ممرضة سورية في إحدى مستشفيات دمشق (قسم مرضى السرطان)- أرشيف رويترز 2017
ممرضة سورية في إحدى مستشفيات دمشق (قسم مرضى السرطان)- أرشيف رويترز 2017

على وقع انهيار المنظومة الصحّية في سوريا بتأثير امتداد الحرب إلى أكثر من ثلاثة عشر عاماً، يصبح الوقوع تحت تأثير الأمراض المُزمنة والخطيرة تحدّياً حقيقياً بالنسبة للمرضى وذويهم، وتهديداً بفقدان الحياة لأسباب يمكن تخطّيها في دول أخرى.

ولا يوجد في عموم سوريا سوى مشفى وحيد تابع لحكومة النظام، متخصّص بعلاج السرطان وتقديم الأدوية "بأسعار رمزية"، أنشئ عام 2006، هو مشفى "البيروني" في العاصمة دمشق، ما جعله منذ فترة ما قبل الحرب مقصداً لعشرات آلاف المرضى من كافة المحافظات.

وبعد الحرب ازداد الضغط بشكل أكبر على المشفى الذي يقصدها سنوياً نحو 10 آلاف مريض، يُضطر كثير منهم للانتظار شهوراً طويلة للحصول على دَور في ظل كثافة الأعداد، ما يضع أصحاب الحالات العاجلة أمام خيارين، العلاج بنفقة شخصية، أو الاستسلام لتفاقم المرض والموت.

في تصريح لصحيفة "الوطن" المحلية في فبراير الماضي، أوضح مدير مشفى البيروني محمد قادري أن عدد حالات السرطان الجديدة في المشفى تتراوح بين 800 إلى 1000 حالة شهرياً، وأن أمراض سرطان الثدي والرئة تأتي في المرتبة الأولى كأكثر الأعداد من إجمالي الإصابات ثم أورام الجهاز الهضمي في المرتبة الثانية، مشيراً إلى أن عدد الإصابات الجديدة بالسرطان تصل إلى 11 ألف إصابة خلال عام.

 

فساد ومئات الملايين

على الرغم من تصريحات حكومة النظام التي تشير إلى أن عدد الوفيات بالسرطان "بمعدّلاتها الطبيعية"، إلا سنوات الحرب أفرزت ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد الإصابات والوفيات بالسرطان، مع ارتفاع تكاليف الجرعات والأدوية إلى أرقام فلكية، وفقدان بعضها من الأسواق بشكل متكرر.

يُضاف إلى ذلك الفساد الإداري المُرتبط بتوزيع الأدوية والجرعات، حيث شهد هذا المجال عدّة قضايا تحقيق فُتحت ضد مديرين ورؤساء أقسام صحّيين استغلّوا الحاجة للعلاجات وارتفاع أسعارها فباعوها خارج الإطار الحكومي بأسعار باهظة.   

وتتجاوز تكاليف الأدوية والعلاجات مئات الملايين من الليرات، مع تبايُن التكاليف بحسب نوع المرض، دون مراعاة تكاليف المواصلات والتغذية الصحّية اللازمة للمريض.

ونشر موقع "سناك سوري" المحلي تقريراً مفصّلاً حول تكاليف علاج مرض السرطان في سوريا، من الأمثة عليها:

1-سرطان "ابيضاض الدم AML m1":

• التحاليل الدورية التي يحتاجها المصاب نحو 750 ألف ليرة سورية.

• تحليل الصبغيّات مليون و700 ألف ليرة ويُطلب لمرة واحدة.

• تحليل الخزعة مرة كل 3 أشهر 700 ألف ليرة سورية.

• تحليل "cbc   40 " ألف.

بالإضافة إلى التحاليل الدورية، يحتاج مرضى السرطان إلى بعض الأدوات والأدوية التي تختلف بكلفتها ونوعها بحسب نوع السرطان، واستعرض التقرير قائمة بهذه الأسعار:

• سعر القطرة الوريدية 2500 ليرة سورية.

