بين فترة وأخرى تتصدر نشرات الأخبار عمليات تهريب "الكبتاغون" في سوريا، أو مصادرة شحنات مخدرات آتية منها، أو مداهمات لتجار ومروجين، أو استهداف مهربين عبر الحدود، حتى أصبح من الشائع محليًا وعالميًا تسمية سوريا بـ "دولة المخدرات" أو "جمهورية الكبتاغون".
تعتبر سوريا أكبر منتج "للكبتاجون" في العالم، ومركزا إقليميا لتصنيع المخدرات وتهريبها، كما تشهد انتشارا واسعا لمتعاطي هذه المواد، أبرزها "الكبتاجون - الترامادول - الكريستال ميث"، وهذه الأخيرة وصلت أبواب المدارس والجامعات.
استهداف الطلبة
تنتشر بعض أنواع المخدرات بين طلبة المدارس في المناطق التابعة للنظام السوري. "يمكن ملاحظة ذلك من شحوبهم وتغيّر سلوكهم، كما يمكن تمييز المروجين بشكل واضح خارج أسوار المدرسة"، تقول معلمة في إحدى مدارس دمشق.
وتضيف لـ"ارفع صوتك": "لا سلطة لنا على المروجين، خاصة أن بعضهم يقوم بنشاطه أمام أعين العناصر الأمنية، وداخل المدرسة، فهم إما غير متواجدين، أو ينجحون بالتخفي".
رائف وهو طالب فضل ذكر اسمه الأول فقط، وقع في فخ مروّجي المخدرات، يقول لـ"ارفع صوتك" إن "إدمانه بدأ بسيجارة حشيش في حمام مدرسته حين كان عمره ١٦ عاماً، ثم تطوّر الأمر إلى تناول حبوب الكبتاغون بأنواعها الأربعة، التي كان يحصل عليها داخل مدرسته أيضاً".
ويضيف: "الحبوب متوفرة للطلبة بكثرة وأسعارها رخيصة بمتناول أيديهم، والعرض من البائع يكون في البدء مجانياً، وعند تكرار الطلب يكون بأسعار باهضة".
ويتابع: "بدأت رغبتي باتجاه تجربة عقارات أقوى كـ(الكريستال ميث، والشابو، والآيس)، هذا ما حصل مع بعض أصدقائي الذين انتقلوا من الإدمان إلى الترويج، ثم تغيّر سلوكهم نحو العنف والجريمة".
عُمرُ رائف اليوم 19 عاماً، لكنه بمساعدة ودعم والده الطبيب الذي أخرجه من سوريا، تمكن من وقف التعاطي والتعافي من الإدمان.
تستهدف هذه المواد المخدرة طلبة الجامعات أيضاً، ففي كلية الهندسة بجامعة دمشق، شرح أحد الطلاب ويدعى باسم، عمليات المتاجرة داخل أسوار الجامعة.
ويقول الطالب الذي طلب عدم ذكر اسمه الثاني لأسباب خاصة به، إن "مروجي المخدرات يتواجدون داخل وخارج أسوار الجامعة، ويستهدفون الطلبة الذين يمرون بظروف قاسية ليتقربوا منهم، خاصة خلال فترة الامتحانات".
وعن البدايات يقول: "يعرض المروجون منشطات بحجة أنها تساعدنا على الدراسة والتركيز، كـ(العنكبوت، والأرنب والترامادول، والكبتاجون، وحبوب السهر). هؤلاء مدعومون ولا أحد يعترضهم. المتعاطون يُستبعدون من الجامعة، لكن المروجين لا أحد يقترب منهم".
لا يقتصر الحصول على المخدرات من المروجين فقط، بل يعمد العديد إلى طلب الأدوية المهدئة والمنومة والمحفزات من الصيدليات.
ويشير الصيدلاني حاتم سعد، إلى ازدياد الطلب على أدوية تحتوي على "الأفيونات" و"المورفين"، و"الأمفيتامينات" وأدوية الاكتئاب، التي يدخل بعضها في صناعة مخدر "الكريستال ميث".
ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن "بعض الباحثين عن هذه العقاقير يغضبون ويهددون إذا ما رفضنا بيعها لهم".
ويتابع: "هناك بعض الصيادلة الذين يبيعون هذه العقاقير دون وصفة طبية، كما أن مصنعي المخدرات يحصلون عليها من شركات الأدوية مباشرة، خاصة تلك التي تقوم بالتصنيع المحلي".
مركز "وحيد" للعلاج
يقول مسؤول في مركز ابن رشد لعلاج الإدمان، إن "ارتفاعاً كبيراً في حالات الإدمان بين الشباب والمراهقين. مركزنا هو الوحيد في سوريا لعلاج الإدمان، وهو مجاني يقدم التحاليل والأدوية والعلاج".
هذا المركز لا يكفي، برأي المسؤول، لأنه يضم عشرات الأسرّة، بينما يلجأ إليه عشرات الآلاف من المدمنين، على حدّ قوله.
ويتابع، أن "مدمن المخدرات يتلقى العلاج لأسبوعين فقط، ثم يخرج إلى منزله دون وجود برامج لإعادة التأهيل والدمج، أو المتابعة، وهذا يتسبب بعودة قسم كبير منهم إلى الإدمان".
تورّط النظام
تشير العديد من التقارير الدولية إلى تورط النظام السوري في تجارة "الكبتاغون"، فبعد استعادته السيطرة على الحدود مع الأردن والعراق ولبنان، تحولت شبكة إنتاج المخدرات المحلية والمتواضعة هناك إلى مركز دولي لإنتاج المخدرات، يدر على خزينة الدولة مليارات الدولارات سنوياً، وأصبحت سوريا أكبر منتج لـ"الأمفيتامين" و"الكبتاجون" في العالم.
تشير دراسة لمعهد الشرق الأوسط، إلى أن 79% من إجمالي شبكة المخدرات في السويداء و 63% في درعا، مرتبطة بالاستخبارات العسكرية السورية.
وتمر معظم عمليات التهريب عبر محافظة درعا الحدودية إلى الأردن، مستهدفة دول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية.
كما أكد تقرير للحكومة البريطانية أن النظام السوري يشارك عن كثب في هذه التجارة، حيث تغادر الشحنات التي تقدر بمليارات الدولارات معاقل النظام كميناء اللاذقية، ويتولى شقيق رئيسه، ماهر الأسد، قيادة وحدة من الجيش تسهّل عملية التوزيع والإنتاج.
وبحسب التقرير، يُقدّر حجم تجارة "الكبتاغون" عالمياً بحوالي 57 مليار دولار، 80% من المعروض يُنتج في سوريا.
وتنتشر معامل تصنيع المخدرات في مناطق النظام في ريف دمشق والقصير في ريف حمص، وفي مدن السويداء ودرعا والقنيطرة وفي المناطق الحدودية، بعضها يُصنع داخل منشآت صناعية ضخمة، وبعضها في معامل صغيرة ومحال تجارية ومنازل.
وذكرت الصحيفة الأميركية أن صناعة المخدرات، خاصة أقراص الكبتاغون، يديرها أقارب