صورة أرشيفية لنبات زهرة النيل الذي ينتشر في مناطق واسعة داخل سوريا- فرانس برس
صورة أرشيفية لنبات زهرة النيل الذي ينتشر في مناطق واسعة داخل سوريا- فرانس برس

تُعد الزراعة أحد أهم مصادر الدخل في مناطق شمالي سوريا، لكنها بالكاد تحقق مستوى الاكتفاء الذاتي لسكانها وأجزاء واسعة من ريف إدلب.

ويواجه قطاع الزراعة هناك صعوبات عديدة، أبرزها انتشار نبات "زهرة النيل"، الذي يعتبره مزارعون عائقاً رئيسياً، لا يمكن القضاء عليه أو الحدّ منه بسهولة.

وتنتشر "زهرة النيل" في نحو ٧٠ بلد حول العالم، وهي من النباتات المائية المؤثرة سلبياً، وتتميز بصفة التعمير والأوراق العريضة الطافية على سطح الماء.

"تهدد هذه الزهرة الإنتاج الزراعي الضعيف"، وفقاً لعبد الوهاب العيسى، وهو مزارع من منطقة دركوش بريف إدلب.

ويقول لـ"ارفع صوتك"، إن "المزارعين يصرفون أكثر أوقاتهم في اقتلاع زهرة النيل من مجرى نهر العاصي بدلاً من القيام بالأعمال الزراعية".

لا يعرف السكان كيف وصل هذا النبات إلى مناطقهم، حيث بدأ انتشاره منذ سنوات، وعلى الرغم من محاولات المزارعين المستمرة في اقتلاعه واستخدام وسائل عدة للقضاء عليه، إلا أنه يعود للنمو، وأحياناً بوتيرة أسرع.

في عام 2021، أوضحت وزارة الزراعة التابعة لحكومة النظام السوري ماهية النبات وأضراره وطرق مكافحته.

وقالت في بيان صحفي إن "النبات دخل سوريا عام 2005 في منطقة الغاب، ثم انتقل إلى محافظة طرطوس، خاصة نهر الأبرش والعروس والكبير الجنوبي، كما انتشر في نهر العاصي والغاب في إدلب وحماة".

وفي عام 2009 تسبب انتشاره بانسداد المصب المؤدي إلى النهر الكبير الجنوبي، وانسداد أيضاً نهر الأبرش والعروس، وألحق إصابات كثيفة وأضراراً كبيرة، بحسب البيان.

ويعتبر النبات من أكثر النباتات إنتاجية على وجه الأرض، لأنه يضاعف أعداده خلال فترة تتراوح بين 5-18 يوماً ويكوّن مسطحات كثيفة على سطح الماء، فينافس النباتات الأخرى المغمورة الطافية على الماء.

يشغل النبات الواحد مساحة قد تصل إلى 2500 متر مربع في الموسم، كما يعيق تدفق أو جريان الماء في قنوات الري، وقد يوقفه كلياً في القنوات والسواقي.

 

أضرار كبيرة

عن الأضرار التي ألحقتها "زهرة النيل" بقطاع الزراعة في شمال غرب سوريا، يبين المزارع عبد الوهاب العيسى، أنها تتمثل في استهلاكها الكبير للمياه، وزحفها إلى الأراضي الزراعية، فتلحق الأذى بالمجاري المائية المتوفّرة وتسدّ أنابيب مجرى المياه من النهر عبر المحرّكات، ما يُجبر المزارعين على تفقد مسارات الري بشكل دائم.

"بتنا ننتظر مياه الأمطار لسقي الأراضي"، يضيف العيسى.

ويمتدّ تأثير "زهرة النيل" ليُلاحق صيّادي الأسماك في مصدر رزقهم، ويمنعهم من التنقل في نهر العاصي، بحسب الصياد سليم الظاهر، المُقيم في ريف مدينة سلقين شمالي إدلب.

يقول لـ"ارفع صوتك": "في كثير من الأحيان لم أجد سطحاً مناسباً لإلقاء صنّارتي أو شباكي بسبب انتشار زهرة النيل، التي تتسبب أيضاً بحجب أشعة الشمس عن المسطحات المائية وتسحب الأوكسجين من المياه، ما يتسبب بانتقال الأسماك إلى مناطق ثانية".

وتزيد صفة التعمير في النبات تأثيره السلبي، كما يشرح المهندس الزراعي علاء الخليل، مدير مكتب الإرشاد الزراعي في غرفة زراعة غصن الزيتون بريف حلب.

ويشير إلى أن "زهرة النيل نبات يتّسم بسرعة انتشار فائقة وقدرة على التجدّد بالاعتماد على البذور التي تبقى بعد اقتلاع الجذور".

يتابع الخليل في حديثه مع "ارفع صوتك"، أن "بذور زهرة النيل لديها قدرة الحفاظ على حيويتها لمدة تصل إلى 15 سنة، حتى تتوفّر لها الظروف المناسبة للإنبات من جديد، وتؤدي بالمحصّلة إلى انسداد مجاري الريّ عن المحاصيل الزراعية، وسحب الأوكسجين من المياه التي ستكون بطعم ورائحة كريهتين".

يضاف إلى ذلك كله، أن الوجود الكثيف للنبات يُعدّ بيئة مناسبة لنمو وتكاثر أنواع كثيرة من الذباب والحشرات الضارة التي تنقل الأمراض والأوبئة في المحيط، ما يعني خطراً كبيراً على الاقتصاد الزراعي والثروتين المائية والسمكية، بالإضافة للأضرار الصحّية.

من جهته، يوضح المهندس الزراعي عبد الرزاق الطالب، وهو رئيس دائرة الزراعة في سرمدا بريف إدلب، ثلاث آليات لمكافحة "زهرة النيل".

ويقول لـ"ارفع صوتك" إن "أول آلية هي الميكانيكية، وتعني إزالة النبات بشكل يدوي أو عبر جرافات. هذه الطريقة صعبة ومكلفة في مناطق شمال غرب سوريا، لعدم توفر الآليات المطلوبة بشكل دائم، وإذا ما قرر الفلاح إزالتها يدوياً، فإنها ستأخذ وقتاً طويلاً، وجهداً كبيراً".

وتتمثّل الثانية بـ"رشّ أدوية كيميائية خاصّة لا تؤثّر على الكائنات الحيّة المائية أو الإنسان، وتقضي على حياة النبات وتحدّ من انتشاره. هذه كذلك فيها صعوبة تتمثّل بعدم توفّر المبيدات بشكل دائم وارتفاع أسعارها بالنسبة لإمكانيات المزارعين"، وفقاً للطالب.

ويتابع: "أما الثالثة، فهي الحيوية، التي تتمثّل بتوفّر بعض الطفيليات أو البكتيريا التي تقضي عليه، مثل ما يُعرف بسوسة النيل التي تجلب من مصر".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".