صورة تعبيرية لأحد أسوق دمشق في رمضان- من أرشيف فرانس برس
صورة تعبيرية لأحد أسوق دمشق في رمضان- من أرشيف فرانس برس

عادة ما ينتظر مسلمو سوريا قدوم شهر رمضان بشغف ولهفة، لكن ظروف الحياة القاسية والفقر المدقع الذي تعيشه أغلب العائلات، جعل من قربه عبئاً ثقيلاً لما يرافقه من مصاريف إضافية.

يقول  راشد العزبي (42 عاماً) إن راتبه الشهري لا يكفي إلا لأيام معدودة، والآن مع قرب رمضان، يزداد الضغط المالي والنفسي الذي يشعره، خصوصاً أن أطفاله "بدأوا يتحدثون عن الحلوى الرمضانية الشهية والمأكولات التي يتمنونها على مائدة الإفطار".

"وهذا يحزنني؛ فلا يمكنني شراء حلوى لرمضان حتى لو أردت ذلك"، يضيف راشد لـ"ارفع صوتك"، مشيراً إلى زيادة ملحوظة في أسعار المواد الغذائية داخل الأسواق حالياً.

في حيّ البرامكة في دمشق، نلتقي جميلة القدقود (48 عاما)، وهي أم لخمسة أبناء. تخبر " "ارفع صوتك" أن أكثر ما يقلقها اليوم "المصاريف الإضافية وتحضيرات الإفطار، خاصة مع وجود أطفال يرغبون بالخروج والمشي في السوق حيث يُعرض ما لذّ وطاب مما لا يمكنها شراؤه".

فيما تتحسّر الستينية مريم  كعبول، من حيّ جوبر الدمشقي، على الأيام الماضية بقولها "صحيح كان هناك فقر لكن هناك بركة، وكان الشهر الكريم فرصة للتواصل والتآلف بين العائلات والجيران، كل منا يرسل سكبة (كمية من الطعام) لجاره فتمتلئ السفرة وتتزين الطاولات بأصناف اللحوم والدجاج والخضار وكانت العائلات تدعو بعضها للإفطار".

"أما اليوم فقد أصبح الهم والشغل الشاغل كيفية تدبير ما يكفي لطبخة وحيدة دون تمر أو فاكهة أو حلوى، فالصعوبات وارتفاع الأسعار وضيق الحال لا مثيل له"، تتابع مريم.

 

كُلفة رمضان بالأرقام

يبيّن الخبير الاقتصادي يونس الكريم أن كلفة السلة الغذائية ترتفع عادة في شهر رمضان بنسبة ٣٠%- ٥٠% لتصل إلى حدود ٧٠٠ ألف ليرة سورية للفرد إذا كان يعيش بمفرده، أما إذا كان ضمن عائلة مؤلفة من خمسة أشخاص، فتتراوح كلفتها بين ٣٠٠ و٤٠٠ ألف ليرة بالحد الأدنى.

أما كلفة المعيشة، بحسب الكريم، فتختلف بين الريف والمدينة كما تختلف بتوفر الكهرباء من عدمه نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، وتصل الآن إلى ٧٠٠ ألف ليرة للشخص الواحد في الأيام العادية، متوقعاً أن ترتفع بنسبة تزيد عن 30% خلال شهر الصوم، بسبب ارتفاع كلفة السلة الغذائية وكلفة النقل خلال ساعات الذروة، لتصل إلى حدود  ٩٠٠ ألف ليرة.

ويصف الكريم لـ"ارفع صوتك" وضع السوريين مع اقتراب رمضان بأنه "محزن"، موضحاً "تتمنى العائلات وجود الكهرباء وهي سلعة غير متوفرة في سوريا، كما يشكل النقل من وإلى العمل ثقلا إضافياً على كاهل الناس في رمضان، بالإضافة لعدم القدرة على الحصول على مياه الشرب نتيجة عدم توفر الكهرباء".

كما قلل الناس اعتمادهم على التنوع الغذائي نتيجة عدم توفر السلع الغذائية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها وعدم توفر خيارات بديلة، "فالخيارات البديلة المتوفرة هي سلع يصعب على الطبقة الفقيرة شراؤها لأنها باهظة الثمن، ومخصصة لأثرياء الحرب ومتنفذي النظام" بحسب الكريم.