• إبرة جهاز تسريب "البورت" بقيمة 175 ألفاً، والذي يلزم لحقنة إبرة مميع ثمنها 45 ألفاً.

وتضمّ وصفة الأدوية اللازمة لعلاج السرطان "إبر الالتهاب الوريدية" بـ86 ألف ليرة، التي قد يلزم استخدامها قرابة 20 مرة في حال الإصابة بـ"حمّى نقص عدلات"، بالإضافة إلى الإبر المناعيّة التي وصل سعر الواحدة منها إلى 110 آلاف ليرة، ويتمّ تحديد عددها أيضاً حسب الوضع الصحّي للمريض.

ويبلع ثمن علبة الحبوب لتناولها مع الجرعات 21 مليون ليرة، وهي كمّية تغطّي مدّة 56 يوماً من العلاج وتُكرَّر بشكل دوري.

من الأمثلة أيضاً، سرطان الدم المزمة، وتصل تكلفة العلاج منه إلى نحو 6 ملايين و720 ألف ليرة سنوياً، حيث يحتاج مريض هذا النوع من السرطان إلى ثلاثة تحاليل "pcr" بمعدّل وسطي 3 مرّات سنوياً، قيمة التحليل الواحد مليون ليرة، أي 3 ملايين ليرة سنوياً. (يبلغ سعر صرف الدولار الحالي في أسواق دمشق (14850 ليرة).

إضافة إلى تحليل "pcr" بمعدّل وسطي 4 مرّات شهرياً، قيمة الواحد 40 ألف ليرة والكلفة الشهرية 160 ألف ليرة، بينما يتناول المريض أدوية متنوّعة مثل الفيتامينات ومُميّعات الدم وتنظيم حمض البول بنحو 150 ألف ليرة شهرياً.

 

دعم " لا يكفي للمواصلات"

في مطلع العام الماضي 2023، قرّر مجلس إدارة هيئة الإشراف على التأمين التابع لرئاسة مجلس الوزراء، تقديم دعم مادي لمرة واحدة بمبلغ مليون ليرة سورية (نحو 65 دولاراً حسب سعر الصرف الحالي) لكل مصاب بمرض السرطان من موظفي الدولة (النظام) في القطاع الإداري، شرط أن يحمل بطاقة التأمين الصحي لدى المؤسسة العامة السورية للتأمين.

"الملبغ مثير للسخرية، ولا يكفي أجور مواصلات"، تقول المواطنة منتهى السيد علي، مضيفةً لـ"ارفع صوتك" أن المبلغ "يجب أن يكون 50 ضعفاً ليكفي ثمن الطبابة اللازمة لسنة واحدة بالنسبة لمريض السرطان".

ومنتهى (59 عاماً) مريضة بالسرطان في إحدى عينيها منذ نحو 4 سنوات، وتقيم في منطقة جديدة عرطوز غربي العاصمة دمشق، تشرح أن تكلفة العلاجات الشهرية اللازمة مع عملية غسيل العين التي تجريها بمعدل كل شهرين تقريباً، تكلفها بشكل شهري ما يقارب مليوني ليرة سورية.

ومشفى البيروني، بحسب منتهى، لا يقدّم التحاليل أو الأدوية اللازمة لمرضى السرطان بشكل دائم، ففي حال توفّرها يمكن أن يطول الانتظار للحصول عليها أكثر من سنة أحياناً مع الأعداد الكبيرة التي تُراجع المشفى.

بالتالي، ليس أمامها سوى أن تشتري الأدوية وتجري التحاليل اللازمة على نفقتها الخاصة، وأحياناً تضطّر لشراء مواد مهرّبة تأتي من لبنان، إذا ما فُقدت من الصيدليات المحلية.

تتابع: "لولا حصولي على حوالات من ولديّ المقيمين في ألمانيا لخسرت عيني المصابة وعيني الثانية أيضاً.. مريض السرطان هنا راحته في الموت فقط".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".