أعلن المدّعي العام السويسري، الثلاثاء، إحالة رفعت الأسد، عمّ رئيس النظام السوري بشار الأسد، إلى المحكمة، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال فترة حكم أخيه حافظ الأسد، حيث كان في منصب قائد "سرايا الدفاع" ونائب الرئيس.
وأصدر مكتب المدّعي العام بياناً أوضح فيه أن رفعت الأسد "متّهم بإصدار أوامر بقتل وتعذيب ومعاملة قاسية واعتقالات غير مشروعة في سوريا في فبراير 1982... في إطار النزاع المسلح"، في إشارة إلى الصراع بين النظام والإخوان المسلمين في حماة حينها.
وتُعدّ مذكرة الاتهامات الإجراء الثاني الصادر عن سويسرا ضد رفعت الأسد، إذ أصدر القضاء الفيدرالي السويسري في أغسطس 2023 مذكرة اعتقال بحقه بتهمة ضلوعه في "جرائم حرب" في سوريا عام 1982.
وسبقت ذلك إجراءات مماثلة في دول أوروبية غير أنها كانت متعلقة بجرائم اقتصادية، إذ أصدرت محكمة فرنسية عام 2020 حكماً ابتدائيا بسجنه 4 سنوات ومصادرة العقارات التي يملكها في فرنسا وتقدر قيمتها بـ100 مليون دولار، كما أدين أيضا بتهمة الاحتيال الضريبي وتشغيل أشخاص بشكل غير قانوني عام 2021. لكن كل هذه الأحكام لم تُطبّق بسبب هروبه إلى سوريا في أكتوبر 2021.
وأصدر الادّعاء البريطاني هو الآخر قراراً يقضي بتجميد أصول بملايين الجنيهات الإسترلينية تعود لرفعت الأسد في بريطانيا، ومنعه من بيع منزل يمتلكه في منطقة ميفير قيمته 4.7 ملايين جنيه إسترليني.
وأمرت السلطات الإسبانية أيضا بمصادرة ممتلكاته وتجميد حساباته المصرفية ضمن تحقيق ضده بتهم تتعلق بغسيل أموال.
"سرايا الدفاع"
انضمّ رفعت علي الأسد عام 1952 إلى حزب البعث، ودرس في الكلية العسكرية بمدينة حمص بعد انقلاب عام 1963. وأوكلت إليه أولى المهام العسكرية في الانقلاب الذي نفّذه اللواء سليم حاطوم برفقة ضباط آخرين بينهم حافظ الأسد عام 1966 ضد الرئيس السوري أمين الحافظ.
وشارك في صراعات وانقلابات داخل حزب البعث بين عامي 1966 و1970، انتهت بنجاح شقيقه حافظ الأسد في استلام الحكم في نوفمبر 1970، وكانت مهمته آنذاك تأمين دمشق ومحيطها تحرّزاً من أي محاولة انقلاب ضد أخيه.
وفي 1971 شكّل النظام السوري الوحدة العسكرية "569"، أو ما يُعرف بـ"سرايا الدفاع"، وهي قوة عسكرية لا تتبع للجيش النظامي وتحظى بصلاحيات واسعة، وأوكلت مهمة قيادتها لرفعت الأسد بتعداد نحو 40 ألف مقاتل.
اعتبرت هذه الوحدة من أسوأ التشكيلات صيتاً في عهد حافظ الأسد، إذ اتهمت بارتكاب عمليات قتل وإعدام خارج نطاق القانون والتنكيل بأقسى الوسائل ضد معارضي النظام، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين.
وقال فراس الأسد، ابن عم بشار الأسد، في منشور نشره على فيسبوك، يوم الاثنين، "عند الساعة
مجزرة سجن تدمر
في 27 يونيو 1980، سجّلت سرايا الدفاع التي يقودها رفعت الأسد أولى مجازرها الكبيرة بحق السوريين حين قتلت وحدات كوماندوس منها نحو 1000 سجين أعزل غالبيتهم من الإسلاميين في سجن تدمر العسكري، انتقاماً من محاولة اغتيال فاشلة ضد حافظ الأسد، حسب منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي تقول أيضا إنه "لم يتم الإعلان عن أسماء الذين قتلوا إطلاقاً".
بدوره، يقول ميشال سورا صاحب كتاب "الدولة المتوحشة"، الذي اختُطف وقُتل لاحقاً في لبنان عام 1985، إن تحليلاً أجرته الأجهزة الأمنية كشف أن عدد الضحايا بلغ 1181 ضحية.
مجزرة حماة
في مساء الثاني من فبراير 1982 اقتحم نحو 20 ألف جندي من قوات النظام السوري مدينة حماة بقيادة رفعت الأسد، الذي أمر بإغلاق مداخل المدينة وقطع التيار الكهربائي وإعلان حظر التجوال، لتبدأ حملة قصف مكثفة ضد المدينة استمرّت أربعة أيام.
عقب ذلك، قامت قوات "سرايا الدفاع" باقتحام حماة ونفذت عمليات إعدام للسكان، ترافقت مع هدم البيوت وحرق ممتلكات المدنيين، وتواصلت هذه الحملة حتى نهاية شهر فبراير.
وبحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، خلَّفت الحملة العسكرية على مدينة حماة حوالي 40 ألف قتيل من المدنيين، ونحو 17 ألف مفقود حتى الآن، إضافة إلى تدمير قرابة 79 مسجداً وثلاث كنائس، كما دمرت العديد من أحياء المدينة بما فيها الأثرية.
وبعد عامين، على مجزرة حماة حاول رفعت الأسد استغلال مرض أخيه وحاول الانقلاب عليه والسيطرة على العاصمة دمشق بالتعاون مع بعض كبار الضباط، إلا أنه فشل.
وفي نهاية أبريل 1984، أدرك رفعت الأسد أن الكفة مالت لصالح أخيه، فوافق على الاستسلام والخروج سلمياً من سوريا مع الحصول على ملايين الدولارات، وبقي خارج البلاد 36 عاماً قبل أن يسمح له بشار الأسد بالعودة إلى دمشق هارباً من فرنساً.