مع حالة الهدوء النسبي في مناطق شمال غرب سوريا، نتيجة تراجع المعارك، تتجه المنطقة بخطوات متسارعة نحو مزيد من المشاريع الفردية والجماعية بغرض إعادة الحياة لمنطقة عاشت خلال سنوات الحرب أوضاعاً إنسانية قاسية.
لا يقتصر الأمر على مستويات التجارة والتعليم ومشاريع البناء الرائدة، حيث تحاول مجموعة من الشباب إدخال عادات وثقافات جديدة كنوع من التغيير والتجديد، وتعد الرياضة إحدى المجالات التي انعكس فيها هذا التغيير.
وأنت تمشي في شوارع مدينة إدلب أو ريفها يمكن أن تلاحظ مجموعة من الشباب يقفزون بشكل بهلواني وخفّة ورشاقة بين المباني المدمّرة بحركات أشبه بالسينمائية، وهذه ليست مجرد حركات رياضية أو هواية لتقطيع الوقت، إنما هي رياضة "الباركور" الوافدة إلى المنطقة منذ سنوات قليلة، وباتت شريحة واسعة الشباب تعرفها رغم أنها رياضة حديثة عالمياً.
تأسّست رياضة "الباركور" أو "الوثب" في فرنسا أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وأُلحقت مؤخّراً بألعاب الجمباز الشهيرة، ونالت شهرتها من انتشار عدة أفلام سينمائية قام فيها الأبطال بالهروب من الشرطة أو الأعداء عن طريق القفز بين أسطح المنازل أو الشرفات الشاهقة.
ولأنها رياضة تعتمد على عدة معطيات فلا بدّ فيها من التدريب البدني عالي المستوى بدءاً من تمارين العضلات وانتهاء بتدريب حتى أصابع اليدين، إضافة للحاجة إلى مدرّب خبير يجنّب رياضي "الباركور" أي مخاطر أو مفاجآت لا تُحمد عقباها خلال عمليات القفز غير الاعتيادية.
ودخلت رياضة الباركور إلى محافظة إدلب السورية قبل نحو ست سنوات، ورغم قلة أعداد الشبان الذين يمارسونها إلا أن شهرتها تزداد بوتيرة متسارعة، ولا سيما أنها حظيت بتغطية إعلامية جيّدة من قبل وسائل الإعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
يحيى سليمان (21 عاماً) شاهد تقريراً مصوّراً حول رياضة الباركور قبل نحو عامين، فنالت الرياضة إعجابه "لما تحويه من خليط من عدّة رياضات كالجمباز والرياضات القتالية"، وفق تعبيره، لذلك فهو يتابع ممارستها بشكل دائم.
يقول لموقع "ارفع صوتك"، إن رياضة الباركور "لا تعني له مجرّد عمليات قفز عشوائية يؤدّيها الرياضي للفت الأنظار، بل نمطاً سلوكياً يعلّم صاحبه التمرين الجسدي الدائم مع الصبر وتنمية القدرات العقلية التي تمكّن الشخص من الهروب بذكاء وخفّة".
ويوضح يحيى أن إعجابه بهذه الرياضة دفع بعض أصدقائه وأقاربه إلى خوض تجربتها إما من باب الفضول لمعرفة هذه الرياضة الجديدة، أو من باب القناعة بأنها "رياضة استثنائية" وفق تعبيره.
"كما أن فنون القتال والجمباز تحتاج أدوات معينة وتتّسم بأنها تمارَس في مكان واحد، أما الباركور فهي تجعل كل المساحات والأمكنة مجرد ملعب كبير"، يتابع يحيى.
فوائد ومخاطر
تساعد رياضة الباركور على منح الجسم لياقة عالية ومرونة كبيرة وتقوية عضلات الجسم، وتحسّن من الصحّة الجسدية والنفسية والعقلية وتعزز الإبداع والتميز والنشاط البدني، كما تعطي مهارات الهروب وقوة الحركات البهلوانية الجميلة، وما يميزها أنه يمكن القيام بها في أي مكان دون الاعتماد على معدّات معينة"، كما يبيّن مدرب الباركور أحمد السواس.
ويشير إلى أن هذه الرياضة كانت موجودة على نطاق محدود قبل الحرب، وكان يمارسها برفقة بعض أصدقائه في الأماكن العامة داخل مدينة حلب.
رغم هذه الفوائد إلا أن الباركور تتسم بالخطورة، يوضح السواس لـ"ارفع صوتك"، وذلك "بسبب الحركات المركّبة التي تقوم عليها، إذ يمكن أن تسبّب الالتواء الطفيف في الكاحلين أو آلام العضلات والظهر بشكل عام، إضافة إلى إمكانية التعرض لجروح بسيطة".
ولعل المخاطر التي يمكن أن تصيب الشخص الذي يمارس هذه الرياضة، جعلت النظرة إليها لا تزال "سلبية وغير مشجّعة"، بحسب مدرب الباركور المدرّب عبادة جبارة.
يروي لـ"ارفع صوتك"، أنه "من أوائل الأشخاص الذين أدخلوا هذه الرياضة إلى مناطق شمال غرب سوريا عام 2017، حيث تعلّمها عن طريق يوتيوب، فصارت له أكثر من مجرد هواية، إلا أنه تطوّر في التدرّب عليها وإتقانها حتى أنشأ فريقاً محلياً في الباركور أطلق عليه اسم (تفاني)".
وينشر جبارة مقاطع مصوّرة عديدة حول رياضة الباركور بغرض تعريف الناس عليها وجذب مزيد من الممارسين لها لما تحويه من فوائد جسمانية كبيرة. من بينها فيلم قصير بعنوان "بين الركام"، شرح فيه كيفية ممارسة رياضة الباكور ودخولها لشمال غرب سوريا وعرض نماذج رياضية قام بها فريقه الصغير.
يقول جبارة إن آراء الناس حيال الباركور "لا تزال متباينة ومحلّ خلاف كبير، بين من يراها خطرة تسبب إصابات بليغة، ومن يعتبرها رياضة شبابية مميّزة بمهارات استثنائية،".
"والإقبال عموماً ليس كبيراً بسبب النظرة السلبية لرياضة الباركور، لكن مؤخراً نشهد إقبالاً عليها في منطقة لا تزال ترى أن الرياضة عموماً ليست من الأولويات المهمّة"، يتابع جبارة.