من الأسواق الرمضانية في مدينة الباب التابعة لمحافظة حلب (2024)- ا ف ب
من الأسواق الرمضانية في مدينة الباب التابعة لمحافظة حلب (2024)- ا ف ب

ألقت الأزمة السورية بظلالها على جميع جوانب الحياة اليومية للسوريين، ولم يكن شهر رمضان بمنأى عن هذا التأثير. فبعد الدمار وافتراق العائلات والأزمات الاقتصادية والمعيشية التي خلفتها الحرب، تغيرت الكثير من عادات السوريين التي كانت تُضفي على هذا الشهر أجواءً من البهجة والتضامن والإحسان والتعبد، وأصبح التركيز على تأمين الاحتياجات الأساسية طاغيا على روحانية شهر الصوم المعهودة سابقاً.

في هذا المقال، نتحدث عن أبرز عادات وتقاليد رمضانية عرفت في عموم سوريا، لكنها تراجعت أو اختفت نتيجة تردّي الأوضاع المعيشية وغياب الاستقرار الأمني والاقتصادي، أو التهجير واللجوء والهجرة، المستمرة منذ 13 عاماً حتى الآن.

 

1- لمّة العائلة

هتاف يازجي مواطنة سورية في الخمسينات من عُمرها وأم لأربعة أبناء، تقيم في ريف حماة، تقول إن الكثير من العادات الرمضانية التي توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد تغيرت اليوم كثيرا.

وأكثر ما تفتقده هذا العام، بحسب ما تشرح لـ"ارفع صوتك"، لمّة العائلة، وهو الأمر الذي كان "مقدساً في رمضان" وفق تعبيرها. واللّمة تعني اجتماع أفراد العائلة في منزل الوالدين أو في منزل الأخ الأكبر في اليوم الأول لرمضان، وخلال الشهر يتم تداول العزائم بين منازل الأبناء والأقارب والوالدين.

"أما اليوم فيستحيل استعادة هذه العادة لأن شمل العائلات تفرّق بسبب الحرب والنزوح والهجرة"، تضيف هتاف.

ورغم أن عائلتها تجتمع في اتصالات دائمة عبر الفيديو، إلا أن الإفطار سوياً حتى "أونلاين" كما تفعل بعض العائلات هو أمر "صعب التحقيق"، بسبب فارق التوقيت الزمني بين سوريا وبين البلدان التي توزع أبناؤها فيها.

افتقاد لمة العائلة هو أمر يتحسر عليه أيضاً الستيني ياسر داكوش من مدينة حلب، فالظروف الاقتصادية والمادية السيئة منعت الأسر من  الاجتماع ودعوة بعضها إلى مائدة رمضان، حتى إن كانت في نفس القرية.

"فاليوم كل عائلة تفطر بمفردها بما تيسر من طعام، واجتماع العائلات أصبح من الماضي" يقول ياسر لـ"ارفع صوتك".

 

2- السّكبة

اعتادت الأسر السورية على مشاركة وجبات الطعام مع جيرانها ضمن ما يُعرف بـ"السكبة"، حيث يرسل كل بيت ضمن الحيّ الواحد، طبق طعام من فطور اليوم لأحد جيرانه، حتى تصبح مائدة كل منزل ملأى ومتنوعة الأصناف والنكهات.

تقول رجاء سلامة من دمشق: "كنا نتشارك الطعام مع الجيران ونحضر طبخة كبيرة ونقوم بتوزيع سكبة منها للجيران، وهم بدورهم يرسلون لنا من طبختهم، لتصبح السفر الرمضانية مزينة بأصناف عديدة من الطعام والحلوى، كما كنا نتداور السكبة في حال لم تعجبنا، ونرسلها إلى جارة أخرى، وأحيانا كانت السكبة نفسها تعود لمرسلها، وكان هذا الأمر محرجاً ومضحكاً في الوقت ذاته".

أما الآن، تضيف رجاء، فلا يمكن للأسرة إلا تحضير وجبة واحدة صغيرة، وباتت موائد الإفطار أكثر بساطة، وأصبحت بعض العائلات تعتمد على المساعدات الغذائية لتأمين احتياجاتها خلال رمضان.

 

3- التكريزة

عادة اجتماعية تقليدية بدأت في دمشق ثم انتقلت إلى محافظات سورية أخرى، وكانت تُقام قبل حلول شهر رمضان بيوم واحد، حيث تتجمع العائلات وتنطلق في رحلات إلى الحدائق والمنتزهات قبيل بدء الصيام، لتناول ألذ الوجبات، وتقوم بالشواء قرب النهر أو في حدائق عامة.

