يعاني 12.9 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في سوريا .

أعاد شهر رمضان تسليط الضوء على معاناة النازحين، في شمال غرب سوريا، والذين يكابدون في الأصل ظروفاً معيشية صعبة نتيجة تفشي الفقر والبطالة وارتفاع أسعار السلع، علاوة على شحّ المساعدات الإنسانية، وتوقف برامج المساعدات الدولية، أبرزها برنامج منظمة الغذاء العالمي.

في ظل هذا الواقع يصارع النازحون في الخيام من أجل توفير احتياجاتهم الأساسية، وعلى رأسها في رمضان توفير وجبة الإفطار والسحور.

أطباق بسيطة

"طقوس رمضان المحببة أصبحت من الذكريات، فكل ما نتمناه ونكافح لتحقيقه هو تأمين قوت يومنا، والاقتصاد في الوجبات لنتمكن من إطعام الأطفال الصائمين"، تقول أم يحيى العلي (37 عاما) التي تعيش في مخيم أطمة في إدلب شمال سوريا.

تعيل أم يحيى أربعة أطفال ووالدهم  الذي أقعدته إصابة حرب، وتبين لـ"ارفع صوتك" أنها أقنعت اثنين من أطفالها بالصيام  توفيرا للطعام والمصاريف.

وتعتمد أم يحيى - التي تعمل عشر ساعات يوميا في سوق لبيع المنتجات اليدوية وسلال القش في أطمة- بشكل كبير على المساعدات، فالمصاريف مرتفعة ولم تعد المنظمات تغطي كامل تكاليف علاج زوجها المقعد بسبب نقص الدعم.

أما يوسف العليوي، النازح المقيم في مخيم الدانا في إدلب، فيقول: "إفطار العائلة عبارة عن أرز وبرغل وعدس، هذه الأطباق الرئيسة على مائدة رمضان".

تلقّى يوسف مبلغا من المال من أخيه في تركيا بمناسبة شهر رمضان، كان يفكر بادّخاره للعيد كي يشتري ملابس للأبناء، لكن ارتفاع الأسعار دفعه لإنفاق المبلغ على شراء بعض الوجبات الدسمة للعائلة، كما يقول.

محاولات تأقلم

تحاول بعض العائلات ابتكار وتنويع وجباتها مما تيسر من مواد، هذا ما تفعله الثلاثينية رؤى الدنف من مخيم مرام في إدلب، التي قررت الاستمتاع بهذا الشهر رغم الظروف الصعبة، عبر ابتكار في وجباتها البسيطة من الطعام والحلوى بحسب المتوفر، كي تشعر زوجها وأبناءها بالبهجة في رمضان.

تقول: "أصنع شربة الأرز بأشكال مختلفة، يوما أضيف الجزر ويوما الكوسا ويوما البطاطا مع الأرز، كما أضيف مكونات جديدة لأطباق البرغل والعدس والمعكرونة والأرز كي يبدو الأمر مختلفا".

كذلك هو حال منار( 58 عاما)، التي رغم تذمرها واقع العيش الصعب داخل الخيمة، إلا أنها تحاول إسعاد من حولها بشتى الطرق، تقول: "قبيل رمضان قمت ببيع فرن الغاز لتأمين بعض الاحتياجات لشهر رمضان، وزينت خيمتي استعدادا للشهر المبارك، وأطبخ الآن على موقد الحطب، ورغم أن الإحساس برمضان كما كان في الماضي لم يعد موجودا اليوم، لكننا سنظل نحاول صنع الأمل".

تحاول منار أن تعيش الأجواء بقدر استطاعتها، وتقول: "أحاول أن أعيد ما اعتدنا على فعله قبل النزوح، فأطبخ وجبة بسيطة، وأرسل للجيران في الخيمة المجاورة سكبة من الطعام، وهم بدورهم يرسلون لي بعض الخضار كالخس والفجل أو البندورة، فأصنع السلطة وأزين فيها سفرتي".

وشهدت أسواق الشمال السوري ارتفاعا في أسعار الخضار واللحم والدجاج والمواد الغذائية منذ دخول شهر رمضان، كما  تتفاوت أسعار الصنف الواحد بين مختلف المحلات، بسبب ضعف الرقابة، ونتيجة تأرجح العملة التركية، وهي العملة المتداولة في مناطق شمال غرب سوريا.

وأصبح تناول وجبات دسمة حلما للكثير من العائلات، كما يبين النازح في مخيم الدانا مؤمن اليوسف، في حديثه لـ "ارفع صوتك"، مشيراً إلى أن سعر  كيلو اللحمة وصل إلى 400 ليرة تركية (13 دولارا)، وهو مبلغ يصفه بـ "الضخم".

نسمع بالمساعدات ولا نراها

محمد رواس (30 عاماً)، والذي يعيش في مخيم البراء في الحمبوشية في جسر الشغور في إدلب، ينتقد غياب المساعدات، ويقول: " نسمع بوجود مساعدات لكن لا يصلنا شيء (..) من المؤسف أن هناك مئات الجمعيات الإغاثية في الشمال السوري، والناس في عوز وقلة"، متهماً الجهات القائمة على توزيع المساعدات بعدم تطبيق معايير عادلة في عملية التوزيع.

تشهد مخيمات الشمال السوري مبادرات من جمعيات إنسانية لإطعام النازحين خلال شهر رمضان، عبر توفير وجبات إفطار وسحور، لكن النازحين يتلمسون تراجعاً في حجم المبادرات مقارنة بالسنوات الماضية، بحسب براء ديوب النازح المقيم في مخيم الضياء شمال إدلب، يقول: " يوجد منظمات تقدم وجبات إفطار لعشرات الأسر، هذه الوجبات تساعد بعض العائلات، لكنها غير كافية.

وبحسب فريق "منسقو الاستجابة" سوريا وصلت معدلات البطالة بين السكان في شمال غرب سوريا إلى 88.74 % بحد وسطي.

وتقسم معدلات البطالة إلى 75.28 % من السكان المحليين الذكور، و93.15 % من السكان المحليين الإناث، و89.9 % من السكان النازحين الذكور، و96.75 % من السكان النازحين الإناث.

وأشار برنامج الأغذية العالمي إلى أن العدد الإجمالي للأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي في سوريا بلغ 12.9 مليون شخص، بينهم أكثر من مليوني نازح ومهجر ضمن المخيمات في شمال غرب سوريا ، ويعاني أكثر من 94% منهم من صعوبات كبيرة في تأمين الغذاء بحسب "منسقو الاستجابة".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".