يقول تاجر سوري إن الناس تتسوق للفرجة فقط حيث لا يستطيعون شراء البضائع المعروضة- صورة لسوق دمشقي

على الرغم من أنه يوصف بشهر الخير والبركة لدى المسلمين في أصقاع العالم، إلا أن شهر رمضان ألقى بثقله على السوريين هذا العام بشكل واضح، واستنزفت تجهيزاته جيوبهم الخاوية أصلاً.

في جولة يقوم بها الصائم داخل أسواق العاصمة دمشق على سبيل المثال، يجد جميع الأطعمة والمواد التي كانت متاحة العام الماضي أو قبل سنوات، لكن الفارق اليوم أن أسعارها تجاوزت قدرات عائلات كانت تعُدّ نفسها أقرب إلى "الميسورة"، لكنها اليوم باتت في عداد الفقراء، الذين يشكلون أكثر من 90% من السوريين.

يتجوّل أكرم عيّاش في سوق بمنطقة الصناعة بدمشق، لعله يحظى بما يسمّيها "تركيبة اقتصادية ناجحة" تسمح له بإحضار وجبة الفطور إلى بيته دون أن يُضطر لتجاوز الحدّ الذي رسمه لميزانيته المالية.

يوضّح أكرم (57 عاماً) وهو موظف متقاعد لـ"ارفع صوتك"، أنّ نسبة زيادة الأسعار عن رمضان الماضي تجاوزت 100%، فيما اختلفت الأسعار عمّا قبل رمضان بشكل واضح، لا سيّما أسعار الخضروات الأساسية التي تحتاجها العائلة.

ويشير إلى أنه رصد ميزانية لشهر رمضان تصل إلى مليوني ليرة لتأمين الحد الأدنى من حاجيّات المائدة، اعتماداً على ما يرسله ولده الأكبر اللاجئ في تركيا.

"مرت عشرة أيام فقط من رمضان وتجاوز المصروف مليوناً ونصف المليون، لا أعرف كيف يعيش الناس بالاعتماد على الراتب، لو اعتمدت على راتبي التقاعدي لأفطرت عائلتي تمراً وماءً فقط"، يتابع أكرم.

وكان موقع"بزنس 2 بزنس" الاقتصادي المحلي، نقل عن رئيس جمعية حماية المستهلك التابعة لحكومة النظام السوري، عبد العزيز المعقالي قوله إن الحكومة باتت "شريكة برفع الأسعار والإقبال على شراء المواد الاستهلاكية بالمجمل ضعيف بسبب ارتفاع الأسعار".

 

كما أوضح المعقالي أن العادات الشرائية للمواطنين تغيّرت خلال رمضان الحالي، حيث   استغنوا عن أصناف كانت تعتبر من الأساسيات في المائدة الرمضانية سابقاً، لافتاً إلى أن بعض القرارات الحكومية التي صدرت مثل رفع أسعار المحروقات والكهرباء أدت إلى ارتفاع أسعار المواد.

ورغم أن سعر الدولار الأميركي في السوق السورية السوداء انخفض خلال شهر ونصف من 14700 إلى أقل من 14 ألفاً، إلا أن السوريين لم يلمسوا انخفاضات نوعية في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية إلا بنسبة ضئيلة لا تكاد تُذكر.

"بينما يؤدّي أي ارتفاع ولو طفيف في سعر الدولار إلى حدوث قفزات نوعية  في الأسعار" تقول إنعام موصلي، مضيفةً أن الأسعار بحاجة لانخفاض بنسبة 150% كي تصبح في متناول يد المواطنين.

وتبين إنعام ( 45 عاماً) وهي أم لثلاثة أولاد من دمشق، أن أقلّ مائدة إفطار في الوقت الحالي تكلّف نحو 100 ألف ليرة سورية لعائلتها المكونة من 5 أشخاص فقط، علماً بأنها لا تشمل ثمن الفواكه أو الحلويات الرمضانية التي اعتاد السوريون عليها في شهر الصيام. 