 

البحث عن بدائل

يبحث الكثيرون من أرباب العائلات عن بدائل وحلول للتخفيف من الضغوطات المادية الإضافية التي تترافق مع هذا الشهر، على سبيل المثال، قرر ماجد العزبي (30 عاما) من منطقة العسالي في دمشق، العمل مساءً إلى جانب عمله الصباحي في محل عصائر قرب المنزل.

وسيؤمن له العمل دخلاً إضافياً يمكنّه من "شراء عصير الجلاب (مرتبط بطقوس رمضان) لعائلته بسعر التكلفة، وشراء بعض الحاجات والمستلزمات الضرورية لهذه الشهر".

يقول ماجد لـ"ارفع صوتك" إن زوجته تعمل أيضاً ولكن من داخل المنزل "فالعائلات لا يمكن أن تستمر إن لم يعمل أفرادها بدوامين أو ثلاثة".

في المقابل، هناك الكثير من العائلات التي تأمل بأن تصلها مساعدات غذائية أو صدقات أو وجبات إفطار يومية تؤمنها جمعيات خيرية.

يقول منذر حلبون (51 عاما) من ريف دمشق إنه "يستحيل عليه تأمين مستلزمات رمضان مهما فعل، فراتبه لا يكفي ثمن  دجاجتين وطبق سلطة لعائلته، واعتماد بعض الأسر على صيام الأطفال لتوفير الوجبات ليس حلا، لأن عليها في المقابل أن تؤمن وجبات غذائية غنية تعوض النقص في أجسادهم"".

ويضيف لـ"ارفع صوتك" أنه ينتظر المساعدات التي وعدت بعض الجمعيات بتوفيرها للعائلات الأشد حاجة، بالإضافة إلى تأمين مستلزمات الطعام من السوق الخيري، والمرتقب افتتاحه خلال شهر رمضان بأسعار مخفضة.

وكان عضو غرفة تجارة دمشق ياسر اكريم، أشار في تصريح لصحيفة "البعث" المقربة من النظام، إلى وجود اتفاق مع محافظة دمشق لإقامة سوق خيري في مدينة الجلاء الرياضية، طيلة رمضان لبيع سلعاً غذائية بسعر التكلفة أو بهامش ربح بسيط، بالإضافة إلى توزيع سلال غذائية تستهدف الأسر الأكثر حاجة.

واعتبر اكريم أن راتب الموظف لا يكفي احتياجاته الأساسية ولا يعادل أكثر من 10-20% من مصروفه.

وذكرت صحيفة "الوطن" نقلا عن الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق د. سامر مصطفى أن راتب الموظف سواء في القطاع العام أو الخاص لن يغطي وجبة إفطار لمدة أسبوع واحد في أحسن الأحوال وبكثير من التقشف والتقنين، بسبب التضخم في أسعار السلع الغذائية التي ارتفعت لأكثر من 200% مع معدل تضخم وصل إلى ما يزيد على 156%، حيث تضاعفت تكاليف المعيشة عن العام الماضي ثلاث مرات، وتراجعت القوة الشرائية للمواطن بمعدل 100%.

محمد حلال، العامل في سوق الهال بدمشق، يخبرنا أن الزبائن على رغم كثرتهم في السوق إلا أنهم لا يشترون سوى قدر حاجتهم فقط، "ونادرا ما ترى شخصاً يشتري حاجة الشهر كما درج الأمر في السابق، فالأسعار مرتفعة وباتت الكثير من المواد خارج متناول العائلات الفقيرة".

ويشرح: "سعر كيلو البندورة يتراوح بين 8 و10 آلاف ليرة، والبطاطا 8 آلاف، والخيار 7 آلاف  ليرة، وكيلو الرز من النوعية المتوسطة 28 ألفا، والعدس 28 ألفا، والسكر 15 ألفا، ولتر الزيت النباتي بـ28 ألف، و لتر زيت الزيتون بـ100 ألف ليرة، أما كيلو اللحمة ف 170 ألفا والفروج (الدجاج) 40 ألفا، وبالنسبة للتمر منخفض الجودة فيبدأ من 30  ألف ليرة ليصل 200 ألف للأنواع الفاخرة، وفي حال رغب الشخص شراء كيلو من واحد من كل نوع من هذه الأصناف، فهو يحتاج لراتب أربعة أشهر على الأقل!".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".