني في رمضان، والاختلاط والخلوة بين الجنسين، وتشبه الرجال بالنساء والعكس، وأن المجتمع يحتوي على جنسين، ولا يوجد جنس ثالث أو تحوّل جنسي، كما يمنع خروج النساء والفتيات فوق سن 12 عاما دون لباس ساتر للجسم والرأس وفضفاض".
صلاحيات واسعة
عدد مواد قانون "الآداب العامة" الذي أعدته وزارة داخلية حكومة "الإنقاذ"، 128 مادة مقسمة على خمسة أبواب، منحت "شرطة الآداب" بموجبها صلاحيات واسعة.
نص الفصل الأول من الباب الثالث، على صلاحيات تشمل "مراقبة وسائل الإعلام، ووسائل التسلية والترويح، والمؤسسات التجارية والصناعية والخدمية، والطرق والمرافق العامة، ومنع مخالفات الآداب والذوق العام".
"بالإضافة لضبط المخالفات وإزالتها، والقبض على المخالفين، وإغلاق المحال المخالفة، بدءا من التنبيه إلى المنع بالقوة، دون تطبيق عقوبات مباشرة، إذ يُحال المخالفون إلى القضاء"، بحسب مشروع القانون.
ويتألف الجهاز القضائي في هيئة تحرير الشام، من أجهزة منفصلة تفتقر إلى التنسيق في ما بينها، كما أنها لا تستند إلى أحكام ولوائح قضائية محددة، بل تعتمد على التعاميم والتعليمات الوزارية كقانون ينظم عمل المحاكم.
تجارب سابقة مع الهيئة
منذ عام 2014، أسست "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام اليوم) شرطة دينية بمسميات مختلفة، كان أشدها قمعاً للمواطنين جهاز "سواعد الخير" الذي تأسس عام 2018، وتوقف العمل به بعد عام، إثر مظاهرات واحتجاجات شعبية.
في مايو 2020، أطلقت هيئة تحرير الشام "جهاز الفلاح"، الذي مارس التضييق على السكان بصورة أخف من سابقه، فانخفضت نسبة الصِدام بين أفراده والمدنيين بشكل واضح مقارنة بـ"سواعد الخير"، قبل أن يُحل نهاية عام 2021.
كانت الشرطة الدينية تحظى بسلطات مطلقة، مثل اعتقال مرتكبي المخالفات الشرعية ومحاسبتهم، وتتدرج أعمالها من "النُصح" إلى استخدام القوة المباشرة.
كما كان لأجهزة "الحسبة" على اختلاف مسمياتها سجل حافل بالانتهاكات بحق المدنيين، بينها تعرّض "الداعيات" منها للنساء والفتيات على خلفية اللباس، واعتقال سائقي حافلات يتبعون لمنظمات محلية بحجة الاختلاط، إضافةً إلى تنفيذ عمليات جلد بحق "مرتكبي المخالفات الشرعية".
يؤكد رئيس تجمع المحامين السوريين في تركيا، غزوان قرنفل، أن مشروع القانون "يعيدنا للحسبة ورقابة السلطة على تفاصيل سلوك المجتمع في شؤون حياته اليومية، ويُعتبر تجاوزاً على منظومة الحقوق والحريات العامة التي يُفترض أن يتمتع بها الناس ويمارسونها بحماية القانون وليس العكس، فالقانون وسيلة لتنظيم ممارسة الحريات، وليس أداة لقمعها وكبتها".
ويقول لـ"ارفع صوتك"، إن "هذا القانون مجرد وسيلة لضبط وإخضاع المجتمع في حياته اليومية لرؤى السلطة الحاكمة ومفاهيمها لا أكثر، وهو تدخل سافر في تفاصيل حياة البشر بطريقة طالبانية منفّرة"، في إشارة إلى أساليب مشابهة اتبعتها حركة طالبان منذ توليها السلطة في أفغانستان عام 2021.