صورة تعبيرية من العاصمة السورية دمشق، التي تقع تحت سيطرة النظام
صورة تعبيرية من العاصمة السورية دمشق، التي تقع تحت سيطرة النظام.

ألقت ظروف الحرب في سوريا خلال 13 عاماً بظلال سلبية جداً في قطاع التعليم بمختلف مراحله، لا سيّما التعليم الجامعي الذي كان قبل الحرب يعاني من مشاكل جوهرية تفاقمت بشكل كبير جداً منذ عام 2011.

وعلى منوال بقية المهن الحيوية في سوريا، دقّت وسائل إعلام محلية ناقوس الخطر حول ظاهرة إحجام المدرّسين الجامعيين عن الخدمة في الجامعات الحكومية في مناطق النظام السوري وتفضيل الهجرة، أو الجامعات الخاصة التي تؤمّن دخلاً مادياً يفوق الراتب الذي تعطيه حكومة النظام بأضعاف كثيرة.

وسلّط تقرير حديث لصحيفة "الوطن" -المقرّبة من النظام-  الضوء على ملف الأساتذة الجامعيين في الكليات التطبيقية، إذ بدأت مجموعة منهم تنسحب كلياً من التدريس؛ بسبب تدنّي الأجور وتدنّي قيمة الساعات الإضافية.

ووصف مختصّون الأمر بأنه "خطير للغاية" كما أورد التقرير.

وفي مارس الحالي، أفادت الصحيفة نفسها أنّ وزارة التعليم العالي توجّهت نحو ترميم النقص الحاصل في عدد أعضاء الهيئة التدريسية ضمن تخصّصات جامعية عدة، عبر إعلان مسابقة للمدرّسين الجامعيين.

ونقلت عن الباحث الأكاديمي وأستاذ القانون في جامعة دمشق عصام التكروري، تشكيكه بقبول حملة الدكتوراة الالتحاق بالسلك التدريسي الجامعي الحكومي "في زمن بات فيه راتب الأستاذ الجامعي يغطي بالكاد تكاليف المواصلات"، وفق تعبيره.

وأضاف التكروري أن "هجرة الأدمغة "لم تقتصر على مغادرة البلاد فحسب، بل بتنا نشهد هجرة واضحة من قطاع التعليم العام إلى قطاع التعليم الخاص"، مشيراً إلى أن نسبة كبيرة من أصحاب الاختصاصات العلمية في الكليات الطبية والهندسة المعلوماتية يتم استقطابهم من الجامعات الخاصة التي تعرض عليهم رواتب شهرية أضعاف ما تقدمه الجامعات الحكومية.

صورة أرشيفية لمبنى البنك المركزي في العاصمة السورية دمشق- تعبيرية
يعوضهم بالمتقاعدين.. النظام السوري يعاني هجرة الشباب للوظيفة
شهدت سوريا بين 2011 و2018 شهدت موجات هجرة كبيرة لأسباب أمنية وعسكرية، غير أن مسار الهجرة من سوريا لم يتوقف مع ثبوت الخرائط العسكرية بشكل نسبي بعد عام 2020، لكن الأسباب اتخذت مسارات مختلفة، تتعلق هذه المرة بالوضع الاقتصادي الخانق، الذي تفاقم مع بدء حزمات العقوبات الأميركية بموجب قانون "قيصر"، وتردّي الأوضاع المعيشية والخدمية إلى مستويات أقرب للمجاعة.

ويصل راتب الأستاذ الجامعي في الجامعات الخاصة إلى نحو 15 مليون ليرة سورية ( نحو 1070 دولاراً بحسب سعر الصرف الحالي في السوق السوداء بدمشق) في الكليات العلمية، بينما لا يتجاوز راتب المدرّس في الجامعات الحكومية 700 ألف ليرة بما يشمل ما يسمّى "طبيعة العمل".

ورغم أنّ التدريس الجامعي يُعد من أكثر المهن التي تدرّ دخلاً مرتفعاً في سوريا، إلا أن "المعاناة التي يواجهها الدكتور الجامعي لا تتوازى أبداً بمعدل الراتب الذي يتقاضاه في الجامعات الحكومية" كما يقول الدكتور في علم الأحياء مالك مسوتي، لـ"ارفع صوتك".

وفضّل مسوتي (38 عاماً) الهجرة إلى خارج سوريا لـ"يحظى بالمستقبل الذي يوازي تعبه" بحسب تعبيره. وهو يقيم منذ شهرين في إسطنبول التركية.

وكان قد أحجم عن التقدّم لمسابقة هيئة التدريس التي أعلنتها وزارة التعليم العالي، معللاً "لا أريد أن أحرق مرحلة قطف الثمار من سنوات دراستي في بلد لا تحترم كفاءاتها العلمية ولا تعطيهم حقّهم".

وتركيا بالنسبة لمسوتي "محطة عبور على أمل الحصول على فرصة عمل جيّدة في إحدى دول الخليج".

في المقابل، يوجد مئات الأساتذة الجامعيين الذين ينتظرون تلك الفرصة وهم على منابر التدريس، كما يقول الدكتور يحيى عبدو ( 49 عاماً)، الذي يدرس الهندسة الميكانيكية في جامعة "البعث" بمدينة حمص منذ قرابة 10 سنوات.

يوضح لـ"ارفع صوتك"، أنه حاول الالتحاق بإحدى الجامعات الخاصة في العاصمة دمشق، لكنه لم يحظ بفرصة للآن، لافتاً إلى أنه "لا يستطيع التضحية براتبه رغم قلّته والمغادرة خارج سوريا".

"لديّ أصدقاء في الكويت وقطر ودول أوروبية، وهم يسعون إلى تأمين فرصة عمل مناسبة لي كي أغادر في وضع آمن ومضمون"، يتابع الدكتور عبدو.

ويبين أن "رواتب المدرسين الجامعيين في مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة النظام باتت أعلى بكثير من رواتب الجامعات الحكومية".

وفي نوفمبر 2022 أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد مرسوماً تشريعياً ينصّ على رفع سنّ التقاعد لكوادر الجامعات والهيئات التدريسية إلى 70 عاماً، مع تمديد التعيين للمتقاعدين في مؤسساته الحكومية لمدة خمسة أعوام، في محاولة لتعويض نقص العدد في كوادر التدريس الجامعي.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".