"قيصر" المصور الذي انشق على النظام السوري قدم شهادته أمام الكونغرس بشأن تعذيب السجناء في سجون الأسد
"قيصر" المصور الذي انشق على النظام السوري قدم شهادته أمام الكونغرس بشأن تعذيب السجناء في سجون الأسد

في يناير 2024، سجّلت بلجيكا قضية هي الأولى من نوعها في ملاحقة المتّهمين بارتكاب جرائم حرب في سوريا عندما اعتقلت المتّهم (حسين. أ) بناءً على مذكّرة توقيف تَنسِب إليه ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

ويُفترض أن تصدُر مُذكّرة الاتّهام الرسمية في قضية قد تستغرق عدّة أشهر للمتّهم الذي كان يتزعّم إحدى المجموعات في ميليشيا "الدفاع الوطني" التابعة للنظام السوري، في منطقة السلميّة بريف حماة الشرقي.

تشير المعلومات إلى أن المتهم متورّط باعتقال وتسليم معتقلين ومعتقلات لأفرع المخابرات التابعة للجيش السوري، إضافةً إلى مشاركته بأعمال أخرى، كعمليات الدهم والاعتقال وقمع التظاهرات والاعتداء على المتظاهرين، بحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان.

ويُضاف إيقاف (حسين. أ) إلى سلسلة إيقافات ومحاكمات شرعت بها ألمانيا وفرنسا وهولندا منذ عام 2020، لُوحق فيها بعض من مرتكبي جرائم الحرب في سوريا ينتمون لأطراف النزاع، بينهم عناصر من تنظيم "داعش" وعناصر تابعة للنظام السوري.

 

"أهمية كبيرة"

وتعد هذه القضية هي الأولى من نوعها في بلجيكا، جمع أوراقها وتفاصيلها "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية" الذي يديره المحامي السوري أنور البني.

وقبل ذلك  بنحو شهرين، ألقت السلطات الهولندية القبض على متهم ثان مرتبط بذات القضية، في مدينة خيلدرلاند، للاشتباه بارتكابه جرائم ضد الإنسانية في سوريا. وما زالت السلطات هناك تتحفظ على هويته ولم تكشف عنها بعد.

يقول المحامي أنور البني لـ"ارفع صوتك"، إن "القضية الجديدة في بلجيكا تحمل أهمّية كبيرة، لأن تهم جرائم ضد الإنسانية وجهت للموقوف، وليس جرائم حرب فقط، ما يعني أنها جرائم مُمنهجة تصدر الأوامر فيها من أعلى المستويات في الدولة".

ويضيف أن "النظامين القضائيين البلجيكي والهولندي يسمحان للضحايا أصحاب الدعوى برفع أخرى يطالبون فيها بالحصول على تعويضات مالية عادلة مقابل الضرر الذي لحق بهم".

وفي فبراير 2023 حكمت المحكمة الإقليمية العليا في العاصمة الألمانية برلين على الفلسطيني السوري، (موفق دواه) بالسجن مدى الحياة، لارتكابه جرائم حرب في سوريا، بينها إطلاقه قذيفة "آر بي جي" على تجمّع للمدنيين في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين عام 2014، مما أدّى إلى مقتل سبعة أشخاص وإصابة آخرين.

وقبل ذلك بعام واحد شهدت ألمانيا محاكمة الطبيب السوري (علاء الموسى) للاشتباه بارتكابه جرائم ضد الإنسانية، بينها تعذيب سجناء في مستشفيات عسكرية تابعة للنظام السوري، واعتبرت حينها القضية الثانية من نوعها في ألمانيا بعد محاكمة الضابطين في النظام السوري (أنور رسلان) و (إياد الغريب).

  

كبح لـ "الإفلات من العقاب"

يقول الباحث القانوني في المركز الأميركي لدراسات الشرق الأوسط المعتصم الكيلاني إن "جهود الدول الأوروبية في ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا تُعد إجراء مهماً لكبح مبدأ الإفلات من العقاب، لكنها ليست هي العدالة الكاملة التي يطمح السوريون إلى تحقيقها".

ويضيف لـ"ارفع صوتك أن "كل دولة في الاتحاد الأوروبي لها اختصاص مستقلّ في سياق مبدأ الولاية القضائية العالمية، ومرتبط باستخدام الولاية القضائية خارج نطاق الإقليم، ومن هنا يمكن أن نحدد قيمة بعض المحاكمات القضائية الغيابية لمسؤولين من النظام السوري، كما يجري اليوم في فرنسا، حيث يُتيح القضاء الفرنسي إجراء محاكمات غيابية لمسؤولين من النظام السوري دون الحاجة إلى وجودهم داخل أراضيه".

وفي أبريل 2023، نجحت جهود مُضنية دامت 6 سنوات لمنظّمات حقوقية في فرنسا بإصدار مذكرة بمحاكمة 3 مسؤولين كبار في النظام السوري، بينهم رئيس جهاز المخابرات العامة علي مملوك، أمام محكمة الجنايات الفرنسية، بتهمة التواطؤ في قتل مواطنيْن سوريين يحملان الجنسية الفرنسية، هما (مازن دباغ) ونجله (باتريك)، حيث اعتُقلا في دمشق عام 2013.

قانون قيصر يدخل حيز التنفيذ.. وهذه تفاصيله
الهدف إجبار الأسد على الموافقة على القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن عام 2015 والذي يدعو إلى وقف إطلاق النار وإجراء انتخابات وتحقيق انتقال سياسي في سوريا، وجاءت تصريحات بومبيو في إطار إعلانه دخول "قانون قيصر" الذي يفرض عقوبات على أي شركات تتعامل مع الأسد، حيّز التنفيذ

ورغم أن هذه المحاكمات التي أُجريت في الدول الأوروبية تفتح باباً جديداً في سلسلة محاكمة مجرمي الحرب في سوريا، إلا أنها في واقع الأمر "مرتبطة بإمكانية وصول المجرمين إلى إحدى الدول الأوروبية التي تطبق مبدأ الولاية القضائية العالمية"، وفقاً لمدير المركز السوري للعدالة والمساءلة محمد العبد الله.

يقول لـ"ارفع صوتك": "بمجرد وصول المتّهم إلى إحدى هذه الدول، يمكن الشروع بإجراءات توقيفه تمهيداً لإجراء محاكمة تعتمد على رفع الضحايا والشهود دعاوى قضائية ضد الشخص المعني".

ويعتقد العبد الله، أن وصول دفعات جديدة من اللاجئين القادمين من سوريا يرفع نسبة وجود متهمين بارتكاب جرائم حرب بينهم. 

ولم تتمكّن المحكمة الجنائية الدولية التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، من التعامل مع ملف جرائم الحرب في سوريا، لأنّ دمشق لم تصدّق على نظام روما الأساسي الذي يُعد المعاهدة التأسيسية للمحكمة، ما يعني أن القضايا الفردية التي تُرفع ضد مجرمي الحرب تحت مبدأ "الولاية القضائية العالمية" تبقى هي الخيار الوحيد المتاح لتحقيق العدالة التي يطالب بها السوريون منذ عام 2011.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".