بدأت المعارضة السورية العمل المسلحة ضد النظام مطلع العام 2012.

واجهت المعارضة السورية، منذ انتقالها للعمل المسلّح بدايات 2012، إشكالية التشرذم وغياب التنسيق، وسادت الحالة الفصائلية والمناطقية المشهد العام رغم تحقيق تلك المعارضة إنجازات ميدانية أدّت إلى خروج أكثر من 70 بالمئة من الأراضي عن قبضة النظام.

وعُرفت الكتائب والفصائل التي حملت السلاح بوجه النظام بدايةً باسم "الجيش السوري الحر"، كنواة جامعة لمقاتلي المعارضة.

لكن، على أرض الواقع كان كل فصيل يقاتل في منطقته ويتلقى دعماً مستقلاً ويتخذ القرارات بعيداً عن وجود مركزية واضحة.

ومع تغوّل الفصائل الراديكالية التي مثلتها في البداية "جبهة النصرة" ثم تنظيم داعش، غابت معظم الفصائل الصغيرة التي ظهرت بين عامي 2012 و2013، ثم تآكل قسم كبير من التشكيلات المقاتلة رغم محاولات داخلية وخارجية ومطالب شعبية كبيرة بتوحيد تلك التشكيلات تحت مظلة قيادة واحدة وتنسيق مشترك.

ظهر أول عمل حقيقي لتوحيد مجموعات من "الجيش السوري الحر" في هيكل واحد في العام 2017. هذه المرة برعاية تركية كاملة أدّت إلى ولادة ما يُعرف حالياً باسم "الجيش الوطني السوري" الذي اندمج لاحقاً بالكتلة القتالية المعتدلة الأكبر في شمال غرب سوريا، المعروفة باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، وذلك في العام 2019.

ويُعد "الجيش الوطني السوري" هو التشكيل العسكري المحلي الذي يسيطر على مناطق واسعة في شمال وشمال غرب سوريا بدعم تركي، وتمتد مناطق نفوذه من مدينة رأس العين شمال محافظة الحسكة شرقاً، إلى مدينة عفرين غرباً، مروراً بمدن وقرى في ريف الرقة وريفي حلب الشرقي والشمالي.

ويقوم الجيش الوطني على ثلاثة فيالق رئيسية يضم كل منها عدداً من الفصائل بحسب التوزع الجغرافي وخريطة مناطق النفوذ.

-الفيلق الأول: يضم عدة فصائلها أبرزها: أحرار الشرقية، فيلق الشام، فرقة السلطان سليمان شاه (العمشات)، التي انضمت لاحقاً للفيلق الثاني.

-الفيلق الثاني: ويضم فصائل: فرقة المعتصم، فيلق الرحمن، جيش الإسلام، فرقة السلطان مراد، فرقة الحمزة، ولواء صقور الشمال.

الفيلق الثالث: أبرز فصائله: الجبهة الشامية، وصقور الشام.

مشهد معقد بالشمال السوري
"أرتال شرقية وغربية" تعقّد جبهات الشمال السوري.. من يتحرك أولا؟
يشهد الشمال السوري من شرقه إلى غربه "أجواء حرب واستنفار" في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار لمخرجات القمة الثلاثية التي ستشهدها العاصمة طهران، يوم الثلاثاء، حيث سيلتقي قادة تركيا وإيران وروسيا "وجها لوجه" رجب طيب إردوغان وإبراهيم رئيسي وفلاديمير بوتين.

اللافت أنه رغم تبعية جميع فصائل "الجيش الوطني" لوزارة دفاع تتبع "للحكومة السورية المؤقتة" التابعة بدورها للائتلاف الوطني السوري، إلا أنه منذ تأسيس الجيش قبل 7 سنوات، شهد هذا التقسيم ولادة ونهاية عدة تحالفات بين تلك الفصائل بعيداً عن أوامر "وزارة الدفاع"، وسط تنافس مستمر بينها أدّى إلى نشوب عدة معارك بينيّة أو داخلية، وغالباً ما تكون أسباب النزاع متعلقة بالسيطرة على الموارد المالية ومناطق النفوذ.

وفيما يلي استعراض سريع لأبرز الفصائل العاملة في مناطق النفوذ التركي شمال سوريا:

تجمُّع أحرار الشرقية:

تجمّع مسلّح تأسّس في يناير 2016 في ريف حلب الشمالي. ويتألف من عدة كتائب وألوية كانت تقاتل النظام السوري في شرق البلاد وتحديداً في محافظة دير الزور، قبل أن يسيطر تنظيم داعش على المحافظة صيف 2014.

يترأّس الفصيل أحمد فياض الهايس، المعروف بـ "أبو حاتم شقرا"، وشارك في عملية "درع الفرات" في يونيو 2016 ضد تنظيم داعش في ريفي حلب الشرقي والشمالي، ثم في عملية "غصن الزيتون" ضد الوحدات الكردية في مدينة عفرين، وأخيراً في عملية "نبع السلام" في ريفي الحسكة والرقة الشماليين.

فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على الفصيل وقائده في يوليو 2021، بتهمة القتل غير القانوني للسياسية الكردية "هفرين خلف" أواخر العام 2019.

