أحد الأطفال المصابين بمرض الليشمانيا بعد تلقيه العلاج في شمال سوريا- أرشيف 2019
أحد الأطفال المصابين بمرض الليشمانيا بعد تلقيه العلاج في شمال سوريا- أرشيف 2019

يُعدّ مرض "اللشمانيا" أحد أبرز انعكاسات الحرب في سوريا على صحّة المدنيين، وسط توفّر جميع الظروف الملائمة لانتشاره بشكل سريع بين السكّان.

وهو أحد الأمراض الجلدية المُعدية سريعة الانتشار، ينتقل بواسطة حشرات الفواصد، وبشكل رئيسي عن طريق لسعات إناث "ذبابة الرمل" المُصابة.

يتسبّب المرض في ظهور قُرَح على هيئة عُقيدات أو لُويحات قد تدوم شهوراً طويلة، وتترك ندوباً في الوجه وبقية الجسم من الصعب التخلص منها عن طريق الأدوية التقليدية.

وتمثّل المخيمات والتجمعات السكانية العشوائية والأرياف، بيئة خصبة لانتشار المرض المعروف محلياً كذلك باسم "حبّة حلب"، بسبب كثرة المستنقعات وغياب التصريف الصحي وبرك المياه الآسنة، إضافة لانتشار القمامة وقلة الوعي والتعليمات الصحية.

 

انتشار واسع

رغم أن مناطق شمال غرب سوريا سجّلت خلال الأعوام الخمسة الماضية النسبة الأكبر من الإصابات باللشمانيا، إلا أن المرض لم يستثنِ أيّ بقعة سورية، سواء شرق البلاد أو الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

طبيب الجلدية سليمان العيسى هو أحد الكوادر الصحية التي شاركت في حملة لمكافحة اللشمانيا وأمراض جلدية أخرى في مخيمات ريفي إدلب الغربي والشمالي، قبل نحو عام. يقول لـ"ارفع صوتك" إن نقص المبيدات الحشرية التي يجب رشّها بشكل دائم في التجمعات البشرية الريفية أو في بيئة المخيمات، تجعل من الصعب التحكم بانتشار الأمراض الجلدية المُعدية وكثرة الإصابة باللشمانيا والجرب وغيرها من الأمراض الأكثر خطورة.

ويبيّن أن علاج اللشمانيا يحتاج عدة لقاحات، كما يستغرق الشفاء منه نحو 9 أشهر، مستدركاً "غير أن مرحلة ما بعد الشفاء تحمل تحدّيات نفسية كبيرة للمريض، لا سيما إن كان طفلاً، وذلك بسبب الندوب التي يتركها المرض في الوجه والكفّين، ويكون الأمر أكثر حساسية لدى الفتيات اللواتي يُجبَرن على تغطية وجوههن فترات طويلة خشية النظرة السلبية تجاههن".

 

آثار نفسية 

باعتبار أن أكثر المصابين بمرض اللشمانيا هم الأطفال، يبدو الأثر النفسي للتقرّحات الناتجة عن الإصابة أكبر من الأثر الجسدي، لذلك هناك حاجة لتقديم الدعم النفسي برفقة حملات التلقيح والعلاج، كما يقول مضر العاني، وهو أحد سكان ريف دير الزور الغربي الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

ويشير لـ"ارفع صوتك" أن ابنته رقية (9 سنوات) أصيبت باللشمانيا قبل عامين، لكن ورغم شفائها، إلا أن الندوب والتقرحات لا تزال في وجهها.

لهذا السبب، ترفض رقية الذهاب للمدرسة خشية التعرّض للتنمر. يبيّن مضر "أصبحت أكثر انطوائيّةً وعزلةً حتى أمام إخوتها والأقارب".

لعلاج تلك الندوب، لا يوّفر مضر أي فرصة للحصول على أعشاب والاستعانة بالطب الشعبي وسط نقص الأدوية اللازمة.

ونقل موقع محلي تصريحاً لرئيس مركز مكافحة الليشمانيا في مديرية صحة حماة التابعة للنظام، الدكتور باسل الإبراهيم، أن شهر مارس الماضي سجل إصابة 1503 أشخاص، فيما بلغ مجمل الإصابات بالليشمانيا بمحافظة حماة وحدها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري نحو 4500 إصابة.

وأضاف أن الأرقام الرسمية المصرّح عنها حول عدد الإصابات بالليشمانيا منذ مطلع 2024 وحتى الآن تعتبر كبيرة، عدا عن وجود حالات أخرى لكنها غير مسجّلة لدى المراكز التابعة لوزارة صحة النظام، فبعضها يتوجه لعيادات خاصة، وآخر يستعين بالوصفات الشعبية للعلاج لعدم قدرته على تحمّل تكاليف الطبابة.

 

تقصير في المكافحة

تتعدد أوجه المرض، فمنه اللشمانيا الجافة أو المدارية التي تنتقل من إنسان مصاب إلى سليم عن طريق الاحتكاك، واللشمانيا الرطبة التي تنتقل عبر الإنسان والقوارض، أما النوع الأكثر خطورة فهو اللشمانيا الحشوية، بحسب الدكتور أحمد متعب، رئيس قسم الجلدية بمركز "إدلب الخضراء" الصحّي.

يوضح الطبيب السوري لـ"ارفع صوتك" أن خطورة "الحشوية" تكمن في أن تأثيرها يتجاوز الجلد ليصل إلى الكبد والطحال ونِقي العظم، وحينها تصبح قاتلة مع عدم تَدراك الوضع الصحي للمُصاب.

ويشير متعب إلى أن منطقة حوض العاصي وسط وشمال سوريا هي الموطن الأبرز للشمانيا الحشوية، بينما النوع الأكثر انتشاراً  هو المرتبط بالتقرحات الجلدية.

يتابع: "الأعداد كبيرة جداً وتزداد عاماً بعد عام لا سيما بين الأطفال. وأستبعد أي أمل بالقضاء على اللشمانيا مع إهمال مكافحة العامل الناقل المتمثل بأنثى ذبابة الرمل، والتقصير في مواجهتها بالمبيدات الحشرية، إضافة لحملات ردم المستنقعات وتجفيف مصادر المياه الآسنة".

وفي تقرير سابق، قالت منظمة الصحة العالمية إنها تولي أهمية خاصة لمكافحة داء الليشمانيا. وقالت ممثلتها في سوريت الدكتورة إيمان الشنقيطي، إن المنظمة "بحاجة إلى توسيع نطاق جهودنا المشتركة مع الدول الأعضاء والجهات المانحة والشركاء التنفيذيين وخبراء الأمراض وجميع أصحاب المصلحة الآخرين لمواءمة إستراتيجياتنا وخططنا الرامية إلى الوقاية من العدوى، والتخفيف من معاناة الأشخاص المصابين".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".