أيقونات أشهر مواقع التواصل الاجتماعي- صورة تعبيرية
أيقونات أشهر مواقع التواصل الاجتماعي- صورة تعبيرية

شهد العامان الأخيران في مناطق سيطرة النظام السوري، عزوفاً واسعاً عن السعي وراء الوظائف الحكومية، في ظل تدنّي قيمة الرواتب مع الارتفاع الفلكي في نسب التضخم والأسعار، حتى أن الكثير من الموظفين العموميين تركوا وظائفهم، وصار العمل الحرّ سبيل عيش -بالنسبة لهم- أكثر استقراراً وسط جملة من التحديّات.

من الأعمال الحرة، كان التسويق الإلكتروني الذي يمارسه الكثير من السوريين، خصوصاً النساء، ويسهمن عبره في تعزيز دخل العائلة أو على الأقل تأمين النفقات الشخصية

تقول منار جباعي (45 عاماً) من سكان ريف دمشق، إنها وجدت نفسها قبل نحو عامين مسؤولة عن تربية ومصاريف ثلاثة أطفال بعد وفاة زوجها بمرض عضال، فكان التسويق الإلكتروني خيارها لإعالة أسرتها، بعد سماعها نصيحة وتلقّيها المساعدة من صديقتها المقيمة في السعودية.

"صديقتي في الرياض تعمل مسوّقةً إلكترونية في إحدى شركات أدوات التجميل، وفي عام 2023 نصحتني بمزاولة المهنة من البيت، ما يؤمّن لي مورد مالي معقول، وفي نفس الوقت لا أغادر منزلي وأكون بقرب أبنائي"، توضح منار لـ"ارفع صوتك".

وتضيف أن صديقتها لم تنصحها فقط، بل علمتها أيضاً "مبادئ عامة في التسويق الإلكتروني" وأقرضتها مبلغاً ليكون رأس المال الذي تبدأ به مشروعها.

وما تقوم به منار فعلياً، هو التوجّه لمحلّات البيع بالجملة وشراء كافة أنواع مواد التجميل والمستلزمات النسائية، ثم عرضها للبيع على صفحة خاصة بها في مواقع التواصل الاجتماعي.

وأن هامش الربح "قليل" مقارنة بغيرها، كما تقول منار، فقد حظيت صفحتها بانتشار جيد في منطقة سكنها، خصوصاً أنها تقوم بخدمة التوصيل للزبائن، حيث يعينها شقيقها في هذه المهمة عن طريق دراجته النارية.

تتابع: "الأرباح الصافية ليست مرتفعة حالياً، لأن ما يهمني هو استمرار عملي وكسب أكبر قدر من الزبائن. أجني شهرياً حوالي مليون ليرة سورية وأحياناً يزيد المبلغ إلى مليون ونصف، وهو ما يعادل وسطياً راتب عدة موظفين في القطاع الحكومي".

 

تحديّات

الطالبة الجامعية إيمان حاجو، وجدت في مجال التسويق الإلكتروني أيضاً سبيلاً لتوفير مصدر مالي يؤمن احتياجاتها وإعالة أسرتها، خصوصاً أن أخويها الآخرين لدى كل منهما عائلة يتوليّان رعايتها مادياً.

تدرس إيمان (21 عاماً) في كلية الحقوق بجامعة حلب، وراتب والدها التقاعدي لم يعُد يكفي سدّ احتياجاتها مع أمّها وأخيها الأصغر، كما لا يمكنها توفير الوقت للدراسة والعمل بدوام كامل.

تبيّن لـ"ارفع صوتك": "تقوم ابنة عمّي المقيمة في تركيا بإرسال قائمة بأنواع بضائع منزلية مختلفة من خلال عدّة تطبيقات لماركات بموادّ تجميل أو ألبسة نسائيّة أو حتى أغراض منزلية ومطبخية، وأنا أعرضها للبيع في مواقع التواصل".

"تجذب هذه البضائع عادةً فئة من ميسوري الحال، وبعد إرسال طلب الشراء وحجز أي قطعة، تقوم ابنة عمّي بدفع ثمنها وإرسالها عن طريق شركات الشحن لإيصالها إلى الزبونة"، تضيف إيمان.

ورغم أن عدد الزبائن لديها قليل بسبب غلاء ثمن البضائع مقارنة بالمنتجات المحلية، إلا أن بيع قطع قليلة في الشهر "كفيل بأن يؤمّن لها مصاريف الجامعة وشيئاً من احتياجات أهلها" بحسب إيمان، مستدركةً الإشارة إلى وجود عقبات وتحديّات دائمة.

من هذه الصعوبات تأخُّر وصول الشحن فتراتٍ طويلة، ما يدفع المشتري بإلغاء طلبه، بالتالي تتكفل هي بثمن القطعة، وتنتظر ريثما يأتيها زبون آخر.

 

ميزات التسويق الإلكتروني

ولا تحدث مثل هذه الأعمال بالعادة فرقاً اقتصادياً كبيراً في حياة النسوة والفتيات اللاتي يزاولنها، غير أنها كما يقال في العامية السورية "بحصة تسند جرّة"، بحسب الأخصائية الاجتماعية وداد قنواتي.

تقول لـ"ارفع صوتك"، إن ظروف الحرب أجبرت نساء كثيرات على البحث عن مصدر رزق مع وفاة أزواجهن أو غيابهم، أو حتى مع وجود الزوج أو الأخ وعدم قدرتهم على تحمّل تكاليف المعيشة.

وتشرح "ميزة العمل في التسويق الإلكتروني أنه لا يحتاج رأس مال كبيراً، يحتاج فقط إلى جوّال (هاتف محمول) وإنترنت، وإلمام بسيط بمبادئ التسويق، إضافة إلى استهداف الفئات المناسبة".

كما يوفر عن طريق الإنترنت لصاحبة العمل إمكانية البقاء في المنزل مع القيام بتربية الأولاد دون الحاجة للخروج، إضافة إلى أنّ البضائع لا يتمّ عرضها في متجر وما يجرّه ذلك من تكاليف باهظة ودفع ضرائب عالية، بحسب قنواتي.

تتابع: "ربما أصبح التسويق الإلكتروني الطريقة الرائجة للتجارة عالمياً، لكنّه في سوريا لا يزال في خطواته الأولى وصورته البدائية".  

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".