صورة أرشيفية من إحدى التظاهرات الداعمة للثورة السورية في فرنسا- تعبيرية
صورة أرشيفية من إحدى التظاهرات الداعمة للثورة السورية في فرنسا- تعبيرية

في مثل هذه الأيام قبل 13 عاماً انطلقت شرارة الثورة الشعبية في سوريا ضد  النظام السياسي الذي يقوده بشار الأسد، أسوة بشعوب عربية أخرى ثارت على أنظمة الحكم المتربعة على عرش بلادها منذ عقود، وعُرفت تلك الثورات بـ"الربيع العربي".

وفي 2011، عام اندلاع "الثورة الشعبية" في سوريا، كان رئيس النظام قد أمضى 11 عاماً في منصبه الذي ورثه عن أبيه حافظ الأسد، الذي أمضى بدوره نحو 30 سنة في حكم سوريا قبل أن يتوفى في صيف 2000.

وتدرّجت الاحتجاجات في سوريا بداية بين المطالبات بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، ثم تطورت إلى مطلب "إسقاط النظام"، خصوصاً بعد أن تعرض المحتجون السلميّون لممارسات قمعية وعنيفة تمثلت بالقتل والاعتقال، إلى أن دخلت الانتفاضة في طور التسليح بعد 6 أشهر من اندلاعها، ما أدخل في البلاد في أتون حرب طاحنة أدّت حتى عام 2022 إلى  مقتل نحو 300 ألف و700 مدني بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، بينما تشير إحصاءات غير رسمية إلى أن العدد تجاوز مليون شخص بين مدنيين وعسكريين.

 

الثورة "مستمرة"؟

يحمّل غالبية السوريين نظام الأسد مسؤولية القتل والدمار الذي حلّ بالبلاد، لكن حكومته تتّهم أطرافاً "إرهابية وتكفيرية" بذلك وتؤكد "الانتصار على المؤامرة" التي استهدفت النظام.

ويقيم اليوم غالبية المعارضين الذي ثاروا ضد نظام الأسد في مناطق الشمال السوري أو تركيا ودول أوروبية، ويحرصون كل عام على "إحياء ذكرى الثورة" التي تنقسم الآراء حولها حتى بين الأشخاص الذين لا يزالون يؤيدونها ويؤكدون ضرورة التغيير في سوريا.

من الأمثلة على ذلك، ما يفعله كرم السوّاس (31 عاماً)، الذي يقوم مع أصدقائه بالتحضير لمظاهرة حاشدة وسط مدينة إدلب، تعبيراً عن التمسّك بـ "ثوابت الثورة والمضي على دربها" وفق تعبيره، من خلال كتابة مجموعة من اللافتات وحمل صور "رموز الثورة الأوائل".

ونزح كرم من مدينة حلب إلى إدلب في نهاية عام 2016. يقول لـ"ارفع صوتك" إن "الثورة السورية لا تزال حاضرة بقوّة على الأرض، على الرغم من الهزائم العسكرية التي مُنيت بها فصائل المعارضة بين عامي 2016 و2020.

"عندما خرجنا في المظاهرات الأولى لم يكن لدينا أسلحة أو مدن تسيطر عليها المعارضة، كنا ضعفاء عُزّلاً يستطيع النظام التقاطنا واحدا تلو الآخر، أما اليوم فلا يزال لدى جمهور الثورة مدن كثيرة نرفع فيها أعلامنا ونتظاهر ضد بطش النظام السوري"، يضيف كرم.

في المقابل، يرفض شادي بكّور ما يعتبره "خداعاً للنفس" الذي يتمثل بـ"الحديث عن استمرارية الثورة في ظل بقاء الأسد بعد كل تلك السنوات في موقعه وتخلّي المجتمع الدولي بشكل غريب عن مطالب السوريين وحقوقهم المشروعة".

يقيم شادي (39 عاماً) اليوم كلاجئ في ألمانيا التي هاجر إليها منذ 5 سنوات قادماً عبر تركيا، وبينما يُجهّز بعض أصدقائه في مدينة أيسن للقيام بفعاليات مختلفة في "ذكرى الثورة" يتّجه في حديثه لموقع ارفع صوتك نحو نظرة "أكثر واقعية" كما يسمّيها، ويعتبر هذه الفعاليات مجرّد "مضيعة للوقت ولا فائدة منها".

