أطفال يلهون على الأراجيح في العيد الماضي بدمشق- فرانس برس 2023
أطفال يلهون على الأراجيح في العيد الماضي بدمشق- فرانس برس 2023

خلال ثلاثة عشر عاماً فرضت الحرب مشاهدها على حياة السوريين وحرمتهم من حضور فرحة العيد بمعانيها وأجوائها الشعبية القديمة التي تجعل للمناسبة بالعادة نكهةً خاصة.

وإضافةً إلى فقد الأقارب بالموت أو الاعتقال أو الهجرة، عمّقت الأزمة الاقتصادية الحادّة حرمان غالبية السوريين من أجواء العيد وعاداته التي طالما حرصوا على القيام بها، كما حرمت أطفالهم الفرح الذي يعيشه نظراؤهم في هذه المناسبة. ومن أبرز عادات العيد في سوريا: 

 

حلويات العيد

تبدأ النسوة -سواء كنّ قريبات لبعضهن البعض أو جارات- بالاجتماع في أحد البيوت عقب الإفطار لتحضير حلويات العيد التي تُعدّ من أبرز طقوس المناسبة، وتمتدّ التحضيرات قبل نحو أسبوع من العيد وتترافق عادةً مع أناشيد أو أهازيج أو أغانٍ تترنّم بها الفتيات خلال تحضير الحلويات.    

 

الملابس الجديدة

المظهر الذي يترافق مع مشاهد احتفالية لدى الأطفال بالحصول على ثياب جديدة يحرصون على عدم ارتدائها نهائياً قبل العيد، وفي ليلة العيد يضعون بجانبهم ليلاً كي يحلموا بيوم غد الذي يكون أول أيام البهجة.

 

العيدية

مبلغ مالي يمنحه الأب أو الأقارب للأطفال الصغار في العائلة أو لأطفال الجوار كتعبير عن بحبوحة العيد وكرمه، ويكون هذا المبلغ بمثابة "مصروف" ينفق منه الطفل لمأكولاته وألعابه خلال أيام العيد. 

 

الاجتماعات العائلية

يجتمع الإخوة جميعاً مع عائلاتهم في بيت الجد في ليلة العيد التي لا ينام فيها سوى الأطفال غالباً بينما تكون فترة الليل فرصة لأحاديث السهر وممارسة الألعاب الشعبية بين الرجال، فيما تقوم النسوة بالتحضير لغداء اليوم الأول من العيد والذي يكون عادة بكميات كبيرة ليكفي الجميع. 

 

زيارة القبور وتوزيع الأطعمة

في صباح العيد يحرص السوريون على عادة زيارة قبور أقربائهم لقراءة القرآن عندها والدعاء لهم، بينما تأخذ النسوة مختلف أنواع الأطعمة لتوزيعها على الفقراء الذين يقصدون المقابر للحصول على أعطيات العيد من الزوّار.   

 

حمّام السوق

وهي من العادات القديمة جداً في مدن مثل دمشق وحلب، حيث يقصد الناس حمّامات الأسواق الأثرية في ليلة العيد كطقس من طقوس العيد.

واعتاد السوريون في تلك المدن الذهاب لحمّام السوق كجماعات ليس بغرض النظافة فقط، إنما هو بمثابة نزهة صغيرة يأخذون فيها أنواع الطعام والحلويات إضافة إلى تناول المشروبات الساخنة أو الباردة داخل الحمام.   

ولا تُعد غالبية تلك العادات خاصة بالمجتمع السوري، إنما هي عادات درجت في معظم البلاد العربية ولا يزال الناس يطبّقونها وكأنها جزء ديني من العيد لا يجوز المساس به أو تركه، وهو ما لا ينطبق اليوم لدى الشريحة الأكبر من السوريين.

"فرحة العيد الكُبرى في اجتماع الإخوة ببيت الجدّ هم وأطفالهم ونساؤهم.. اليوم نحن مُشتّتون.. كل عائلة في بقعة جغرافية"، تتحسّر السورية أروى زعفراني، وهي تستعيد ذكريات العيد في مدينة حلب وتتحدث عن أجوائه البهيجة.

وتقول زعفراني (42 عاماً) لموقع "ارفع صوتك" إن إخوتها تفرّقوا في عدة مناطق بين تركيا وأوروبا أو في داخل سوريا ولم يعد بالإمكان تحقيق ذاك الاجتماع في بيت الجد، وتضيف: "لولا مواقع التواصل لما علمنا شيئاً عن أقرب الناس إلينا. لقد تحولت طقوس اجتماعات العيد إلى رسائل إلكترونية أو محادثة فيديو عابرة".

وتؤثّر الأوضاع المعيشية بشكل كبير في تراجع أو غياب طقوس العيد التي تتطلّب إنفاقاً استثنائياً، سواء أكان في تحضير حلويات العيد أو منح العيديات للأطفال أو الخروج إلى المطاعم والمُتنزّهات.

"مصاريف شهر رمضان استنزفت مواردنا وليس بالإمكان أن نؤمن لأطفالنا فرحة العيد"، يقول عامر فرج، وهو من سكان العاصمة دمشق التي شهدت تقريباً أكبر نسبة ارتفاع في الأسعار بين المحافظات السورية.

ويوضح فرج ( 42 عاماً) وهو أب لثلاثة أطفال، إنه لم يستطع شراء ألبسة جديدة لأطفاله في ظل ارتفاع أسعار الألبسة بشكل جنوني في الأسواق مع دخول العشر الأواخر من رمضان وبدء موسم العيد.

ويشير إلى أن تكلفة كسوة أطفاله بثياب العيد تصل إلى مليون ونصف مليون ليرة سورية، بينما لا يبلغ راتبه الشهري كمدرّس أكثر من 450 ألفاً.

وقال تجار لصحيفة "الوطن" المحلية المقربة من حكومة النظام السوري إن أجور الشحن ساهمت بشكل رئيس في رفع أسعار الملابس ضعفاً كاملاً هذا العام بدعم من ارتفاع أسعار المازوت الحر، فأصبحت سيارات النقل تعمل بشروط صارمة وبدفعات مسبقة.

 وتبدو حلويات العيد كذلك من الطقوس التي غابت بشكل شبه كلّي واقتصرت على طبقة الأثرياء فقط، في ظل ارتفاع أسعار الحلويات الجاهزة وأسعار مكوناتها في حال اختيار صنعها منزلياً. 

ونقل موقع "بيزنس 2 بيزنس" الاقتصادي المحلّي عن رئيس الجمعية الحرفية لصناعة الحلويات والبوظة والمرطبات بسام قلعجي، أن أسعار الحلويات في سوريا تفوق قدرة المواطن الشرائية.

وبيّن قلعجي أن كيلو الحلويات الناشفة مثل "البرازق-الغريبة-العجوة"، وصل 60 ألف ل.س، وسعر كيلو الحلويات الإكسترا يتراوح بين 450-500 ألف ل.س، نظراً لارتفاع أسعار المواد الداخلة في صناعتها كالفستق الحلبي الذي بلغ سعر الكيلو منه 450 ألف ل.س، وكيلو السمن الحيواني الذي وصل لـ 200 ألف ل.س، وكلها تسببت بارتفاع جنوني للأسعار وركود كبير بالأسواق.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".