صورة تعبيرية لنبات الزعفران
صورة تعبيرية لنبات الزعفران

زهرة الملوك أو النبتة النبيلة أو الزهرة الحمراء، أسماء متعددة تطلق على نبات الزعفران الذي يلقى رواجا كبيرا بين مزارعي سوريا، خاصة بعد نجاح تجربة زراعته في العديد من المدن والمحافظات خلال السنوات القليلة الماضية.

وانتقل العديد من المزارعين في سوريا من الزراعة التقليدية إلى زراعة الزعفران بسبب مردوده الاقتصادي المرتفع.

يقول المزارع محمد البحري (48 عاماً)، من بلدة مسكنة في محافظة حمص، إن زراعة الزعفران "كانت أفضل فكرة أتت بباله منذ ثلاث سنوات، بعد أن حصل على بعض البصيلات  على سبيل التجربة، وقام بزراعتها في قسم صغير من أرضه".

يروي لـ"ارفع صوتك" : "نجحت التجربة بشكل كبير نظرا لطبيعة التربة والبيئة المناسبة، فقمت بالتوسع. وتوقفت عن زراعة أي محصول آخر كي أتفرغ كليا لزراعة الزعفران، خصوصا أنها غير متعبة ولا تحتاج لمساحات كبيرة، كما أن أرباحها ممتازة وبإمكان المزارع استرداد استثماره وتكاليف إنتاجه أضعافا مضاعفة خلال فترة قصيرة، لهذا يطلق على هذه النبتة اسم الذهب الأحمر أو نبات السعادة".

المزارع حمود الحراكي، (60 عاما) من مدينة درعا، بدأ هو الآخر زراعة الزعفران في حديقة منزله على سبيل التجربة منذ عامين.

ولأن نسبة الإنبات كانت كبيرة، فقد زرع حمود ٥٠٠ متر مربع في العام التالي، وهذا العام سيزرع كامل أرضه زعفران.

يقول لـ"ارفع صوتك": "هناك فلاحون كُثُر تخلّوا عن الزراعات التقليدية وانتقلوا لزراعة الزعفران، فهو مربح ولا يحتاج مساحات واسعة، كما أن أغلب أنواع التربة في سوريا مناسبة لزراعته، ونسبة فشل هذه المشاريع تكاد تكون معدومة، كما أن الطلب عليه مرتفع جدا فلا يخاف المزارع من تصريف إنتاجه أو من المنافسة".

ويلفت الحراكي إلى أن وزارة الزراعة التابعة لحكومة النظام السوري "تشجع زرع الزعفران وتنظم ندوات وورشات عمل للمزارعين، كما تساعدهم في بيع الكورمات (الأبصال) إلى مزارعين آخرين يرغبون بزراعتها".

ومن بلدة عرمان في الريف الجنوبي لمحافظة السويداء، نلتقي المزارعة رجاء الشمعة (40 عاما)، تقول إنها اشترت منذ عامين نصف كيلو من الأبصال  بـ200 ألف ليرة سورية، وزرعتها على مساحة بسيطة أمام منزلها، وفي العام التالي حصلت على المزيد من البصيلات وزرعتها في مساحة أكبر قليلا، وأنتجت لاحقا 200 غرام من المياسم بعد قطفها وتجفيفها، وباعتها بـ7 ملايين ليرة سورية.

وتعتقد أنه "مبلغ جيد جدا ومشروع مربح لا يحتاج إلى جهد كبير ومتابعة، مثل باقي المحاصيل التقليدية التي تزرع في السويداء، التي لم  تعد مجدية اقتصادياً للمزارع، ولا تغطي تكاليف زراعتها".

ويتراوح سعر كيلو الزعفران بين 3500- 10 آلاف دولار أميركي، كما تقول الشمعة.