ورغم أن الشاب السوري شارك لسنوات في غوطة دمشق بالحراك المدني والنشاط الإعلامي ضدّ النظام السوري، إلا أنه اليوم يعتقد أن ما بقي من الثورة "مجرد ذكريات مؤلمة وملايين الضحايا والمهجّرين وبلاد مدمّرة".

ويلقي اللوم على المجتمع الدولي الذي "سمح للأسد بالقيام بذلك عبر سلوك الإفلات من العقاب"، مردفاً "بدلاً من محاسبة الأسد على جرائمه رأينا في العام الماضي كيف أعطاه العرب صكّ الغفران عبر دعوته لحضور اجتماع الجامعة العربية الذي أقيم بالرياض في مايو الماضي". 

 

"أمر طبيعي"             

في السياق نفسه، يرى البعض أن ما حصل "أمر طبيعي" في سياق تاريخ الثورات التي طالبت بتغييرات جذرية ولا يُشترط أن تحقّق أهدافها بشكل مباشر، لا سيما في وجه "نظام فاشي مثل النظام السوري" كما يقول حسان ضويحي (45 عاماً) لـ"ارفع صوتك".

ويروي لـ"ارفع صوتك" أنه شارك في الحراك الثوري داخل مدينته دير الزور منذ الأيام الأولى للثورة التي خسر فيها أحد إخوته، حيث قُتل في اشتباكات مع قوات النظام صيف 2012، فاضطُرّ هو للفرار من المدينة عقب سيطرة تنظيم داعش عليها عام 2014.

ولا يعتقد ضويحي أن الحديث عن "نهاية الثورة السورية" أمر منطقي "ما دام هناك ولو متر واحد في سوريا لا يزال يرفع علم الثورة"، مع إقراره بأن "طول الأمد وتشرذم قوى الثورة ودخول حالة التطرف والراديكالية هي أمور أدّت "لحالة يأس عامة لدى السوريين".

ويستدرك القول "بشار الأسد اليوم مجرّد دمية سياسية يتلاعب بها داعموه، وهذا وحده كفيل بأن الثورة نجحت في إسقاطه، ويتبقّى لها فقط أن تصمد لطرد داعميه الروس والإيرانيين".

على الرغم من تراجع الدعم الدولي والاهتمام العالمي بالملف السوري، يقول المتحدث باسم "تيار المستقبل" الكردي علي تمّي، إن ثمة من يرى أن الثورة السورية أنجزت على الصعيد السياسي أهدافاً كثيرة، أبرزها قدرة السوريين على بلورة مشروع ديمقراطي في البلاد، ووضع العالم أمام مسؤولياته.

ويعتقد أن "إيجاد حل الأزمة السورية أصبح اليوم قراراً دولياً بامتياز قبل أن يكون قضية وطنية، بالتالي أصبح العالم برُمّته أمام تحديات سياسية جديدة وقضايا متشابكة".

ويتابع تمي: "هناك أجندات خارجية تسرّبت وانخرطت شيئاً فشيئاً في صفوف الشعب السوري حتى تمكنت من برمجتها وفق مصالح إقليمية ودولية، وفتحت أبواباً كثيرة أمام هذا الشعب أهمّها مواجهة الميليشيات الإيرانية بجميع مسمّياتها والدور الروسي السلبي لحماية منظومة النظام من التفكك والانهيار".

وفي ما يتعلق بالمسارات القادمة للمشهد في سوريا، يقول تمّي إن التدخل الروسي "أتاح انتشار الميليشيات على الجغرافيا السورية لفرض سلطات أمر واقع طويلة الأمد" مرجحاً  أن القوى الدولية أبقت النظام السوري في الحكم "لتكرار تجربة السودان في سوريا من خلال الضغط وفرض العقوبات من أجل دفعه إلى الإقرار دستورياً بالوقائع الجديدة كما حدث في جنوب السودان، وبعدها  سيتم جرّ قادة النظام إلى المحاكم الدولية، وهناك آلاف الملفات بانتظار الجميع".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".