يتجهّز الشاب خلدون الملحم وعائلته للرحيل عن إسطنبول بشكل نهائي، بعد نحو 7 سنوات أمضوها هناك. لكن الوجهة ليست أوروبا أو مصر أو أي من الدول التي يهاجر نحوها السوريون من تركيا مؤخراً، بل سوريا.
يُقيم خلدون (38 عاماً) في إسطنبول مع زوجته وطفلين ( 5 و3 أعوام) منذ عام 2017، حين خرج من ريف دير الزور الشرقي مع احتدام المعارك ضد تنظيم داعش. ويدرّس مادة الرياضيات في مدرسة خاصة داخل إسطنبول.
في البداية، كان راتبه يكفيه وعائلته. لكن في الوقت الحالي "لم يعد يكفي لإيجار البيت وتسديد الفواتير"، بحسب ما يقول لـ"ارفع صوتك".
راتب خلدون اليوم 700 دولار (نحو 21 ألف ليرة تركية)، وهو يسكن في منطقة أسنيورت. يوضح: "كانت هذه المنطقة في السابق ملجأً للسوريين الهاربين من غلاء إيجارات البيوت والمعيشة في إسطنبول، غير أن الأوضاع تغيّرت منذ الركود الذي ضرب البلاد مع انتشار جائحة كورونا".
بلغة الأرقام، يضيف خلدون، "قفزت الإيجارات في أسنيورت من نحو 1500 ليرة (عام 2020) إلى قرابة 10 آلاف ليرة في الشهور الأخيرة، مع موجة التضخم في عموم تركيا وفي إسطنبول بشكل خاص".
وتوقّع البنك المركزي التركي أن ترتفع نسبة التضخم من نحو 65% في شهر ديسمبر 2023 إلى ما بين 70% و75% في مايو المقبل، مع وعود بأن تتراجع إلى نحو 36% بحلول نهاية العام، على إثر الانخفاض المتوقع للأسعار بفعل سياسة التشديد النقدي ورفع أسعار الفائدة.
هذه الوعود، برأي خلدون، "لا تقنع حتى الأتراك الذين يفكرون أيضاً بمغادرة بلدهم".
لم تعُد أوروبا هي الوجهة المفضّلة للكثير من اللاجئين السوريين الذين ينوون مغادرة تركيا، على الرغم من استمرار العديد في المخاطرة بحياتهم للوصول إلى أي دولة أوروبية.
يقول خلدون: "الطريق لأوروبا محفوف بالموت، والأسعار التي تُدفَع للمهرّبين تجاوزت المنطق، إضافة إلى أن بعض معارفي وأصدقائي من الذين وصلوها حديثاً أخبروني أن الأوضاع ليست كالسابق، على المستويين القانوني والماديّ".
لذلك، كان القرار بالعودة إلى سوريا، وتحديداً إلى الشمال، وبشكل "طوعي" وفق تعبير خلدون، ضروريا للهرب من ارتفاع الأسعار وتضييق السلطات التركية على اللاجئين السوريين وموجات العنصرية المتلاحقة.
إذا كان خلدون في مرحلة الاستعداد للمغادرة، فإن محمد قضيماتي حطّ رحاله مع عائلته في مدينة إعزاز شمال غربي مدينة حلب قبل نحو شهر، تاركاً ولاية غازي عنتاب، بعد خمس سنوات من الإقامة فيها.
يقول محمد (31 عاماً) لـ"ارفع صوتك"، إن غازي عنتاب كانت تمثّل المنطقة الوسطى في المعيشة بين ولايات تتّسم بغلاء المعيشة مثل إسطنبول وأخرى أقل تكلفة مثل شانلي أورفا، غير أن زلزال فبراير 2023 "غيّر المعادلة كلّيًا".
كان إيجار بيته قبل الزلزال مثلاً 2000 ليرة تركية. لكنه ارتفع إلى 7000 ليرة. يقول محمد إن الأسعار ارتفعت "بشكل فلكي" نتيجة ارتفاع الطلب على المنازل وبسبب التضخم، بينما يتلقى هو راتباً في معمل خياطة قدره 15 ألف ليرة.
لا يُخفي محمد أنه وعائلته، المؤلفة من زوجته وطفله (3 أعوام)، واجهوا صعوبات في الانتقال إلى مدينة إعزاز، لكن لم يكن أمامهم خيار آخر، فراتبه في تركيا لم يعد يؤمن متطلبات الحياة الأساسية.