تقديرات تشير إلى أن مليون طفل خارج المدرسة في شمال غرب سوريا- تعبيرية
تقديرات تشير إلى أن مليون طفل خارج المدرسة في شمال غرب سوريا- تعبيرية

يشهد شمال غرب سوريا زيادة في عدد الأطفال الملتحقين بسوق العمل، الذين تركوا المدارس، مدفوعين بالظروف الاقتصادية القاهرة التي يعيشها ذووهم.

وكان المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا، أفاد في تقرير سابق له هذا العام، أن أكثر من مليون طفل وطفلة لا يذهبون إلى المدارس في مناطق شمال غربي سوريا، بزيادة قدرها 200 ألف طفل عن الفترة التي سبقت وقوع الزلزال في 6 فبراير 2023.

وأوضح أن محافظة إدلب سجلت أعلى معدل للأطفال خارج المدرسة بين جميع المحافظات السورية في عام 2024، إذ لا يحصل نحو 69% من الأطفال فيها على حقهم الطبيعي في التعليم.

كما بين التقرير أن 60% من المخيمات ومواقع النازحين لا تحتوي على مدارس أو مراكز تعليمية، مشيراً إلى أن 54 منشأة تعليمية تم تعليقها أو إغلاقها في الربع الأخير من العام الماضي بسبب نقص التمويل.

وأدت إضرابات المعلمين المتكررة بسبب عدم كفاية الأجور، إلى فقدان المزيد من ساعات التعلم، فيما أثرت الهجمات العدائية على 38 منشأة تعليمية منذ شهر أكتوبر الماضي.

وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أعلن في تقرير نشر في فبراير هذا العام، أن عدد الأطفال في شمال غرب سوريا يبلغ 2.31 مليون، منهم 1.21 مليون طفلة و1.10 مليون طفل.

 

تسرب دراسي وأطفال معيلون

تعمل أم يحيى المقيمة في مخيم "أم الشهداء" في ريف إدلب بصناعة المخبوزات، ويقوم ابنها يحيى (8 أعوام)  كل صباح ببيعها على المارّة في الشارع.

تقول لـ"ارفع صوتك" إن طفلها لم يدخل المدرسة قط رغم أنه يتمنى الذهاب إليها والدراسة، فظروف الحياة الشاقة تركتها وأطفالها الثلاثة دون معيل بعد مقتل زوجها منذ أربع سنوات، تاركا خلفه الابن البكر يحيى وطفلين في الخامسة والرابعة من عمرهما.

وتشير أم يحيى، إلا أن الطفلين الآخرين سينضمان لبيع المخبوزات لاحقاً ولن يذهبا كذلك للمدرسة، لأن عائلتها تحتاج إلى مدخول يمكّنهم من العيش بالحد الأدنى.

نلتقي نازحة أخرى، وهي أم ماجد، التي نزحت من حمص وتعيش اليوم في مخيم "أطمة" ولديها ثلاثة أولاد جميعهم في عمر الدراسة، لكنهم يعملون في ورشة للنجارة مع والدهم.

تقول إنها اضطرت هذا العام بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية التي ضربت المنطقة بعد وقوع الزلزال، إلى إرسال أطفالها للعمل.

توضح أم ماجد: "تدمرت المدرسة الوحيدة التي كانوا يدرسون فيها، وارتفعت الأسعار بشكل كبير، ومعظم الأطفال تركوا الدراسة بعد الزلزال، وإذا أردت إرسالهم إلى مدرسة أخرى، فهي بعيدة يلزم أكثر من ساعة للوصول إليها، ويجب أن أتحمّل تكاليف المواصلات".

"ومع ارتفاع الأسعار بشكل كبير هذا العام لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو، اليوم أولادي يعملون ويعيلونني ويعيلون أنفسهم بشكل كبير" تتابع أم يحيى.

وتضيف بحرقة "أعرف قيمة العلم لكنني مضطرة"، مردفةً "عانينا لسنوات منذ أن تهجرنا من مدينتنا، ولم يعد هناك فرق إن دخل أولادي المدرسة أم لا... نريد أن نعيش".

ماجدة القاضي معلّمة في إحدى مدارس مدينة إدلب، تخبر "ارفع صوتك" أن التسرب الدراسي في تزايد منذ سنوات، أما أسباب ارتفاعه هذا العام بالتحديد، فتعود إلى "تبعات الزلزال والفقر وانعدام الأمن الغذائي".

وتضيف "عدد الطلاب الذين درستهم العام الماضي كان 30 في كل صف، وخلال هذا العام لا يتجاوز عددهم في الحصة الواحدة 15 طالباً" في إشارة لتزايد عدد المتسربين من المدارس

.

خسارة اقتصادية

يقول الخبير الاقتصادي السوري أدهم قضيماتي إن الظروف المعيشية والاقتصادية أجبرت الأهالي على زج الأطفال في سوق العمل بسن مبكر جداً، بالإضافة لوجود نقص في الوعي المجتمعي حول النتائج السلبية لتسرب الأطفال من المدارس.

ويعتبر أن تسرب الأطفال "له تأثير كبير على الاقتصاد في شمال غرب سوريا وعلى سوريا بشكل عام، إذ سيفتقر هؤلاء للمبادئ التربوية والتعليمية التي يتلقونها في المدارس، بالإضافة للوعي ومواكبة التقدم التكنولوجي بشكل علمي، مما سينتج عنه قصور في الكوادر التي تمتلك الكفاءة العلمية المتعلقة بالتكنولوجيا، التي ستنعكس على الاقتصاد السوري بشكل سلبي مع اتجاه اقتصاد الكوكب للتركيز على علوم التكنولوجيا" وفق تعبيره.

ويوضح قضيماتي لـ"ارفع صوتك": "هناك  تكاليف طويلة الأمد، جرّاء التسرب من المدارس، على المجتمع، منها انخفاض نسبة التعليم والكفاءات العلمية، وارتفاع نسبة الأمية مع ارتفاع معدل زواج القصّر من الجنسين".

"بالتالي نحن نتكلم عن جيلين بنسبة مرتفعة منهم غير متعلمين، لأن فائدة التعليم غير معروفة عند الأبوين الأميين"، يتابع قضيماتي.

ويزيد: "كذلك سيصبح اعتماد الاقتصاد على القطاعات المهنية البعيدة عن التكنولوجيا والتقدم العلمي، وهذا سيتسبب بخسارة اقتصادية للمنطقة ولسوريا سيكلف تعويضها سنوات وسنوات، وأيضا سيكون هناك تباين مجتمعي وطبقية مقيتة، لأن الوضع الاقتصادي هو الذي سيحدد من سيذهب للمدارس أم لا".

ومن مخاطر التسرب المدرسي وتداعياته أيضاً كما يقول قضيماتي "غياب الوعي المجتمعي بشكل عام، إذ يتعلق بالاستهلاك والإنتاج وبناء المجتمع والبقاء في دائرة العمالة المهنية المنتجة بشكل تقليدي، ما سيزيد نسبة البطالة، ويتسبب في حرمان الأطفال من التعليم ودمجهم في سوق العمل بشكل مبكر بخفض معدل الرواتب، ويعني ذلك زيادة نسبة الفقر".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".