يُعدّ التصوّف أحد أبرز المظاهر والتيارات الدينية السائدة في سوريا، لأن جذوره ممتدّة إلى عهد المماليك والعثمانيين الذين شجّعوا وجود الجماعات الصوفية وتكاثرها، وصولاً لتاريخ البلاد الحديث الذي حظي فيه التصوّف كذلك برعاية السلطات الحاكمة.
ويتّهم معارضون سوريون زعماء ومشايخ في الحركة الصوفية بدعم وتمكين نظام الأسد بعد انقلاب حافظ الأسد على رفاقه عام 1970، وعلى رأسهم المفتي السابق الراحل أحمد كفتارو.
بعدها واجه مشايخ مشهورون في دمشق التهمة نفسها إبّان تسلُّم بشار الأسد مقاليد الحكم، ومن أشهر هذه الشخصيات يأتي الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، وأفراد من عائلة الفرفور.
عاد الجدل حول مواقف شخصيات متصوّفة إثر اندلاع الثورة الشعبية في سوريا عام 2011، واتهمت بالوقوف مع رواية النظام السوري ودعمها والتنديد بالحراك المُعارض الذي اعتبروه آنذاك "فتنة ومؤامرة خارجية".
وتنتشر في سوريا عدّة طرق صوفية يتبعها مئات الآلاف، أشهرها النقشبندية والشاذلية، إضافة إلى الطرق القادرية والرفاعية، ويحظى هذا التيار الدينيّ بما يسمّيه بعضهم "هامشاً من الحرية الدينية" في بلدٍ يسيطر عليه حزب يساري اشتراكي لا يعتدّ بالدين ويحكم بنموذج أقرب للعلمانية.
ويمكن لأتباع الطرق الصوفية عقد حلقات الذكر والمجالس والدروس في المساجد أو في البيوت وما يعرف محلياً باسم الزوايا بإذن مُسبق من السلطات الحاكمة، التي عُرِفَ عنها أنها لا تتهاون في ضبط إيقاع التوجّهات الدينية، لا سيما بعد تمرّد الإخوان المسلمين ضد حافظ الأسد في ثمانينيات القرن العشرين.
أمام هذا الهامش من الحرية الدينية، التزم مشايخ وزعماء الطرق الصوفية بحذر كبير وابتعاد واسع عن ميدان السياسة، كما أوصوا مريديهم بعدم التعاطي مع أي شيء يخص السياسة، حتى اشتهرت وصية تُعدّ الأهم بالنسبة للسالكين الجدد وهي "ابتعد يا بُنيّ عن السين والشين"، في إشارة إلى "السياسة والشيطان".
النمط الديني المفضّل للنظام
على نقيض التيار الداعم للنظام السوري أو "الأقرب للحياد منه"، ظهرت في فترة الحرب السورية أسماء مشايخ متصوفة وقفوا ضدّ النظام منذ البدايات، وأعلنوا اصطفافهم مع مطالب المتظاهرين، على رأسهم الشيخ أسامة الرفاعي والشيخ كريّم راجح، اللذين أسسّا في ما بعد "المجلس الإسلامي السوري" في إسطنبول التركية.
ومنذ سيطرته على الحكم في سوريا، فضّل النظام البعثي بشكل دائم الجماعات الدينية ذات المنهج "السكوني" التي ترى أنه "من السياسة عدم الدخول في السياسة"، ولذلك غَضّ الطرف عن الجماعات الصوفيّة التي تشتغل بتربية المريد وتزكية النفس والأخلاق، كما يقول الباحث السوري في مركز "كاندل" عباس شريفة.
في المقابل، يضيف شريفة لـ"ارفع صوتك"، توجد جماعات سلفية اتخذت النهج نفسه بالابتعاد عن السياسة ووقفت ضدّ الثورات الشعبية، مثل جماعة الألباني التي تعتبر الخروج ضد الحاكم "فتنة".
يشرح: "النظام حرص منذ بداية الثورة ضده على إثارة الرأي العام والمتديّن ضد المنهج السلفي ليروّج لرواية مفادها أن الذين يقومون ضده متشدّدون أو تابعون لتنظيم القاعدة، لذا استفاد بشكل كبير من المشايخ المحسوبين على تيار التصوّف الذين اتبعوا الحياد أو وقفوا معه".
ويشير شريفة إلى أن "المجلس الإسلامي" و"هيئة علماء الشام" وقفا منذ بداية الاحتجاجات مع المطالب الشعبية.
انقسام المتصوّفة
يقول الدكتور عرابي عرابي وهو باحث متخصص في الجماعات الإسلامية، إن "غالبية الجماعات الصوفية وقفت مع النظام (بعد الثورة) ودعمت روايته أو فضّلت الصمت التام إزاء ما يجري في سوريا".
ويضيف أن الانقسام الذي حصل مع الجماعات والتيارات الدينية في سوريا لا يختلف عما حصل مع غالبية فئات الشعب السوري بعد الحرب، مردفاً "أفراد البيت الواحد نجد منهم مؤيدين للنظام وآخرين معارضين له".
ويبيّن عرابي لـ"ارفع صوتك" أنّ "الكثير من أتباع الجماعات الصوفيّة شاركوا في المظاهرات ضد النظام ثم حملوا السلاح في مرحلة العسكرة، مثل (حركة أحرار الصوفية)".
ويلفت إلى أن غالبية مشايخ التصوف يقيمون اليوم في مناطق النظام السوري أو خارج البلاد بسبب "ما فعله تنظيم داعش والجماعات الراديكالية في محاربة الصوفيين والتنكيل بهم إبان سيطرة التنظيم على مناطق شاسعة في سوريا".
التيار التصوفي، بحسب عرابي "يلبّي ولا يزال يلبي الحاجة الروحيّة والدينية لدى غالبية الشعب السوري"، لكنّ نظرة المعارضين للتيار الصوفي "تختلف عن مرحلة ما قبل الحرب، لأن النظام استخدم الكثير من مشايخ التصوف كورقة سياسية واجتماعية في مواجهة الاحتجاجات الشعبية ضده".