 

فرقة المعتصم:

تأسس بدايةً كـ"لواء" حمل اسم "المعتصم بالله" في مدينة مارع شمال حلب، صيف العام 2015، بقيادة محمد حسن خليل، الذي كان يقود مجموعة مقاتلة في ريف اللاذقية الشمالي قبل أن ينشب خلاف بينه وبين "جبهة النصرة" التي أجبرته على المغادرة إلى ريف حلب.

وفي صيف 2016 شارك مع القوات التركية في عملية "درع الفرات" التي كان من نتائجها طرد داعش من ريفي حلب الشرقي والشمالي.

تحوّلت فرقة المعتصم من "لواء" إلى "فرقة" في العام 2019 بعد ازدياد رقعة انتشارها وعدد مقاتليها الذي يفوق الآن 2000 مقاتل.

يترأس الفرقة اليوم المعتصم عباس الذي تعرّض في أبريل الحالي لما وصف بـ "محاولة انقلابية" من بعض القادة في المجلس العسكري للفرقة بسبب "قضايا فساد مالي"، قبل أن يُعلَن القبض على قادة الانقلاب في وقت لاحق.

 

فرقة السلطان سليمان شاه

تعرف أيضاً باسم "العمشات" نسبة إلى لقب قائدها، محمد حسين الجاسم، المعروفة بـ "أبو عمشة"، وتُعد من أكثر فصائل الجيش الوطني إثارة للجدل بسبب ما تواجهه من اتهامات بحدوث انتهاكات في منطقة "عفرين" ذات الغالبية الكردية في ريف حلب الشمالي.

برز اسم الفرقة في عملية "غصن الزيتون" التي شنها الجيش التركي و"الجيش الوطني السوري" للسيطرة على عفرين. ومنذ ذلك الوقت يواجه "أبو عمشة" وإخوته وأقاربه اتهامات كثيرة بارتكاب انتهاكات ضد سكان المنطقة مع قضايا فساد مالي، وارتبط اسم الفرقة بمشاركة واسعة في القتال لحساب تركيا في كل من ليبيا وأذربيجان. 

وفي يناير 2022 قرّرت لجنة من وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة عزل "أبو عمشة" من منصبه بسبب مجمل الانتهاكات المنسوبة إليه، غير أن القرار بقي "حبراً على ورق"، حيث لا يزال "الجاسم" يمارس مهامه كقائد للفرقة إلى اليوم، وفي أغسطس 2023 فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات ضد فرقة العمشات وقائدها لتورطه في "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في منطقة عفرين".

 

فرقة الحمزة:

تعرف أيضاً باسم "الحمزات"، وتأسست في أبريل 2016، كتجمع لاندماج خمسة فصائل من المعارضة السورية المسلحة في بلدة مارع شمال محافظة حلب، لقتال تنظيم داعش.

تشارك في مجمل العمليات العسكرية ضد داعش وقوات سوريا الديمقراطية في الشمال السوري، ويترأسها الملازم، سيف أبو بكر، المعروف باسم "سيف بولاد".

خضعت الفرقة، مع "فرقة سليمان شاه"،  هي الأخرى للعقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية في أغسطس 2023، على خلفية الانتهاكات في منطقة عفرين.

 

  الجبهة الشامية

هي تجمّع انبثق عام 2015 لعدة فصائل مسلحة عاملة في الشمال السوري أبرزها "كتائب نور الدين الزنكي، الجبهة الإسلامية، جبهة الأصالة والتنمية، حركة حزم". وتعد حالياً من المكونات العسكرية ذات الثقل الكبير في مناطق النفوذ التركي بحكم الأعداد الكبيرة لمقاتليها، ويتركز ثقلها في مدينة إعزاز شمال حلب وقراها، بقيادة، عزام غريب، المعروف بلقب "أبو العز سراقب".

فرقة السلطان مراد:

تُعد من أكثر الفصائل العسكرية موالاةً لتركيا وأكثرها قرباً من أنقرة بحكم تكوينها العرقي حيث ينتمي غالبية مقاتليها للمكوّن التركماني بمن فيهم قائد الفرقة، فهيم عيسى.

تأسست الفرقة في مارس عام 2013 كتحالف يضم 13 جماعة تركمانيّة مسلّحة، وشاركت في جميع العمليات التي نفذها الجيش التركي في سوريا منذ العام 2013.

 

فيلق الرحمن:

تجمع عسكري من عدة فصائل عاملة في غوطة دمشق الشرقية، تأسست نواته في أغسطس 2012 تحت اسم "لواء البراء"، وخاض عدة معارك ضد النظام السوري في ريف دمشق قبل انسحاب مقاتليه في ربيع العام 2018 عقب توغّل قوات النظام في مدن وبلدات الغوطة والاتفاق على انسحاب فصائل المعارضة نحو الشمال السوري.

انضمّ "فيلق الرحمن" للجيش الوطني السوري منذ تشكيله وشارك في عمليتي "غصن الزيتون" في عفرين، و"نبع السلام" في ريفي الحسكة والرقة الشماليين.

 

 جيش الإسلام:

من أقوى وأكبر الفصائل المقاتلة في منطقة الغوطة الشرقية، تأسس في العام 2012 بقيادة زعيمه، زهران علوش، الذي قتل بغارة عام 2016، وانسحب من مناطق ريف دمشق نحو الشمال السوري عام 2018 عقب سيطرة النظام عليها، وانضمّ بشكل مباشر إلى صفوف الجيش الوطني، بقيادة عصام بويضاني.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".