يبدأ موسم جمع الكمأة مطلع فصل الربيع.

تُعدّ منطقة البادية السورية المصدر الرئيس لثمرة "الكمأ" التي يبدأ موسم جمعها مع بداية فصل الربيع، حيث يقوم مختصّون بالبحث عن مواطن الثمرة التي تباع بأسعار باهظة، غير أن رحلة البحث عن الكمأ أصبحت منذ نحو 5 سنوات محفوفة بالمخاطر.

الخطر الأساسي الذي يواجه الباحثين عن الكمأ يتمثل بانفجار الألغام التي خلفها تنظيم داعش خلفه قبل انسحابه من مناطق شاسعة في باديتي الرقة ودير الزور شرقي سوريا، إضافة إلى الكمائن والهجمات التي يقوم بها عناصر التنظيم المتطرف أحيانا.

 

تجارة مُربحة و"دامية"

 

يتراوح سعر الكيلو غرام الواحد من الكمأ بين 100 و400 ألف ليرة سورية، وهو ما يعادل 7 وحتى 24 دولارا أميركيا، بحسب حجم الثمرة وجودتها، فيما يفضّل الكثير من التجار تصديرها إلى دول الخليج بحثاً عن زيادة الربح، خاصة في ظل تراجع الطلب في الأسواق المحلية نتيجة ارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية.

مظهر الخطورة الأبرز في المهنة التي تحقّق لأصحابها دخلاً مادياً مرتفعاً، تمثّلَ مؤخّراً بقيام خلايا داعش في البادية بملاحقة قوافل الباحثين عن الكمأ وقتلهم واعتقال بعضهم، إضافة إلى حرق وتدمير مركباتهم، حتى أصبح خبر مقتل أشخاص خلال رحلة البحث عن الكمأ خبراً دائما تتناقله الصفحات الإخبارية المحلية.

وخلال الأيام الماضية، شهدت منطقة البادية جنوبي مدينة دير الزور مقتل عدد من الأشخاص ممن قيل إنهم "تجّار مدنيون" يرافقهم عناصر من ميليشيات الدفاع الوطني التابعة لنظام السوري، بينما توجهت أصابع الاتهام إلى عناصر تنظيم داعش الذين لا يتبنّون عادةً هذه العمليات.

ففي 6 مارس الجاري، قُتل 18 شخصاً بين مدنيين وعسكريين في هجوم نسبه المرصد السوري لحقوق الإنسان لتنظيم داعش في بادية "كباجب" بريف دير الزور الجنوبي، خلال رحلة لجمع الكمأ.

وبحسب المرصد، فإن المهاجمين استخدموا الأسلحة الرشاشة، قبل أن يقدموا على حرق نحو عشر سيارات خلال الاشتباكات بين عناصر التنظيم ومقاتلين موالين للنظام السوري.

وباتت مهنة البحث عن الكمأ "مُغمّسة بالدم" وفقاً لما يقوله العاملون فيها، والذين يرون أنها صارت رهناً بصراعات النفوذ أو هدفاً لهجمات الألغام والكمائن التي ينفذها تنظيم داعش في كافة مناطق البادية.

بعد أكثر من 20 عاماً قرّر جامع الكمأ، وليد الدخيل، من ريف دير الزور الشرقي ترك المهنة التي راح ضحيتها قبل عامين عدد من أقاربه نتيجة لانفجار ألغام داعش أو عمليات إعدام يحمل التنظيم مسؤوليتها.

ويقول الدخيل، 49 عاماً، لـ "ارفع صوتك" إن "ظروف الحرب تسببّت في وضع قيود على رحلات البحث عن الكمأ، وأصبحت ميليشيات الدفاع الوطني هي المتحكم الرئيس بهذا السوق، ويجني قادتها مبالغ طائلة سنوياً".

ويوضح أن قادة "الدفاع الوطني" يفرضون رسوماً خاصة للسماح بالبحث عن الكمأ في مناطق نفوذهم. ومقابل دفع هذه الرسوم، يرسلون عناصرهم لحماية قوافل البحث عن الثمرة".

ويفسر الدخيل زيادة استهداف عناصر داعش لقوافل البحث عن الكمأ بوجود عناصر الدفاع الوطني التابعين للنظام.

 

 عناصر النظام هدف رئيس

 

منذ تلاشي مناطق سيطرته بين عامي 2017 و2019، باتت البادية السورية ملاذاً لفلول التنظيم وخلاياه. الأمر الذي جعلها بمثابة "ثقب أسود" لقوات النظام السوري والمليشيات الرديفة متعددة الجنسيات، عبر عمليات كرّ وفرّ وزرع عبوات وألغام، كما يقول الصحفي المتابع لخريطة السيطرة في البادية، زين العابدين العكيدي، لـ"ارفع صوتك".

ويشير العكيدي إلى أن داعش يصف في معرّفات إعلامية تابعة له "جامعي الكمأ" الذين يستهدفهم بـ "قوات النظام السوري"، رغم أن غالبية المستهدفين من المدنيين الذين يتهمهم بالارتباط بالقوات الحكومية أو العمل معها جواسيس في منطقة البادية.

ورغم تحمل التنظيم المسؤولية الأكبر عن قتل جامعي الكمأة في البادية السورية، تقع حوادث قتل نتيجة لنزاعات بين جامعي الكمأة أنفسهم على مناطق البحث، وفقاً للصحفي المختصّ بشؤون الشرق السوري، أحمد العطرة.

ويقول العطرة لموقع "ارفع صوتك" إن "جامعي الكمأة الذين يُسمح لهم بالبحث والتجارة هم في غالب الأحيان عناصر تابعون للنظام السوري أو لإحدى المليشيات الإيرانية ذات النفوذ في باديتي دير الزور والرقة والمتحكمة في منح إذن الدخول إلى البادية مقابل حصّة مالية، ما يؤدي إلى صراعات في بعض الأحيان.".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".