صورة تعبيرية لإحدى النازحات السوريات في مدينة الرقة شمال سوريا- فرانس برس
صورة تعبيرية لإحدى النازحات السوريات في مدينة الرقة شمال سوريا- فرانس برس

قال فريق "منسقو استجابة سوريا"  إن عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في الشمال السوري وصل إلى 4.4 ملايين بزيادة قدرها 11% عن العام الماضي 2023.

وأضاف في بيان بعنوان "مستويات الدخل في الشمال السوري لا تغطي النفقات"، أن النسبة قد ترتفع بمقدار 16.8% حتى نهاية العام الحالي، نتيجة المتغيرات الكثيرة وأبرزها "تغيرات سعر الصرف وثبات أسعار المواد الغذائية على المستوى المرتفع، وزيادة أسعار بعض المواد الأخرى".

ويسعى مئات الآلاف من السوريين اليوم إلى تقليل عدد الوجبات اليومية وكميات الطعام للحصول على المستلزمات الأساسية، حيث وصل عدد الأسر التي خفضت  من حصص طعامها اليومية إلى 74.4%، في حين وصلت النسبة ضمن المخيمات إلى 94.1%، بحسب البيان.

ووصف هذا الأمر بأنه "خطوة جديدة نحو الهاوية وزيادة الفجوات في تمويل الاستجابة الإنسانية في سوريا".

وفق البيان نفسه، ارتفعت نسبة المخيمات التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي إلى 89.3% من المخيمات، و96.4% منها تعاني صعوبات في تأمين مادة الخبز.

 

"وجبة واحدة يوميا"

بعد توقف مشاريع برنامج الغذاء العالمي مطلع العام الجاري، فقدَ مازن التلاوي وظيفته في المنظمة الإنسانية التي كان يعمل بها لمدة أربع سنوات، هو وأكثر من 70 موظفاً آخرين.

ويبحث مازن منذ شهرين عن وظيفة أخرى، إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل، يقول لـ"ارفع صوتك": "معظم المنظمات العاملة في المجال الإنساني قلصت أعداد موظفيها، بالتالي أصبح من الصعب إيجاد فرصة عمل، وحتى من بقي في المنظمات، تم تخفيض رواتبه بسبب انخفاض الدعم".

"لذلك، قلصت أنا وزوجتي عدد وجباتنا، وأصبحنا نعتمد على وجبة واحدة في اليوم، ولكن أطفالي لا أستطيع تركهم من دون وجبتي طعام على الأقل يومياً"، يضيف مازن.

ويؤكد أن حياته "أصبحت أصعب بكثير من ذي قبل" وهو يفكر جدياً بالهجرة من سوريا، مردفاً "هناك الآلاف مثلي".

يتابع مازن: "ترتفع أعداد العاطلين عن العمل بشكل شهري، ولا أعتقد أن الحصول على وظيفة اليوم أمر سهل أبدا. يجب البحث عن حلول أخرى، فأنا لدي عائلة وإذا بقيت على هذه الحال سأصرف كل ما ادّخرته خلال السنوات الفائتة".

 من جهته، يقول حامد شاتيلا، وهو نازح مقيم في مخيم أطمة منذ تسع سنوات، إنه "لا يتذوق اللحم إلا في عيد الأضحى، إذ يحصل عليه ممن يوزعون الأضاحي. ولا يأكل سوى وجبة واحدة يومياً هو وعائلته".

يوضح لـ"ارفع صوتك": "كنا في وضع أفضل بكثير من الآن، وكنا نحصل على عدد جيد من المساعدات، ونستطيع أن نأكل براحتنا، ولكن منذ عامين خفضنا أعداد وجباتنا لوجبتين، ومع بداية هذا العام أصبحنا نأكل وجبة واحدة فقط".

 

"نفتقد للحوكمة الرشيدة"

الإعلامي السوري أحمد العكلة الناشط في مدن شمال غرب سوريا، يفيد أن نسبة البطالة هناك "وصلت لأكثر من 90%" وأن "عدداً كبيراً من المنظمات خاصة الدولية، أوقفت مشاريعها في الشمال السوري".

"هذا الأمر يؤدي لفصل مئات الموظفين والعمال الذين كانوا يعملون في مشاريع هذه المنظمات، ما يرفع التكاليف المعيشية الشهرية"، يضيف العكلة.

ويبين لـ" ارفع صوتك": "هذه المنظمات كانت تدعم معظم موظفيها بسلل غذائية وسلل نظافة شهرية، ومع توقفها ارتفعت الاحتياجات بشكل كبير جدا، إذ توقفوا عن عملهم من جهة، وتوقفت المساعدات التي كانوا يحصلون عليها شهريا من جهة أخرى".

ويشير العكلة إلى وجود عدد كبير من المخيمات اليوم التي توقف عنها الدعم بنسبة 100%، وهذا "سيؤدي للاتجاه للعمل بأعمال غير مشروعة من قبل الأفراد لجلب قوت يومهم، وسيزيد الفقر والسرقات والهجرة، وكذلك الأمراض الجلدية بسبب نقص المياه، ومشاريع الدعم النفسي والاجتماعي والتوعوي أيضا، التي كانت توثر بشكل كبير على الأفراد" بحسب تعبيره.

واقتصاد الشمال السوري قائم بشكل كبير جدا على أموال المنظمات، يضيف العكلة، شارحاً "نحن اليوم في بقعة جغرافية تفتقد للحوكمة الرشيدة، ومعظم الناس تعتمد على المساعدات بشكل شبه كامل، ولا يوجد لديهم أو لدى الحكومة مورد آخر، لا آبار نفط مثل المنطقة الشرقية ولا أي شيء آخر. إذا بقينا على هذه الحال سنصل لمجاعة وكارثة في الأيام القادمة، وإذا لم يتم تدارك الموقف وضخ أموال لمشاريع جديدة ولتشغيل الشباب الذي لجأوا للهروب خارج سوريا".

وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق شؤون اللاجئين (OCHA) قال في تقرير حديث له منتصف مايو الحالي، إن الاحتياجات الإنسانية في سوريا "مستمرة بالارتفاع وهناك فجوات حرجة في التمويل، وتكلفة مرتفعة للتقاعس عن العمل".

ومن المتوقع أن يحتاج نحو 16.7 مليون شخص في سوريا إلى المساعدة الإنسانية، خلال عام 2024، وهو أكبر عدد منذ بداية الأزمة عام 2011.

كما جاء في تقرير "الأوتشا" أن البلاد غرقت في مزيد من اليأس خلال عام 2023، حيث تعرضت لسلسلة من الزلازل في 6 و20 من شهر فبراير أدت إلى مقتل 5900 شخص وإصابة 12800 آخرين.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".