منذ تنفيذ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أول زيارة له إلى سوريا منذ بداية الحرب، بدا واضحاً أن طهران تريد استرداد أجزاء من فاتورة تدخّلها الثقيلة لدعم بشار الأسد، وتحصيل بعض ديونها التي تُقدّر بنحو 50 مليار دولار.
وفي ديسمبر الماضي، أعلنت طهران أنها ستباشر إعادة تأهيل مصفاة حمص لتكرير النفط، فيما قال مسؤولون إيرانيون إنها "المصفاة الثانية" التي ستبدأ إيران بترميمها خارج حدودها -بعد عقد تأهيل مصفاة نفط في فنزويلا- كما ستحصل طهران على أرباح من تكرير النفط مقابل ترميم المصفاة مع عزمها توقيع اتفاقات مماثلة لتجديد مصفاة بانياس في الساحل السوري.
رغم أن الاتفاق بين النظام السوري وإيران حول مصفاة حمص يعود إلى عام 2020، إلا أنه كان آنذاك لإجراء تعديل على وحدات التقطير الجوي في المصفاة فقط، بينما يسير الاتفاق الجديد إلى إعادة تأهيل شاملة.
من الإنشاء إلى "إعادة التأهيل"
في أكتوبر الماضي، نقلت وكالة "مهر" الإيرانية للأنباء عن جليل سالاري، الرئيس التنفيذي للشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع المنتجات النفطية، أنه "تم التوقيع على مذكرة تفاهم ثلاثية بين إيران وفنزويلا وسوريا لبناء مصفاة جديدة بطاقة 140 ألف برميل في سوريا".
وأشار إلى أن الدول الثلاث ستدخل قريباً مرحلة تمويل وبناء المصفاة، مضيفاً أنه "تم تحديد مصفاة بطاقة 140 ألف برميل بجانب المصفاتين الموجودتين في حمص وبانياس في سوريا".
وذكر سالاري أن المصفاة الحالية في حمص تم إصلاحها على يد مهندسين إيرانيين خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا في شهر مايو الماضي، كما تم إجراء دراسات على المصفاة الجديدة من قبل فريق من شركة النفط الوطنية الإيرانية.
يعود بناء مصفاة حمص -التي تبعد 7 كيلومترات عن مركز المحافظة- إلى عام 1959، كأول مصفاة لتكرير النفط في البلاد، بطاقة تبلغ 5.7 مليون طن سنوياً. وتعرضت المصفاة خلال السنوات الماضية إلى هجمات وعدة حرائق، ما أدى لتراجع إنتاجها، وهي تكرّر حالياً ما بين 16 و30 ألف برميل يومياً من النفط.
ويُعد مشروع إقامة مصفاة لتكرير النفط في سوريا من قِبل إيران مشروعاً قديماً يرجع إلى أكثر من أربعة عقود، بحسب المهندس نصر أبو نبوت المختص في مجال النفط والغاز.
يقول أبو نبوت لموقع "ارفع صوتك" إن إيران طرحت المشروع من أجل أن يكون بديلاً عن مصفاة حمص التي أصبح لا بد من إنهاء خدماتها لأسباب كثيرة، منها أنها أصبحت قديمة جداً وتحتاج إلى عمليات صيانة مستمرة، ما أدى إلى انخفاض حجم الطاقة الإنتاجية لها.
وحسب أبو نبوت، فقد "طرحت إيران أن يتم انشاء مصفاة جديدة في منطقة الفرقلس وبطاقة إنتاجية كبيرة وبعمالة وخبرات إيرانية"، ويلفت إلى أن هذا المشروع من الوجهة الإيرانية "هو استثمار نوعي في بلد مثل سوريا، يشمل الجانب السياسي إضافة إلى جانب تعزيز التعاون الاقتصادي والتأكيد على العلاقات الإستراتيجية بين البلدين".
ويتابع: "مما لا شك فيه أن مثل هذا المشروع يعتبر من العناصر المهمة في توسيع نفوذ إيران في المنطقة وتعزيز استقرارها الاقتصادي، ويشكل جزءا من التحالف الإقليمي بين البلدين".
ويوضح أبو نبوت: "باعتبار أن مشروع بناء مصفاة إيرانية في سوريا فشل ولم يتم تحقيقه، فقد تم العمل على تحديث وتأهيل مصفاة حمص والاعتماد عليها مجدداً في عملية تكرير النفط الإيراني لما تحظى به هذه المصفاة من أهمية إستراتيجية لإيران، حيث تسهم في تعزيز التأثير الإقليمي وتوفير مصدر مستدام لتكرير النفط".
المشكلة "تتجاوز المصفاة"
لا تزال الخطوات العملية لمباشرة إيران في تأهيل مصفاة حمص غير واضحة المعالم، كما يقول وضاح سليمان، وهو مهندس صيانة يعمل في المصفاة منذ سنوات، حيث لا يتجاوز الأمر التصريحات المتبادلة بين الجانبين السوري والإيراني. أما على أرض الواقع "فالمصفاة على حالها"، وفق تعبيره.
يقول السليمان لموقع "ارفع صوتك": إن المصفاة في وضعها الحالي "قادرة على تلبية حاجة السوق من المحروقات لكن المشكلة لا تكمن في المصفاة إنما في توفّر النفط".
يتابع: "الخام الذي يصل إليها عادة إما من حقول شرق البلاد الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية أو من النفط الإيراني صعب الوصول. أعتقد أن إيران ليست غايتها تسهيل إنتاج المحروقات في سوريا بقدر ما تهدف إلى التغلغل بشكل أوسع في قطاع الطاقة بسوريا لأهداف أكثر من اقتصادية".
وهناك هدف ثانٍ، وفق السليمان، هو "استخدام السوق السورية كنوع من الالتفاف على العقوبات المفروضة على قطاع النفط والبتروكيماويات في إيران.
ويرة أن السوريين "هم الخاسر الوحيد" من هكذا صفقات تقوم بها الحكومة السورية، مشبهاً الأمر برهن حقول الفوسفات والموانئ السورية بيد الجانبين الروسي والإيراني، رغم أن قطاعي الطاقة والموانئ يُعدّان أحد أهم ركائز الأمن الاقتصادي في سوريا.