بحسب استطلاع أجراه "ارفع صوتك" في بعض أسواق دمشق، لا تبلغ نسبة المواد الغذائية التي انخفضت أسعارها مؤخّراً مع انخفاض الدولار سوى 5% من مجمل احتياجات السكّان، ومع حلول أول أيام شهر رمضان ارتفعت أسعار البقوليات والخضروات والفواكه واللحوم بشكل واضح قياساً باليوم السابق لدخول الشهر الكريم.

 

تسوّق دون شراء

بلغ سعر  صحن البيض 50 ألف ليرة، وكيس المعكرونة بوزن كيلو غراماً واحداً 15 ألف ليرة، بينما تراوح سعر كيلو التمر بين 25 و50 ألفاً تبعاً لجودته، أما اللحوم بأنواعها فقد يكلف شراؤها الموظف أو العامل السوري أكثر من ثلاثة أرباع راتبه، حيث وصل سعر الكليو غرام الواحد من لحم الغنم إلى 250 ألفاً في أسواق دمشق، بينما ارتفعت أسعار الدجاج بقيمة 10 إلى 15 ألفاً عن أسعار ما قبل رمضان.

يقول التاجر علي جاويش (62 عاماً) الذي يملك محل بقالة في منطقة الفحامة وسط دمشق، إن حركة الأسواق في نهار رمضان تبدو اعتيادية من حيث المظهر، حيث يتجول الكثير من الناس بغرض التسوّق، لكن "الغالبية يأتون للفُرجة فقط.. الناس يسألون عن الأسعار من محل إلى آخر، وعندما يجدون المعروض يفوق ميزانيتهم بأشواط بعيدة فإنهم يكتفون بشراء حبات معدودة من الخضروات ويغادرون".

ولعلّ الخضروات التي تُعد "ملجأ الفقير" لإعداد بعض الوجبات المتواضعة، لم تعُد كذلك في رمضان الجاري، فهي الفئة الأكثر تأثراً بارتفاع الأسعار، حيث تجاوزت نسبة الزيادة فيها خلال شهر مارس الحالي 50% مقارنة بأسعار فبراير المنصرم.

ونقلت صحيفة "البعث" التابعة للنظام، عن أحمد الهلال، رئيس مكتب التسويق في اتحاد الفلاحين، قوله إن السبب في ارتفاع أسعار الخضار خلال شهر رمضان هو التصدير. فتصدير الخضار والفواكه لم يتوقف خلال هذه الفترة، ما أثّر سلبياً على سعر المواد محلياً "في ظل عدم الموازنة بين التصدير وتوفّر المادة في الأسواق". بحسب تعبيره.

وعلى الرغم من أن غالبية السوريين في مناطق النظام يحمّلون الحكومة المسؤولية عن ارتفاع الأسعار، إلا أن بعضاً منهم يُلقي باللائمة على ما يسمّيه "جشع التجار وغياب الرقابة التموينية" في الأسواق، حيث "يوجد فروقات في الأسعار بين تاجر وآخر بشكل واضح جداً، ما يعني أن السعر ليس موحّداً"، كما يقول ملحم زينو.

ويعتقد ملحم (43 عاماً) وهو من سكان ضاحية قدسيا في ريف دمشق، أن موسم رمضان "يغري التجّار بزيادة ربحهم بشكل فاحش دون أي مراعاة للوضع الاقتصادي الخانق الذي نعيشه، ودون أي حساب لقُدسية شهر الصيام" وفق تعبيره.

ويقول لـ"ارفع صوتك" إن دوريات التموين "غائبة عن الأسواق كلياً"، وفي حال قيامها بجولات فإنها "لا تحرّك ساكناً"، في إشارة إلى عدم قدرة حكومة النظام على ضبط الأسعار أو وضع تسعيرة موحّدة لأنواع المواد الغذائية والخضروات.      

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".