صورة جوية لسجن صيدنايا العسكري عام 2017. أرشيف
صورة جوية لسجن صيدنايا العسكري عام 2017. أرشيف

أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، السبت، بمقتل شابين اثنين تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي في سجن صيدنايا.

وقال "تلقت عائلة خبر وفاة ابنها وهو من مدينة دير الزور في سجن صيدنايا بعد عودته من تركيا إلى الأراضي السورية، ليتم اعتقاله من قبل عناصر من قوات النظام منذ عامين في مدينة حلب".

وأضاف "كما فارق الحياة شاب آخر ينحدر من مدينة حلب، تحت وطأة التعذيب في سجن صيدنايا السيء الصيت، بعد اعتقاله سنوات".

وبذلك يرتفع إلى 14 تعداد الذين وثق المرصد مقتلهم تحت وطأة التعذيب داخل المعتقلات الأمنية التابعة للنظام السوري منذ مطلع عام 2024، من ضمنهم ناشط سياسي وطالب جامعي وكاتب ومهندس.

ولم يعد سجن صيدنايا العسكري في سوريا "ثقبا أسودا" كما كان لسنوات طويلة منذ تأسيسه في ثمانينيات القرن الماضي، إذ كشف تحقيق مطول بالتفاصيل الدقيقة ما يجري خارج أسواره وداخلها، وهيكليته وعلاقاته التنظيمية مع بقية المؤسسات الأمنية التابعة للنظام السوري.

والتحقيق الذي عملت عليه "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" لعام كامل ونشرته في أكتوبر 2022، خطوة هي الأولى في نوعها بشأن هذا المعسكر الأمني، والذي أطلقت عليه "منظمة العفو الدولية" قبل سنوات وصف "المسلخ البشري"، والسجن الذي "تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء".

ويعتبر "صيدنايا" واحدا من "أكثر الأماكن سرية في العالم"، ولطالما بث اسمه "الرعب في قلوب السوريين". وهؤلاء ارتبط ذكر هذا المكان عندهم بفقدان الأحبة وغيابهم، بينما حفر في ذاكرة المجتمع الكثير من الأسى، وفق الرابطة الحقوقية.

ودخل النزاع السوري عامه الرابع عشر، مثقلا بحصيلة قتلى تجاوزت النصف مليون، فضلا عن نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل سوريا وخارجها ودمار البنى التحتية. وتحول إلى حرب معقدة تشارك فيها أطراف سورية وأجنبية ومجموعات جهادية.

وبدءا من منتصف مارس 2011، خرج عشرات آلاف السوريين في تظاهرات مستلهمة من "ثورات الربيع العربي" مطالبين بإسقاط نظام الأسد، لكنها سرعان ما تحولت إلى نزاع دام تنوعت أطرافه والجهات الداعمة له. وباتت سوريا ساحة لقوات روسية وأميركية وتركية ومقاتلين إيرانيين.

وتزداد المخاوف من تصاعد التوتر منذ بدء الحرب في غزة، حيث كثفت إسرائيل وتيرة الغارات التي تشنها في سوريا، وتستهدف بشكل خاص مجموعات موالية لطهران بينها حزب الله.

وحذرت الأمم المتحدة من أن 16,7 مليون شخص في سوريا يحتاجون هذا العام إلى نوع من المساعدة الإنسانية "ما يعادل حوالى ثلاثة أرباع سكان البلاد، ويمثل أكبر عدد من الأشخاص المحتاجين منذ بداية الأزمة" عام 2011.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن حوالى 7,5 ملايين طفل في سوريا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية أكثر من أي وقت مضى، في وقت يعيش فيه نحو تسعين في المئة من سكان سوريا تحت خطر الفقر.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".