يُعدّ مرض "اللشمانيا" أحد أبرز انعكاسات الحرب في سوريا على صحّة المدنيين، وسط توفّر جميع الظروف الملائمة لانتشاره بشكل سريع بين السكّان.
وهو أحد الأمراض الجلدية المُعدية سريعة الانتشار، ينتقل بواسطة حشرات الفواصد، وبشكل رئيسي عن طريق لسعات إناث "ذبابة الرمل" المُصابة.
يتسبّب المرض في ظهور قُرَح على هيئة عُقيدات أو لُويحات قد تدوم شهوراً طويلة، وتترك ندوباً في الوجه وبقية الجسم من الصعب التخلص منها عن طريق الأدوية التقليدية.
وتمثّل المخيمات والتجمعات السكانية العشوائية والأرياف، بيئة خصبة لانتشار المرض المعروف محلياً كذلك باسم "حبّة حلب"، بسبب كثرة المستنقعات وغياب التصريف الصحي وبرك المياه الآسنة، إضافة لانتشار القمامة وقلة الوعي والتعليمات الصحية.

انتشار واسع
رغم أن مناطق شمال غرب سوريا سجّلت خلال الأعوام الخمسة الماضية النسبة الأكبر من الإصابات باللشمانيا، إلا أن المرض لم يستثنِ أيّ بقعة سورية، سواء شرق البلاد أو الخاضعة لسيطرة النظام السوري.
طبيب الجلدية سليمان العيسى هو أحد الكوادر الصحية التي شاركت في حملة لمكافحة اللشمانيا وأمراض جلدية أخرى في مخيمات ريفي إدلب الغربي والشمالي، قبل نحو عام. يقول لـ"ارفع صوتك" إن نقص المبيدات الحشرية التي يجب رشّها بشكل دائم في التجمعات البشرية الريفية أو في بيئة المخيمات، تجعل من الصعب التحكم بانتشار الأمراض الجلدية المُعدية وكثرة الإصابة باللشمانيا والجرب وغيرها من الأمراض الأكثر خطورة.
ويبيّن أن علاج اللشمانيا يحتاج عدة لقاحات، كما يستغرق الشفاء منه نحو 9 أشهر، مستدركاً "غير أن مرحلة ما بعد الشفاء تحمل تحدّيات نفسية كبيرة للمريض، لا سيما إن كان طفلاً، وذلك بسبب الندوب التي يتركها المرض في الوجه والكفّين، ويكون الأمر أكثر حساسية لدى الفتيات اللواتي يُجبَرن على تغطية وجوههن فترات طويلة خشية النظرة السلبية تجاههن".
آثار نفسية
باعتبار أن أكثر المصابين بمرض اللشمانيا هم الأطفال، يبدو الأثر النفسي للتقرّحات الناتجة عن الإصابة أكبر من الأثر الجسدي، لذلك هناك حاجة لتقديم الدعم النفسي برفقة حملات التلقيح والعلاج، كما يقول مضر العاني، وهو أحد سكان ريف دير الزور الغربي الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
ويشير لـ"ارفع صوتك" أن ابنته رقية (9 سنوات) أصيبت باللشمانيا قبل عامين، لكن ورغم شفائها، إلا أن الندوب والتقرحات لا تزال في وجهها.
لهذا السبب، ترفض رقية الذهاب للمدرسة خشية التعرّض للتنمر. يبيّن مضر "أصبحت أكثر انطوائيّةً وعزلةً حتى أمام إخوتها والأقارب".
لعلاج تلك الندوب، لا يوّفر مضر أي فرصة للحصول على أعشاب والاستعانة بالطب الشعبي وسط نقص الأدوية اللازمة.
ونقل موقع محلي تصريحاً لرئيس مركز مكافحة الليشمانيا في مديرية صحة حماة التابعة للنظام، الدكتور باسل الإبراهيم، أن شهر مارس الماضي سجل إصابة 1503 أشخاص، فيما بلغ مجمل الإصابات بالليشمانيا بمحافظة حماة وحدها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري نحو 4500 إصابة.
وأضاف أن الأرقام الرسمية المصرّح عنها حول عدد الإصابات بالليشمانيا منذ مطلع 2024 وحتى الآن تعتبر كبيرة، عدا عن وجود حالات أخرى لكنها غير مسجّلة لدى المراكز التابعة لوزارة صحة النظام، فبعضها يتوجه لعيادات خاصة، وآخر يستعين بالوصفات الشعبية للعلاج لعدم قدرته على تحمّل تكاليف الطبابة.
تقصير في المكافحة
تتعدد أوجه المرض، فمنه اللشمانيا الجافة أو المدارية التي تنتقل من إنسان مصاب إلى سليم عن طريق الاحتكاك، واللشمانيا الرطبة التي تنتقل عبر الإنسان والقوارض، أما النوع الأكثر خطورة فهو اللشمانيا الحشوية، بحسب الدكتور أحمد متعب، رئيس قسم الجلدية بمركز "إدلب الخضراء" الصحّي.
يوضح الطبيب السوري لـ"ارفع صوتك" أن خطورة "الحشوية" تكمن في أن تأثيرها يتجاوز الجلد ليصل إلى الكبد والطحال ونِقي العظم، وحينها تصبح قاتلة مع عدم تَدراك الوضع الصحي للمُصاب.
ويشير متعب إلى أن منطقة حوض العاصي وسط وشمال سوريا هي الموطن الأبرز للشمانيا الحشوية، بينما النوع الأكثر انتشاراً هو المرتبط بالتقرحات الجلدية.
يتابع: "الأعداد كبيرة جداً وتزداد عاماً بعد عام لا سيما بين الأطفال. وأستبعد أي أمل بالقضاء على اللشمانيا مع إهمال مكافحة العامل الناقل المتمثل بأنثى ذبابة الرمل، والتقصير في مواجهتها بالمبيدات الحشرية، إضافة لحملات ردم المستنقعات وتجفيف مصادر المياه الآسنة".
وفي تقرير سابق، قالت منظمة الصحة العالمية إنها تولي أهمية خاصة لمكافحة داء الليشمانيا. وقالت ممثلتها في سوريت الدكتورة إيمان الشنقيطي، إن المنظمة "بحاجة إلى توسيع نطاق جهودنا المشتركة مع الدول الأعضاء والجهات المانحة والشركاء التنفيذيين وخبراء الأمراض وجميع أصحاب المصلحة الآخرين لمواءمة إستراتيجياتنا وخططنا الرامية إلى الوقاية من العدوى، والتخفيف من معاناة الأشخاص المصابين".