تقول منتهى مرعي (56 عاما) من ريف دمشق، إن هذه العادة باتت اليوم "حكراً على طبقة معينة" إذ لا تستطيع الأغلبية تنظيم الرحلات.

وتشير إلى أن الكثير من اللاجئين السوريين نقلوا معهم هذه العادة إلى بلدان اللجوء.

 

٤- الأسواق الرمضانية وزينة المنازل  

من أجمل مظاهر الشهر الفضيل زينة الأسواق والمنازل، إذ كانت الأسواق تتزين وتمتلئ بالبضائع الخاصة بهذا الشهر، كما كانت تعج بالمشترين وكان الإقبال  يزداد على شراء مختلف السلع من مواد غذائية وحلويات وملابس.

واعتادت العائلات الخروج بعد الإفطار للتجول في الأسواق وشراء ما يعرض من منتجات ومأكولات وحلويات. ولكن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، باتت هذه الأسواق للفُرجة فقط، لأن بضائعها ليست بمتناول الكثيرين.

يقول البائع في سوق الحميدية أحمد موصللي لـ"ارفع صوتك": "كان الناس يتسوقون بشكل كبير قبيل بدء رمضان وخلاله ويقومون بتحضير ملابس وهدايا العيد مسبقاً، كما كانوا يشترون الحلويات والزينة الخاصة برمضان، ولكن مع تدهور الاقتصاد وارتفاع الأسعار، أصبح من الصعب على العديد من الأسر تلبية احتياجاتها الأساسية، وأصبحت الزينة والهدايا والحلويات خارج حساباتها".

ويضيف أحمد "كان السوريون يزينون شوارعهم ومنازلهم بالفوانيس والزينة الرمضانية الجميلة، أما الآن فلا يملكون المال لشرائها، وحتى لو استطاعوا فلا كهرباء لإضاءتها".

"يوم قريش" و"الدزّة".. تقاليد رمضانية عراقية بين الماضي والحاضر
ورغم التطور التكنولوجي، إلا أن "المسحرجي" أو "المسحراتي" ما زال محتفظاً بمكانته ومهمته في إ]قاظ النائمين على السحور، عن طريق الدق على الطبلة التي يحملها معه متجولا في الشوارع والأزقة. هذا التقليد منتشر في مدن العراق بشكل واسع، وبعض المسحراتية صاروا يستخدمون دراجات نارية للتنقل بين الأحياء بدلاً من السير على الأقدام، نظراً للتوسع العمراني.

 

5- التسابق لفعل الخير

اعتاد السوريون خلال رمضان البحث عن المحتاجين والفقراء لمساعدتهم، باعتبار أن رمضان هو شهر الإحسان والطاعات والصدقات.

يقول الحاج يوسف طبوش (65 عاماً) من حي الميدان الدمشقي: "كنا نسأل إمام الجامع ومختار الحي عن العائلات المحتاجة، ونرسل لهم الطعام أو المال وملابس العيد بشكل سري، على مبدأ الحسنات المخفية، أما الآن فالغالبية أصبحوا فقراء ويحتاجون المساعدة".

وتستذكر فدوى عابد (57 عاما) من قدسيا في ريف دمشق "موائد الرحمن" التي كانت تقام في الأماكن العامة بهدف إطعام الفقراء والمحتاجين، وكانت بعض العائلات المتعففة تشعر بالحرج من القدوم إلى هذه الموائد، فيعمد أئمة الجوامع إلى تقديم الأموال لهم لمساعدتهم.

كما كان الناس يجهزون وجبات خاصة ويرسلونها قبيل الإفطار إلى الجوامع لتوزيعها، أو يضعونها أمام أبواب منازل المحتاجين، ويطرقون الباب ويرحلون قبل فتح الباب، منعا لإحراج العائلة الفقيرة، أما الآن "فالجمعيات تغصّ بطلبات المساعدة وغالبية العائلات محتاجة وتنتظر تلقي المساعدات" بحسب فدوى.

 

6- قرة رمضان

من دير الزور، يخبرنا جاسم أبو كسار (40 عاما) عن عادة دأب أهالي محافظته على ممارستها سابقا، إلا أنها "انقرضت بسبب الظروف المعيشية الصعبة"، وهي "قرة رمضان" التي تأتي في اليوم الأول لرمضان، ويتشارك فيها الجميع من أغنياء وفقراء.

كان المقتدر يجمع الناس من أقارب وجيران وأصدقاء للإفطار في منزل الشخص الأكبر في العائلة أو الحي، أما الفقير فيقوم بتوزيع التمر على الأقارب والجيران احتفالاً بحلول الشهر المبارك.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".