بالتزامن مع حوادث عنف جديدة واجهت اللاجئين السوريين في لبنان طيلة شهر أبريل المنصرم، يعود ملف السجناء السوريين هناك إلى الواجهة، في ظل تقارير حول خطر ترحيلهم إلى بلادهم وتسليمهم للسلطات السوريّة.
ويَعتبر معظم المسجونين السوريين -وكثير منهم معارضون للنظام السوري- أن تسليمهم لدمشق يمثل إجراءً أخطر بكثير من أي حكم قاسٍ يواجهونه في لبنان، بما في ذلك الإعدام، خشية تعرّضهم لسيناريوهات التعذيب التي يُتّهم النظام السوري بممارستها ضد معارضية.
هذا الخوف دفع أربعة سجناء في مارس الماضي، إلى تعليق حبال في أعناقهم تمهيداً لشنق أنفسهم داخل زنزاناتهم في سجن رومية، ما أجبر القوات الأمنية على التدخل لمنع عملية الانتحار الجماعي، ونقلت اثنين منهم إلى المستشفى.
تعذيب وترحيل "قسري"
نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن "مصدر أمني مطّلع" أن السجناء الذين حاولوا شنق أنفسهم "شقيقان واثنان من أقاربهما، وهؤلاء ممن انشقّوا عن الجيش السوري بعد أشهر من بدء الانتفاضة في سوريا والتحقوا بتنظيمات مسلّحة، ويحاكمون في قضايا إرهاب بلبنان".
وكشف المصدر الأمني للصحيفة أن السجناء "حاولوا الانتحار إثر تبليغهم بأن السلطات اللبنانية سلّمت شقيق الأخوين إلى النظام السوري، في الأول من مارس".
وسلّطت حادثة محاولة الانتحار الأضواء مجدّداً على أوضاع مئات آلاف اللاجئين السوريين الذين دخلوا لبنان عن طريق التهريب، وآلاف آخرين خضعوا لأحكام قضائية بتُهم مختلفة، حيث وثقت منظمات حقوقية دولية عمليات احتجاز وتعذيب وترحيل بعض منهم.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير نشرته في أبريل الماضي، إنها وثقت بين يناير ومارس 2024 إقدام الجيش اللبناني والمديرية العامة للأمن العام على الإعادة القسرية بحق منشق عن الجيش السوري وناشط معارض.
وفي 21 أبريل الماضي قالت وكالة "فرانس برس" إن السلطات اللبنانية رحّلت نحو خمسين سوريّاً في حوالي أسبوعين، وأعادتهم إلى بلادهم، نقلاً عن مسؤولين أمنيين ومصدر إنساني.
المؤبّد أهون من الترحيل
قالت المصادر للوكالة الفرنسية إن "مديرية المخابرات في الجيش اللبناني تقوم بتسليم الموقوفين المخالفين إلى فوج الحدود البرية الذي يتولّى وضعهم خارج الحدود اللبنانية"، وأوضح مسؤول عسكري إنّ "مراكز التوقيف امتلأت"، بينما رفضت الأجهزة الأمنية الأخرى استلام الموقوفين السوريين.
ويُعد "سجن رومية" الواقع في قضاء المتن شرق بيروت من أكبر السجون اللبنانية وأسوئها صيتاً، في ظل تقارير عن "أوضاع مروّعة" يعيشها النزلاء هناك، وبينهم السوريون.
وقالت وسائل إعلام سورية مُعارِضة إن سجن رومية يضمّ قرابة 300 معتقل سوري، يقبع معظمهم في المبنى "ب" المخصّص عادةً للسجناء الإسلاميين والموقوفين بتُهم الإرهاب.
راكان جنيد -اسم مستعار لسجين سوري في سجن روميّة- توشك محكوميته أن تنتهي، يعبّر عن مخاوفه بأن يتمّ تسليمه للنظام السوري، على اعتبار أنه انشقّ عن الجيش السوري في العام 2016، وفرّ إلى لبنان بطريقة غير شرعية.
يقول راكان، الذي تم التواصل معه عبر الهاتف من السجن، لموقع "ارفع صوتك" إن الأوضاع في سجن رومية لا تختلف كثيراً عن بقية السجون في لبنان من حيث سوء المعاملة أو الخدمات المتردّية.
ويضيف: "مع كل المعاناة التي أعيشها في السجن إلا أنني أتمنى البقاء فيه إلى الأبد على أن يتم تسليمي للمخابرات السورية التي ستجعلني أتمنى الموت كل يوم ألف مرة".
ويواجه راكان الحكم بالسجن ثلاث سنوات بسبب قضية تزوير يقول إنه اتُّهم بها زوراً، فيما بقي على انتهاء محكوميته بضعة أشهر فقط.
وتقول السلطات اللبنانية إن عدد السجناء السوريين في سجون البلاد يصل إلى نحو 35% من إجمالي المسجونين بما يقارب 2500 سجين.
ويقول مدير مركز "سيدار" للدراسات القانونية، المحامي محمد صبلوح، أن عدد السجناء المعارضين للنظام السوري في السجون اللبنانية يصل إلى 500.
ويضيف: "هؤلاء هم أكثر فئات المساجين الذين يتعرضون للترحيل إلى بلادهم"، حيث يُعرض ملف السجين بعد انتهاء حكمه إلى الأمن العام. وغالباً ما يقوم مدير الأمن العام بالتوقيع على قرار ترحيل السجين.
ويوضح أن الحملات الحقوقية المحلية وتواصل محامين مع جهات دولية أجبر السلطات اللبنانية على "إعادة النظر" في ترحيل سجناء سوريين، وتسليمهم للنظام السوري، ولا سيما المعارضون منهم، لافتاً إلى أن لبنان هو أحد الأطراف الموقّعة على "اتفاقية مناهضة التعذيب" التي تشير المادة الثالثة منها إلى أنه "لا يجوز لدولة طرد شخص أو تسليمه لدولة أخرى، إذا توافرت أسباب تدعو إلى الاعتقاد أنه سيتعرض للتعذيب".