تستعدّ مناطق نفوذ النظام السوري لتنظيم انتخابات برلمانية، وفقاً لمرسوم أصدره بشار الأسد بتحديد موعد 15 يوليو موعداً لعمليات الاقتراع.
وتُعدّ هذه الانتخابات الرابعة من نوعها التي جرت بعد عام 2011، وإجراء تغيير جزئي في دستور سوريا عام 2012.
وحدّد المرسوم إجمالي عدد الأعضاء في الدوائر الانتخابية لكافة المحافظات بـ250 عضواً والعدد المخصّص لقطاع العمال والفلاحين بـ127 عضوا مقابل 123 عضوا لقطاع باقي فئات الشعب في مختلف الدوائر الانتخابية، التي تمثّل مناطق سيطرة النظام.
وطالما أثارت انتخابات "مجلس الشعب السوري" جدلاً واسعاً في دوراتها السابقة بعد اندلاع الحرب الأهلية في ظل السيطرات المختلفة على عموم سوريا، وعلى ضوء مقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين داخل وخارج البلاد.
"لا مبالاة"
تعقد الدورة القادمة من الانتخابات البرلمانية مع حالة ثبات في خرائط السيطرة وتوقف عام في المعارك، وكذلك في ظل أوضاع اقتصادية كارثية يعيشها نحو 90% من السوريين وفقاً لإحصاءات أمميّة، نتيجة تهاوي قيمة الليرة وارتفاع التضخّم لمستويات تاريخية غير مسبوقة.
ورغم أن التحضيرات للانتخابات القادمة تجري على قدم وساق في المدن الكبرى الرئيسية، إلا أن الكثير من السوريين يُعبّرون عن حالة لا مبالاة تجاهها، لأنهم يعتبرون أنها مجرد إجراء شكلي في بلد يهيمن عليه النظام الرئاسي، ولا يوجد فيه أية قيمة أو ثقل لعمل البرلمان أو قراراته.
تنتشر في شوارع وأزقة العاصمة دمشق صور ولافتات كبيرة للمرشّحين، بإعلانات تلخّص بعبارة مختصرة البرنامج الانتخابي لكل مرشّح يسعى للوصول إلى قبّة البرلمان، فيما يمثّل موسماً رابحاً بالنسبة لشركات الإعلان فقط، كما يقول حمزة قنواتي، من سكان منطقة البرامكة.
يضيف لـ"ارفع صوتك" أن انتخابات مجلس الشعب "لا تمثل بالنسبة للسوريين سوى حدث عابرٍ لا يحمل أي اعتبار مهم في حياة الناس، الذين يدركون أن أعضاء البرلمان مجرد موظّفين يسعون للحصول على امتيازات مالية واجتماعية خلال فترة السنوات الأربع القادمة".
حتى في فترة ما قبل الحرب، يتابع حمزة "لم تكن انتخابات البرلمان تعني شيئاً، فالمواطن يدرك جيداً أن أعضاءه غير قادرين على إجراء أي تغيير إيجابي في حياة البؤس التي نعيشها" بحسب تعبيره.
قادة مليشيات في السباق
يواجه مجلس الشعب السوري اتّهامات متجددة بأنه مجرّد مؤسّسة من مؤسسات الحكومة، ويعبّر عن نبض السلطة الحاكمة، على عكس ما يحصل عادةً في برلمانات الدول من نقاشات مُحتدمة تحت قبة الاجتماعات الدورية، باعتبار أن النوّاب يمثلون مختلف الفئات الشعبية.
كما يعتقد الكثير من السوريين أن انتخابات البرلمان "غير نزيهة وغالباً ما تخضع لرغبة الأجهزة الأمنية والحكومية".
وعقب وفاة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في يونيو 2000، عقد مجلس الشعب جلسة عاجلة قام فيها أعضاؤه بتغيير دستور البلاد حول شرط السن لرئيس الجمهورية من 40 عاماً إلى 34 عاماً، ليتلاءم مع سنّ بشار الأسد، ويبرّر توريثه الحكم خلفاً لأبيه بشكل قانوني.
ورغم أن الانتقادات للبرلمان السوري رافقت حكم آل الأسد منذ عقود، إلا أن الدورة الحالية استجدّت فيها ظاهرة لافتة، وهي محاولة بعض أمراء الحرب وقادة المليشيات دخول ميدان السياسة عقب فترة هدوء المعارك، حيث رشح عدد منهم أنفسهم بشكل شخصي أو عن طريق تزكية من حزب البعث الحاكم، بحسب الصحافي أحمد المحمد.
ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن عدة محافظات بما فيها العاصمة "شهدت ترشيح قادة مليشيات مسلّحة للبرلمان، في محاولة منها أو من النظام غسل أيديهم عن الانتهاكات التي ارتكبوها طيلة السنوات الماضية، بخلع البدلات العسكرية وارتداء زي مدني من بوابة مجلس الشعب".
ويرى المحمد أن حظوظ هؤلاء المرشحين بالفوز "كبيرة"، لسببين: أولاً، الدعم الرسمي لهم، وثانياً، سيطرتهم على المجتمعات المحلية إما بقوة السلاح أو بالقوة الناعمة عبر توزيع المساعدات المالية والغذائية، في ظل حالة الفقر التي يعيشها السواد الأعظم من السوريين في مناطق سيطرة النظام.
وعن توقيت انعقاد هذه الانتخابات، يقول الكاتب الصحافي حسن النيفي "على الرغم من حالة التشظي والانهيار التي يكابدها النظام السوري، يبدو أنه على الدوام حريص على الظهور بمظهر المتماسك الذي يوحي للآخرين بأنه يحكم بلداً فيه مؤسّسات محكومة بنواظم الدستور والقوانين".
ويضيف النيفي لـ"ارفع صوتك" أن مجلس الشعب في حقيقته "ليس أكثر من أداة مهمتها شرعنة سلوك الحاكم والموافقة المسبقة على ما يريد الحاكم إقراره، ومن هنا يبدو أن بشار الأسد بحاجة إلى هذا الكيان كأداة وظيفية لتمرير وشرعنة سلوكه السلطوي لا أكثر" على حدّ وصفه.
ودورة الانتخاب الحالية، بحسب النيفي، تتضمن ما أسماه بـ"الاستئناس الحزبي"، أي أن الأسد يريد من خلالها "أن يوحي للآخرين بحرصه على وصول أصحاب الجدارة أو الموثوقين من جانب الشعب، علماً أن هذا الإجراء لا يعدو كونه دوراً جديداً في مسرحية قديمة معروفة النتائج".