تقول السلطات اللبنانية إن عدد السجناء السوريين يبلغ 2500 سجين.

بالتزامن مع حوادث عنف جديدة واجهت اللاجئين السوريين في لبنان طيلة شهر أبريل المنصرم، يعود ملف السجناء السوريين هناك إلى الواجهة، في ظل تقارير حول خطر ترحيلهم إلى بلادهم وتسليمهم للسلطات السوريّة.

ويَعتبر معظم المسجونين السوريين -وكثير منهم معارضون للنظام السوري- أن تسليمهم لدمشق يمثل إجراءً أخطر بكثير من أي حكم قاسٍ يواجهونه في لبنان، بما في ذلك الإعدام، خشية تعرّضهم لسيناريوهات التعذيب التي يُتّهم النظام السوري بممارستها ضد معارضية. 

صورة أرشيفية من عمليات ترحيل السلطات اللبنانية، لاجئين سوريين، عام 2022
موجة اعتداءات ودعوات لترحيل السوريين.. ماذا يحدث في لبنان؟
تشهد بعض المناطق اللبنانية حاليا ارتفاعاً في مشاعر العداء تجاه اللاجئين السوريين، وتتعالى الأصوات المطالبة بترحيلهم وإعادتهم إلى بلادهم، أو بتنظيم أوضاعهم في لبنان، على أثر جرائم قتل ارتُكبت مؤخرا وتبيّن ضلوع سوريين فيها.

هذا الخوف دفع أربعة سجناء في مارس الماضي، إلى تعليق حبال في أعناقهم تمهيداً لشنق أنفسهم داخل زنزاناتهم في سجن رومية، ما أجبر القوات الأمنية على التدخل لمنع عملية الانتحار الجماعي، ونقلت اثنين منهم إلى المستشفى.

 

تعذيب وترحيل "قسري"

نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن "مصدر أمني مطّلع" أن السجناء الذين حاولوا شنق أنفسهم "شقيقان واثنان من أقاربهما، وهؤلاء ممن انشقّوا عن الجيش السوري بعد أشهر من بدء الانتفاضة في سوريا والتحقوا بتنظيمات مسلّحة، ويحاكمون في قضايا إرهاب بلبنان".

وكشف المصدر الأمني للصحيفة أن السجناء "حاولوا الانتحار إثر تبليغهم بأن السلطات اللبنانية سلّمت شقيق الأخوين إلى النظام السوري، في الأول من مارس".

وسلّطت حادثة محاولة الانتحار الأضواء مجدّداً على أوضاع مئات آلاف اللاجئين السوريين الذين دخلوا لبنان عن طريق التهريب، وآلاف آخرين خضعوا لأحكام قضائية بتُهم مختلفة، حيث وثقت منظمات حقوقية دولية عمليات احتجاز وتعذيب وترحيل بعض منهم.

وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير نشرته في أبريل الماضي، إنها وثقت بين يناير ومارس 2024 إقدام الجيش اللبناني والمديرية العامة للأمن العام على الإعادة القسرية بحق منشق عن الجيش السوري وناشط معارض.

وفي 21 أبريل الماضي قالت وكالة "فرانس برس" إن السلطات اللبنانية رحّلت نحو خمسين سوريّاً في حوالي أسبوعين، وأعادتهم إلى بلادهم، نقلاً عن مسؤولين أمنيين ومصدر إنساني.

 

المؤبّد أهون من الترحيل

قالت المصادر للوكالة الفرنسية إن "مديرية المخابرات في الجيش اللبناني تقوم بتسليم الموقوفين المخالفين إلى فوج الحدود البرية الذي يتولّى وضعهم خارج الحدود اللبنانية"، وأوضح مسؤول عسكري إنّ "مراكز التوقيف امتلأت"، بينما رفضت الأجهزة الأمنية الأخرى استلام الموقوفين السوريين.

ويُعد "سجن رومية" الواقع في قضاء المتن شرق بيروت من أكبر السجون اللبنانية وأسوئها صيتاً، في ظل تقارير عن "أوضاع مروّعة" يعيشها النزلاء هناك، وبينهم السوريون.

وقالت وسائل إعلام سورية مُعارِضة إن سجن رومية يضمّ قرابة 300 معتقل سوري، يقبع معظمهم في المبنى "ب" المخصّص عادةً للسجناء الإسلاميين والموقوفين بتُهم الإرهاب.

راكان جنيد -اسم مستعار لسجين سوري في سجن روميّة- توشك محكوميته أن تنتهي، يعبّر عن مخاوفه بأن يتمّ تسليمه للنظام السوري، على اعتبار أنه انشقّ عن الجيش السوري في العام 2016، وفرّ إلى لبنان بطريقة غير شرعية.

يقول راكان، الذي تم التواصل معه عبر الهاتف من السجن، لموقع "ارفع صوتك" إن الأوضاع في سجن رومية لا تختلف كثيراً عن بقية السجون في لبنان من حيث سوء المعاملة أو الخدمات المتردّية.

ويضيف: "مع كل المعاناة التي أعيشها في السجن إلا أنني أتمنى البقاء فيه إلى الأبد على أن يتم تسليمي للمخابرات السورية التي ستجعلني أتمنى الموت كل يوم ألف مرة".

ويواجه راكان الحكم بالسجن ثلاث سنوات بسبب قضية تزوير يقول إنه اتُّهم بها زوراً، فيما بقي على انتهاء محكوميته بضعة أشهر فقط.

وتقول السلطات اللبنانية إن عدد السجناء السوريين في سجون البلاد يصل إلى نحو 35% من إجمالي المسجونين بما يقارب 2500 سجين.

ويقول مدير مركز "سيدار" للدراسات القانونية، المحامي محمد صبلوح،  أن عدد السجناء المعارضين للنظام السوري في السجون اللبنانية يصل إلى 500.

ويضيف: "هؤلاء هم أكثر فئات المساجين الذين يتعرضون للترحيل إلى بلادهم"، حيث يُعرض ملف السجين بعد انتهاء حكمه إلى الأمن العام. وغالباً ما يقوم مدير الأمن العام بالتوقيع على قرار ترحيل السجين.

ويوضح أن الحملات الحقوقية المحلية وتواصل محامين مع جهات دولية أجبر السلطات اللبنانية على "إعادة النظر" في ترحيل سجناء سوريين، وتسليمهم للنظام السوري، ولا سيما المعارضون منهم، لافتاً إلى أن لبنان هو أحد الأطراف الموقّعة على "اتفاقية مناهضة التعذيب" التي تشير المادة الثالثة منها إلى أنه "لا يجوز لدولة طرد شخص أو تسليمه لدولة أخرى، إذا توافرت أسباب تدعو إلى الاعتقاد أنه سيتعرض للتعذيب".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".