 

مهارة وعناية بسيطة

تحتاج زراعة الزعفران إلى القليل من المهارة والتدريب والمعلومات حتى يحترفها المزارع، فهي من الزراعات الحديثة في سوريا. يقول المزارع أيهم الحمود من درعا، إنه يقوم بفلح الأرض الصغيرة ثم يحفر حفرا بعمق عشرة سنتيمترات ويضع البصيلة فيها، ويترك مسافة 10 سنتيمترات بين البصيلة والأخرى، لهذا هي لا تحتاج لمساحات كبيرة، فالكثافة المناسبة لزراعة بصيلات الزعفران هي بين 50 إلى 70 بصيلة في المتر المربع الواحد من الأرض.

ومن ميزاتها أيضا أنها "لا تحتاج إلى الكثير من المياه، حيث يقوم بريها مرة أسبوعيا، دون إفراط، لأن الري الزائد يؤدي إلى إصابة النبتة بالأمراض الفطرية" بحسب الحمود.

بالنسبة لقطاف الزعفران، يقول الحمود لـ"ارفع صوتك" إنها المرحلة الأدق وتحتاج لقليل من الصبر، إذ يتم قطف أزهار الزعفران باليد في الصباح الباكر قبل شروق الشمس لضمان تفتح كامل للأزهار وبروز شعيرات الزعفران، وبعد قطفها يجب تجفيفها لمدة 12 ساعة تقريبا.

وللحصول على غرام واحد من الزعفران الجاف يجب قطف 150 زهرة تقريباً، أي أن الكيلو الواحد يحتاج لقطف 15 ألف زهرة .

 

زراعة واعدة

يُعتبر الزعفران من أغلى التوابل في العالم، ويبلغ ثمن كيلو الغرام الواحد ما بين 3500 إلى 10000 دولار ويصل أحيانا إلى 20 ألفا، لما له من قيمة اقتصادية. فهو يستعمل في طب الأعشاب والغذاء وصناعة العطور ومواد التجميل، كما يزيد من إنتاج مادة السيروتونين أو ما يعرف بهرمون السعادة.

من أفضل الأماكن التي يمكن زراعته فيه هي الأراضي المرتفعة عن سطح البحر بين 600 إلى 1400 متر كما يمكن زراعته في أماكن أخرى أقل ارتفاعا.

من ميزاته أنه لا يحتاج لسماد معدني، بل يكفي إضافة سماد عضوي، كما لا يحتاج لأراض زراعية كبيرة، واحتياجاته المائية قليلة، وأغلب أنواع التربة في سوريا مناسبة لزراعته.

يقول المهندس الزراعي مصطفى السلوم، إن زراعة الزعفران في سورية ناجحة وواعدة جدا، ومن عوامل نجاحها أن الظروف البيئية مناسبة لهذه الزراعة، كما يجري فحص الأبصال قبل الزرع واستبعاد المصابة منها، وهذا ينعكس إيجابا على الإنتاج ويعود بالربح الجيد على المزارع نظرا لارتفاع سعر الزعفران، ما يؤثر إيجابا على دعم القطاع الزراعي عموما والمزارع خصوصا.

ويبين لـ"ارفع صوتك" أنه ورغم النجاح إلا أن هناك بعض المعوقات التي تقف في وجه تطوير هذه الزراعة، وأهمها الكلفة العالية للدونم الواحد من البصل، معتبرا أن سعرها مرتفع مقارنة بالقدرة المالية للمزارع، بالإضافة إلى وجود بصيلات في السوق تفتقد للجودة، كما أن استهلاك الزعفران في السوق المحلي قليل في سوريا مقارنة بباقي المحاصيل لارتفاع سعره.

بحسب موقع "أثر برس" الإخباري الموالي للنظام، أفاد مستشار الغرف الزراعية السورية عبد المسيح دعيج، أن زراعة الزعفران تطورت في سوريا وهي مشاريع تنموية صغيرة تسهم في تحقيق دخل ممتاز.

وأكد أن ما يميز زراعة الزعفران إمكانية استثمار الحدائق المنزلية للحصول على أعلى مردود، لافتا إلى أن أرضا صغيرة بمساحة 500 متر مربع، تعطي نصف كيلوغرام من المياسم في السنة الثالثة، علما بأن سعر غرام المياسم حوالي 35 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل دولارين ونصف تقريبا.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".