A roast chestnuts seller talks to a client at Eminonu district in Istanbul, Turkey, Thursday, Dec. 7, 2023. (AP Photo/Francisco…
صورة تعبيرية من أحد أسواق إسطنبول التركية

تتكرر الجرائم والأحداث "العنصرية" ضد السوريين في تركيا، لتتخطى الاستفزاز والعنف اللفظي والجسدي، وتصل إلى الخطف والقتل والتعذيب، ولم يُستثن منها، أحياناً، حتى الأطفال.

في حادثة مروعة وقعت منذ أيام في ولاية غازي عنتاب، تعرّض الطفل السوري أحمد زينب، 14 عاماً، لاعتداء جسدي وتعذيب وحشي على يد أربعة شباب أتراك، بعد خلاف بينه وطفل تركي.

يقول والد أحمد لـ"ارفع صوتك" إن "ابنه وهو يتيم الأم منذ عامه الأول، قصد مدرسة تجاور منزلنا للعب كرة القدم مع أصدقائه، وهناك تشاجر مع طفل تركي وشقيقته التي ذهبت لإبلاغ عائلتهما بما حدث".

بعد ذلك بدقائق معدودة، وبحسب رواية الأب، جاء أفراد من العائلة، وضربوا أحمد، ووضعوه في سيارتهم، ثم اختطفوه ونقلوه إلى منطقة نائية في ضواحي مدينة غازي عنتاب.

هناك، وفقاً لوالده، تعرض لتعذيب شديد بأدوات حادة، وأوهِم بالغرق عندما وضعوا كيساً على وجهه وخنقه، وحرق لسانه وشعره وإرغامه على تناوله.

ثم أشعلوا مادة بلاستيكية ووضعوها داخل فمه، مما تسبب بحروق شديدة وذوبان في اللثة، كما أدخلوا أدوات معدنية (مفاتيح) في منطقة الشرج، بعدها رموه على قارعة الطريق ظنًا منهم أنه توفي، بحسب شهادة والده.

ويبين الرجل السوري الذي لجأ إلى تركيا منذ عشر سنوات، أنه فقد ابنه لسبع ساعات، بعدها تواصل مع الشرطة التي بدأت البحث عنه، وحصلت على معلومات تفيد بتعرضه للاختطاف على يد شباب أتراك.

ويضيف والد أحمد: "عثرنا عليه ملقى على جانب الطريق وأسعفناه إلى المستشفى بعد أن دخل في غيبوبة. لا يمكنه الحديث الآن، أو التواصل مع محيطه، ويعاني من تشنجات عصبية حادة وجروح وحروق".

 

من جهته يقول عمّ الضحية، حسن أحمد، إن "وضع الطفل ما زال حرجاً جداً، وهو في العناية المركزة".

ويضيف لـ"ارفع صوتك: "لم يتحدث بأي كلمة ويعاني من حروق شديدة في فمه، ولم يصحُ حتى الآن".

لاحقا أصدر مكتب والي غازي عنتاب بيانًا حول الحادثة، أعلن فيه القبض على اثنين من الجناة.

 

تحرك قانوني

بعد الحادثة تحركت منظمات مجتمع مدني تركية وسورية ونسقت في ما بينها لتقديم الدعم القانوني لعائلة أحمد، والدفع باتجاه مساءلة ومحاكمة المعتدين، وفقاً للناشط الحقوقي طه الغازي.

كما سارعت هيئات حقوقية تركية معنية بحقوق الطفل إلى التنسيق مع عائلة الضحية، وتوكيل هيئة ادعاء مؤلفة  من محامين أتراك ومنظمات حقوقية أيضاً.

يبين الغازي لـ"ارفع صوتك"، أن "هذه المؤسسات ستقدم الدعمين القانوني والحقوقي لمتابعة القضية ومحاكمة الجناة، بالإضافة إلى الدعم النفسي، خاصة وأنه ما زال يعاني من حالة انهيار ونوبات عصبية عند سماعه أي صوت باللغة التركية".

ويضيف: "حالته تحتاج إلى جلسات علاجية على المدى الطويل، كما أن والده بحالة نفسية سيئة جدًا وبحاجة لعلاج نفسي أيضاً".

 

ليست الأولى

حادثة أحمد ليست الأولى، ففي أبريل ٢٠٢٣، عثرت الشرطة التركية على جثة الطفلة السورية غنى مرجمك البالغة من العمر تسع سنوات، عندما كانت مرمية في بئر ماء داخل منزل مجاور لبيت عائلتها في حي أوكشلار بمدينة كلش.

في وقت لاحق، قررت محكمة الجنايات العليا في منطقة كلّس ملاحقة واعتقال المتهمين بقتلها.

تبعت تلك الحادثة جريمة قتل في مايو  2023، حيث خَنق ناطور تركي طفلًا سورياً يبلغ من العمر 10 سنوات. توفي الطفل خالد حياني بسبب الخنق عندما تعذر على عائلته دفع فدية قيمتها 400 ألف دولار أميركي.

وفي أكتوبر ٢٠٢٣، تعرضت طفلة تُدعى شام وعمرها 13 عاماً، للطعن على يد زميل تركي داخل المدرسة حيث يدرسان معا في ولاية غازي عنتاب.

يؤكد الناشط طه الغازي: "يجب على الحكومة التركية أن تلعب دوراً في صياغة قوانين ومواد جديدة تجرم خطاب الكراهية والعنصرية".

ويعتبر أن تواجد هذه الهيئات غير الحكومية في الصف الأول بقضية أحمد وغيرها، يدل على غياب دور الحكومة، لا سيما أن هذه الحادثة مرتبطة بأحداث أخرى عانى منها بعض اللاجئين السوريين في تركيا خلال الأشهر الماضية، على حد قوله.

وبحسب بيانات إدارة الهجرة التركية، يبلغ إجمالي عدد السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في تركيا 3 ملايين و226 ألفًا و141 شخصاً، يقيم العدد الأكبر منهم في ولايتي غازي عنتاب وإسطنبول.

لكن هؤلاء يعانون منذ ثلاث سنوات من حملات تحريض وكراهية تنظمها تيارات "متطرّفة" مثل حزب النصر الذي يتزعّمه أوميت أوزداغ، ومن أحزاب معارضة تعمل على إعادتهم إلى سوريا.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".