مروحية روسية تحلق فوق حقل نفطي في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا
مروحية روسية تحلق فوق حقل نفطي في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا- تعبيرية

لم يتعلق النفوذ الروسي في سوريا، وكذلك الإيراني، بحماية النظام السوري فحسب، بل هناك مشاريع اقتصادية  تسعيان للظفر بها كجزء من "فاتورة حماية الأسد ونظامه".

قد يتشابه طموح موسكو وطهران، ويسير في خط واحد، لذا فإنهما قد يصطدما في مرحلة "جني الثمار". 

وما يميّز طموح الدولتين في السيطرة على أكبر قدر ممكن من المنشآت والقطاعات الحيوية في سوريا، أنه يتّسم بالسعي إلى تقاسم ثروات البلد بما يلبّي حاجاتهما.

ففي حين وضعت إيران يدها على قطاع النفط الذي يسيطر عليه الأسد شرقي البلاد، وجدت روسيا غايتها في الموانئ البحرية السورية، غير أن قطاع الفوسفات شكّل استثناء في هذا التقاسم الهادئ، حيث تسعيان إلى تحصيل أكبر قدر ممكن منه.

   

تنافس قديم متجّدد   

يتفق خبراء الثروات الطبيعية على أن الفوسفات السوري متوسط الجودة ويصلح للاستخدام في مجالات عدة، مثل صناعة حمض الفوسفور والأسمدة الآزوتية، كما يتميز في تركيبته بـ"خامس أوكسيد الفوسفور"، ما يجعله يحتلّ المرتبة الثالثة في سوريا من حيث الأهمية الاقتصادية والإستراتيجية بعد النفط والغاز الطبيعي.

واحتلت صادرات الفوسفات السوري المرتبة الرابعة عالمياً بين عامي 2008 - 2011 حيث أن ثلثي الإنتاج كان مخصصاً للتصدير، ما يؤمّن لخزينة البلاد مصدراً مهماً من العملات الأجنبية، وهذا ما تغيّر كلياً بعد الحرب وسيطرة تنظيم "داعش" على مناطق البادية السورية بين عامي 2014 و 2017.

في ميدان التنافس الروسي الإيراني على قطاع الفوسفات السوري، تتقدم روسيا على إيران منذ ما قبل الحرب التي اندلعت في عام 2011، حيث دخلت موسكو في هذا الاستثمار من خلال شركة "Stroytransgaz" عام 2005، بحسب اتفاق تسوية ألغيت بموجبه 70% من الديون السورية لروسيا، البالغة نحو 13.4 مليار دولار أميركي.

وفي عام 2018، بُعيد استرداد مناطق البادية من تنظيم داعش، منح النظام السوري للشركة الروسية عقداً حصرياً لمدة 50 عاماً، تبيع بموجبه 2.2 مليون طن من الفوسفات سنوياً، من قطاع يبلغ احتياطه الجيولوجي 105 ملايين طناً، مع منح حكومة دمشق حصة لا تتجاوز الـ30% فقط، وبناء عليه  فرضت القوات الروسية في سوريا سيطرتها على حقل الصوانة للفوسفات شرقي محافظة حمص.

واستقدمت القوات الروسية قوات محلية تابعة لها قبل إخراج الميليشيات الإيرانية من المنطقة، وقبل ذلك بعام واحد وتحديداً في يناير 2017، وقّعت دمشق مع طهران مذكّرات تفاهم لاستثمار الفوسفات في حقل الشرقية بالقرب من مدينة تدمر للحصول على الفوسفات.

وتُقدّر خسائر سوريا جراء هذه العقود طويلة الأجل، نحو 80 ٪ من إنتاجها، وفقاً لحسين الدالاتي، الذي يعمل مهندساً في ميناء طرطوس، ما يحرم السوريين من ثورة كان يمكن أن تكون رافداً مهماً لاقتصادهم المتعثّر، على حد تعبيره.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن "روسيا تصدر الفوسفات السوري إلى عدد من الدول الأوروبية، مستفيدة من تكاليف الاستخراج زهيدة الثمن والعمالة المحلية الرخيصة".

ويضيف أن "العمال السوريين نظموا خلال الأعوام الثلاثة الماضية احتجاجات وإضرابات في ميناء طرطوس وفي معامل الأسمدة بسبب تدنّي الأجور وظروف العمل القاسية".

 

تفاهم غير مُعلن 

بحسب الدالاتي، فإن "طهران تستفيد من الفوسفات السوري للاستهلاك المحلي في إيران، لأن قطاع الزراعة الإيراني مرّ خلال السنوات العشر الماضية بمشاكل كبيرة، أبرزها، ارتفاع درجة ملوحة التربة ونقص مادة الفوسفور فيها، ما دفعها إلى الاستفادة من الاستحواذ على جزء من الفوسفات السوري بغية استخدامه في تصنيع أسمدة ذات جودة عالية".

ولا يعبّر هذا الصراع الإيراني الروسي على الفوسفات السوري عن حالة "اصطدام علنية" وفقاً للباحث والأكاديمي الاقتصادي السوري فراس شعبو، الذي يعتقد أن "الطرفين دخلا في اتفاقيات تقاسم غير معلنة مع النظام السوري في قطاعات حيوية عدة، بينها قطاع استخراج الفوسفات".

ويقول لـ"ارفع صوتك"، إن "إيران تسعى جاهدة لاستثمار أي فرصة ووضع يدها على موارد الطاقة السورية، لما يشكله هذا القطاع من عامل ضغط سياسي يساعدها في البقاء لمدة أطول في سوريا".

وفي يوليو 2022 نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريراً بعنوان "أموال ملطّخة بالدم" تحدثت فيه عن التجارة الأوروبية السرّية بالفوسفات السوري عن طريق الملياردير الروسي غينادي تيمتشينكو، الصديق المقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وكشف التقرير أن الشركات الأوروبية تدفع لشبكة معقّدة من الشركات الوهمية والوسطاء ليشتروا الفوسفات السوري، الذي يُشحن خلسة على متن سفن تجارية من الموانئ السورية إلى أوروبا.

ويقدّر الصحفي الاقتصادي السوري مختار الإبراهيم احتياطي الفوسفات في سوريا بنحو 2 مليار طن، وتقارب قيمتها ١٠٠ مليار دولار.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن "قطاع الزراعة في سوريا كان أهم ضحايا السرقة الروسية الإيرانية للفوسفات، بسبب حرمان الدولة السورية من هذه الثروة ورفع أسعارها مرات عديدة في السوق المحلية".

ويشير الإبراهيم إلى أن "روسيا تستثمر الفوسفات في سوريا منذ سنوات دون الكشف عن الأرقام الحقيقية لما يُستخرج، بالإضافة إلى استخدام طرق غير شرعية، وغير قانونية في تصديره إلى أوربا، على الرغم من العقوبات الغربية التي تخضع لها دمشق منذ عام 2012".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".