مواطنون سوريون في أحد شوارع العاصمة السورية دمشق- تعبيرية
مواطنون سوريون في أحد شوارع العاصمة السورية دمشق- تعبيرية

يشهد العمل عن بعد إقبالا كبيرا من السوريين في مناطق النظام، كونه يُمثل طوق نجاة وفرصة مهمة لتحسين أوضاعهم المعيشية.

ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية، وانخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، بات العمل الحر عن بعد، خياراً متاحاً للكثير من السوريين.

"أحصُل على 300 دولار، وهو راتب ممتاز مقارنة بالرواتب في البلاد"، يقول أحمد هاجر المتخصص في الكيمياء، الذي كان يعمل في مختبر بالعاصمة دمشق، مقابل ٤٠ دولارا كراتب شهري، وساعات عمل تصل 12 ساعة يومياً.

يضيف لـ"ارفع صوتك": "بدأت البحث عن عمل عن بعد، وحصلت على تدريب في كتابة المحتوى والتصميم، فنلت وظيفة عن بعد تؤمن لي مدخولاً ممتازا. إلا أن الأمر لا يخلو من المخاطر، فالعمل ليس ثابتا".

زينة ضاهر أيضاً تعمل عن بعد وفي غير تخصصها الجامعي، فقد درست الهندسة، وتعمل بالترجمة. تروي لـ"ارفع صوتك"، أنها استفادت من معرفتها باللغة الإنجليزية، كما طورت مهاراتها من خلال المشاركة في عدة دورات تدريبية على الإنترنت.

تضيف "بعدها بدأت أعرض خدماتي في الترجمة والكتابة، واستعانت  ببعض المنظمات السورية العاملة في تركيا، كما أتتني بعض العروض من شركات وأفراد في منصات مثل (مستقل) و(أب) و(خمسات) وسواها".

دخل زينة الشهري 400 دولار، وهو مبلغ "يستحيل تحصيله من العمل الهندسي حالياً في سوريا"، وفق تعبيرها.

إلى ريف دمشق، حيث رشيد البرازي وهو موظف حكومي، لا يكفيه راتبه حتى لسد الاحتياجات الأساسية (25 دولاراً). قام كذلك بالانتساب لعدة دورات محلية لتطوير إمكانياته، لكن "الكثير من المدربين غير أكفاء"، كما يقول لـ"ارفع صوتك".

يتابع "يعدوننا بتدريب يؤهلنا لدخول سوق العمل عن بعد، ولكن في النهاية نجد أننا وقع ضحية خداع، ولم نستفد".

دورات عديدة قام بها رشيد دون أن ينجح في اكتساب أي مهارة، فبدأ بتعلم البرمجة على الإنترنت، حتى وجد عملا بعد سنة ونصف، يؤمن له دخلا شهريا بين 150 و200 دولار.

 

تحديات وعوائق 

يشرح الخبير الاقتصادي يحيى السيد عمر، الواقع الحالي لسوق العمل في سوريا خاصة في مناطق سيطرة النظام، بالقول إن هناك "ضعفاً شديداً في البنية الإنتاجية للاقتصاد، وعدم قدرة على استيعاب العمالة، ما دفع الشباب للعمل عن بعد، الذي يمثّل فرصة حقيقية للسوريين".

هذا الأمر، بحسب السيد عمر، سيكون له "تداعيات سلبية على اقتصاد النظام، نتيجة تراجع الإنتاج الحقيقي".

ورغم  حماس السوريين للعمل الحر عن بعد، إلا أن هناك العديد من العوائق التي يواجهونها، كانقطاع الكهرباء وضعف شبكة الإنترنت، وعدم كفاية ما يمتلكونه من مهارات عملية أو علمية، بالإضافة لصعوبة تحويل الأموال من الخارج، واضطرارهم للجوء إلى طرق غير قانونية للحصول على أجورهم.

يضيف السيد عمر، أن سنوات الحرب الطويلة أثرت سلباً على مستوى خبرة السوريين في قطاعات العمل، لا سيما الحديثة منها.

لهذه الأسباب، تحاول زينة التكيف مع انقطاع الكهرباء شبه المستمر وضعف شبكة الإنترنت، لإنجاز عملها في الوقت المطلوب، فتعمل أحياناً على ضوء الشموع، وينتابها التوتر إذا ما أوشكت بطارية الهاتف أو اللابتوب على الانتهاء.

"يومياً أشحن هاتفي ولابتوبي في مكاتب تقدم هذه الخدمة، خوفاً من تأخري بتسليم العمل في الوقت المحدد الذي قد يعني خسارتي للوظيفة"، تقول زينة.

بالنسبة لأحمد، فإن أكبر تحد هو صعوبة تحويل الأموال من الخارج إلى سوريا، لأنه يلجأ لطرق غير قانونية، ما يقلقه ويخيفه من أن يتعرض يوماً ما للمساءلة.

الطرق التي يشير لها أحمد، تكون عادة عبر شركات الصرافة غير الشرعية أو السوق السوداء، أو نقل الأموال عبر الأصدقاء أو الأقارب، أو إيهام الشركات بالتواجد خارج سوريا، بسبب ما يفرضه النظام السوري من رسوم مرتفعة على تحويل الأموال لداخل سوريا من الخارج، بالإضافة للفرق الكبير في تصريف العملة.

ومثله، يعاني رواد يازجي الذي يعمل في التسويق والتصميم. يقول لـ"ارفع صوتك": "دائما أخبر الشركات أنني أعمل من لبنان، كي لا تمتنع عن توظيفي، بسبب خوفها من العقوبات الدولية، فيتم تحويل المال للبنان، وتساعدني صديقة هناك في إرسالها إليّ".

بينما ينبع قلق رشيد، من عدم إمكانيته مواكبة التطور في سوق العمل: "أفتقر إلى بعض المهارات اللازمة للنجاح في العمل الحر، وأحاول تطويرها من خلال المشاركة في الدورات التدريبية عبر الإنترنت، أو عبر الحضور الفيزيائي في دورات تنظمها بعض الجمعيات المجانية في دمشق".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".