FILE - In this May 27, 2005 file photo, Rifaat Assad, the exiled uncle of Syrian President Bashar Assad speaks during an…
بقي خارج البلاد 36 عاماً قبل أن يسمح له بشار الأسد بالعودة إلى دمشق هارباً من فرنساً.

أعلن المدّعي العام السويسري، الثلاثاء،  إحالة رفعت الأسد، عمّ رئيس النظام السوري بشار الأسد، إلى المحكمة، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال فترة حكم أخيه حافظ الأسد، حيث كان في منصب قائد "سرايا الدفاع" ونائب الرئيس.

وأصدر مكتب المدّعي العام بياناً أوضح فيه أن رفعت الأسد "متّهم بإصدار أوامر بقتل وتعذيب ومعاملة قاسية واعتقالات غير مشروعة في سوريا في فبراير 1982... في إطار النزاع المسلح"، في إشارة إلى الصراع بين النظام والإخوان المسلمين في حماة حينها. 

وتُعدّ مذكرة الاتهامات الإجراء الثاني الصادر عن سويسرا ضد رفعت الأسد، إذ أصدر القضاء الفيدرالي السويسري في أغسطس 2023 مذكرة اعتقال بحقه بتهمة ضلوعه في "جرائم حرب" في سوريا عام 1982.

وسبقت ذلك إجراءات مماثلة في دول أوروبية غير أنها كانت متعلقة بجرائم اقتصادية، إذ أصدرت محكمة فرنسية عام 2020 حكماً ابتدائيا بسجنه 4 سنوات ومصادرة العقارات التي يملكها في فرنسا وتقدر قيمتها بـ100 مليون دولار، كما أدين أيضا بتهمة الاحتيال الضريبي وتشغيل أشخاص بشكل غير قانوني عام 2021. لكن كل هذه الأحكام لم تُطبّق بسبب هروبه إلى سوريا في أكتوبر 2021.

وأصدر الادّعاء البريطاني هو الآخر قراراً يقضي بتجميد أصول بملايين الجنيهات الإسترلينية تعود لرفعت الأسد في بريطانيا، ومنعه من بيع منزل يمتلكه في منطقة ميفير قيمته 4.7 ملايين جنيه إسترليني.

وأمرت السلطات الإسبانية أيضا بمصادرة ممتلكاته وتجميد حساباته المصرفية ضمن تحقيق ضده بتهم تتعلق بغسيل أموال.

 

"سرايا الدفاع"

 

انضمّ رفعت علي الأسد عام 1952 إلى حزب البعث،  ودرس في الكلية العسكرية بمدينة حمص بعد انقلاب عام 1963. وأوكلت إليه أولى المهام العسكرية في الانقلاب الذي نفّذه اللواء سليم حاطوم برفقة ضباط آخرين بينهم حافظ الأسد عام 1966 ضد الرئيس السوري أمين الحافظ.

وشارك في صراعات وانقلابات داخل حزب البعث بين عامي 1966 و1970، انتهت بنجاح شقيقه حافظ الأسد في استلام الحكم في نوفمبر 1970، وكانت مهمته آنذاك تأمين دمشق ومحيطها تحرّزاً من أي محاولة انقلاب ضد أخيه.

وفي 1971 شكّل النظام السوري الوحدة العسكرية "569"، أو ما يُعرف بـ"سرايا الدفاع"، وهي قوة عسكرية لا تتبع للجيش النظامي وتحظى بصلاحيات واسعة، وأوكلت مهمة قيادتها لرفعت الأسد بتعداد نحو 40 ألف مقاتل.

اعتبرت هذه الوحدة من أسوأ التشكيلات صيتاً في عهد حافظ الأسد، إذ اتهمت بارتكاب عمليات قتل وإعدام خارج نطاق القانون والتنكيل بأقسى الوسائل ضد معارضي النظام، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين.

"تفاصيل دوره في مجزرة تدمر".. ابن رفعت الأسد يتعهد بفضح والده
أعلن أحد أبناء، رفعت الأسد، عم رئيس النظام السوري، أنه سيقدم "هدية" قريبا يكشف فيها عن أمور تتعلق بجرائم ارتكبها والده عندما كان نائبا لرئيس الجمهورية في عهد، حافظ الأسد.

وقال فراس الأسد، ابن عم بشار الأسد، في منشور نشره على فيسبوك، يوم الاثنين، "عند الساعة

 

مجزرة سجن تدمر

في 27 يونيو 1980، سجّلت سرايا الدفاع التي يقودها رفعت الأسد أولى مجازرها الكبيرة بحق السوريين حين قتلت وحدات كوماندوس منها نحو 1000 سجين أعزل غالبيتهم من الإسلاميين في سجن تدمر العسكري، انتقاماً من محاولة اغتيال فاشلة ضد حافظ الأسد، حسب منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي تقول أيضا إنه "لم يتم الإعلان عن أسماء الذين قتلوا إطلاقاً".

بدوره، يقول ميشال سورا صاحب كتاب "الدولة المتوحشة"، الذي اختُطف وقُتل لاحقاً في لبنان عام 1985، إن تحليلاً أجرته الأجهزة الأمنية كشف أن عدد الضحايا بلغ 1181 ضحية.

 

مجزرة حماة

 

في مساء الثاني من فبراير 1982 اقتحم نحو 20 ألف جندي من قوات النظام السوري مدينة حماة بقيادة رفعت الأسد، الذي أمر بإغلاق مداخل المدينة وقطع التيار الكهربائي وإعلان حظر التجوال، لتبدأ حملة قصف مكثفة ضد المدينة استمرّت أربعة أيام.

عقب ذلك، قامت قوات "سرايا الدفاع" باقتحام حماة ونفذت عمليات إعدام للسكان، ترافقت مع هدم البيوت وحرق ممتلكات المدنيين، وتواصلت هذه الحملة حتى نهاية شهر فبراير.

وبحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، خلَّفت الحملة العسكرية على مدينة حماة حوالي 40 ألف قتيل من المدنيين، ونحو 17 ألف مفقود حتى الآن، إضافة إلى تدمير قرابة 79 مسجداً وثلاث كنائس، كما دمرت العديد من أحياء المدينة بما فيها الأثرية.

وبعد عامين، على مجزرة حماة حاول رفعت الأسد استغلال مرض أخيه وحاول الانقلاب عليه والسيطرة على العاصمة دمشق بالتعاون مع بعض كبار الضباط، إلا أنه فشل.

وفي نهاية أبريل 1984، أدرك رفعت الأسد أن الكفة مالت لصالح أخيه، فوافق على الاستسلام والخروج سلمياً من سوريا مع الحصول على ملايين الدولارات، وبقي خارج البلاد 36 عاماً قبل أن يسمح له بشار الأسد بالعودة إلى دمشق هارباً من فرنساً.

صورة أرشيفية لعم الرئيس السوري بشار الأسد، رفعت الأسد- أسوشيتد برس
حكم رفعت الأسد.. ما قيمته بعد "الهروب"؟ ومصير ملايين اليوروهات
"رفعت" هو عم رأس النظام السوري، بشار الأسد، والاسم الذي تعرفه الأجيال السورية القديمة والحديثة في سوريا، على أنه "جزار حماة" وقائد "سرايا الدفاع"، "وناهب أموال المصرف المركزي السوري"، قبل أن ينفيه شقيقه "حافظ" إلى فرنسا، في ثمانينات القرن الماضي، عقب خلافهما على السلطة.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".