لجنة انتخابية في دمشق
لجنة انتخابية في دمشق

قبل عام 2011 ارتسمت صورة واحدة لـ"مجلس الشعب السوري" و"الانتخابات" الخاصة باختيار أعضائه، لم تخرج تفاصيلها عن نطاق "الحصانة" والنفوذ الشخصي المقدّم من "الدولة"، والمنسّق بالشراكة بين المحافظ والأجهزة الأمنية.

وبعد اندلاع الحرب في البلاد ظلّت تلك الصورة ثابتة، وتطورت بالتدريج من نقطة تقديم "الولاء" والتصفيق إلى حد إضفاء الشرعية على محطات الجحيم الذي حصد أرواح الشعب، بعدما هزت صرخات "الحرية" النظام السوري ورئيسه بشار الأسد.

ومن المقرر أن تصدر نتائج "انتخابات المجلس"، مساء الاثنين، بعدما بدأ سوريون صباحا عملية الإدلاء بأصواتهم في المراكز التي خصصها النظام في المحافظات والمدن الخاضعة لسيطرته فقط.

ويستبعد النظام في هذه "الانتخابات"، كما اتبع في السنوات الماضية من الحرب، المناطق الخارجة عن سيطرته، وكذلك السوريين المقيمين في خارج البلاد، التي تزيد أعدادهم عن 6 ملايين لاجئ سوري. يقيم القسم الأكبر منهم في تركيا.

ورغم أن النتائج لا تحمل أي مفاجآت ويراها سوريون ومعارضون "محسومة" تثار تساؤلات عن الأهداف التي تقف وراء اتجاه النظام السوري لتنظيمها للمرة الرابعة على التوالي، منذ اندلاع الحرب.

ومع أن جوها العام يشابه إلى حد كبير ذاك الذي خيّم على "الانتخابات الرئاسية" الأخيرة، التي أبقت الأسد على كرسي الحكم، تكمن عدة اختلافات الآن، تتعلق بالتوقيت والظروف و"المآلات المستقبلية"، بحسب ما تحدث خبراء لموقع "الحرة".

"ديمقراطية وإعادة إعمار"

ونشرت وسائل إعلام رسمية صورا لبشار الأسد أثناء مشاركته بعملية التصويت في إحدى مراكز العاصمة السورية دمشق.

كما شارك في التصويت وزير خارجيته فيصل المقداد، ورئيس حكومته حسين عرنوس.

ونقلت الوكالة السورية "سانا" عن المقداد قوله إن "انتخابات مجلس الشعب تعبير حقيقي عن إيمان الشعب السوري بالديمقراطية".

وبدوره أضاف عرنوس وفقا لصحيفة "الوطن" أنهم يتمنون من "المجلس المنتخب أن يكون قادرا على القيام بجميع المهام المنوطة به في المرحلة المقبلة".

وحدد رئيس حكومة الأسد تلك المهام بـ"مرحلة إعادة إعمار سوريا".

لكن ما سبق، بالإضافة إلى "الديمقراطية" التي تحدث عنها المقداد سرعان ما انتفت في جنوبي البلاد، إذ أقدم مواطنون سوريون على حرق وإغلاق غالبية المراكز الانتخابية في محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية.

ورفع السوريون في السويداء أيضا لافتات أكدت على حراكهم السلمي المنادي بإسقاط الأسد المستمر منذ قرابة العام، وعلى القرار الأممي 2254، الذي يضمن انتقالا سلميا في البلاد.

وانتشرت صباح الاثنين أيضا دعوات أخرى في محافظة درعا، جاءت بالتزامن مع تقليل سوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي حديثهم لوكالات غربية من أي تطور أو تحوّل قد يطرأ بناء على "الانتخابات الحاصلة".

"مجلس لا يمثل الشعب"

وتعدّ سوريا من الدول ذات المعدلات الأدنى في العالم من حيث النزاهة والديمقراطية، بحسب تقرير الحريات المدنية والحقوق السياسية، الذي نشرته منظمة "بيت الحرية-فريدوم هاوس" عام 2021، بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة (عام 2020). 

ويؤكد ذات التقرير على "عدم وجود شفافية أو مساءلة تحيط بالعملية الانتخابية الرسمية"، ويقول إن "السلطات التنفيذية تقوم من خلال الأجهزة الأمنية العسكرية بمنح أو حجب الإذن بالمشاركة في الانتخابات في المناطق التي يسيطر عليها النظام".

وبحسب الدستور السوري لعام 2012 فإن "عضو مجلس الشعب يمثل الشعب بأكمله" (المادة رقم 58)، ولكن هذه القاعدة غير صحيحة عمليا، كما تشير منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" في تقرير لها نشر الاثنين.

وتوضح أن "الانتخابات الحاصلة لم تراعِ وجود مناطق ودوائر انتخابية خارجة عن سيطرة الحكومة السورية بشكل كامل أو جزئي، ولا حق أولئك بانتخاب ممثليهم في المجلس، ولا لوجود أكثر من 6.4 سوري خارج سوريا حيث لا يمكنهم الانتخاب". 

وعلى صعيد آخر، سمح القانون رقم 8 لعام 2016 (الذي جاء معدلا لقانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014) للعسكريين وقوات الأمن الداخلي بالمشاركة في الانتخابات (مع وقف حق الترشح خلال وجودهم في الخدمة).

ويزيد ما سبق "من عدد مؤيدي حكومة الأسد الناخبين، ويساهم في زيادة تمثيل فئات محددة من مناصريها على حساب معارضيها"، بحسب المنظمة الحقوقية.

وتشير أيضا إلى أن الانتخابات التشريعية السابقة لعام 2020 كانت شهدت مشاركة عدد من المطلوبين للعدالة أو المتهمين بارتكاب جرائم بحق السوريين (كمرشحين أو فائزين).

ومنهم ضباط وقادة ميليشيات ومجرمين ومذكورين في قوائم العقوبات الدولية وضباط متقاعدين.

وعاد هؤلاء ليترشحوا في "الانتخابات" الحالية، بينهم رجل الأعمال محمد حمشو المدرج على قوائم العقوبات الأميركية والأوروبية، وبلال النعال، وعمار الأسد، أحد مؤسسي ميليشيا "الدفاع الوطني". 

وغيرهم مثل: باسم سودان الذي تسلم ميليشيا "كتائب البعث" في اللاذقية، وفاضل وردة الذي أسس ميلشيا "الدفاع الوطني" في ريف حماة، وحسين جمعة الحاج قاسم مؤسس "لواء السفيرة" الذي قاتل سابقا مع قوات الأسد بدعم إيراني وعمر حسين الحسن مدير المكتب السياسي لـ"لواء الباقر" المدعوم من إيران.

"سلطوية انتخابية"

ويوضح الباحث السوري في مركز "عمران للداراسات الاستراتيجية"، أيمن الدسوقي أن "الأنظمة الديكتاتورية ومنها النظام السوري تلجأ للانتخابات، وإن كانت شكلية ومعروفة النتائج سلفا فيما يسمى (السلطوية الانتخابية)".

ويقول لموقع "الحرة" إنها تحقق 3 أهداف من وراء ذلك، أولها "توجيه رسائل للخارج بأن النظام يحظى بتأييد شعبي، وإن كان بالقهر".

ويذهب الهدف الثاني باتجاه أن الانتخابات سيما التشريعية تمثل "ساحة للمساومة السياسية رغم محدودية دور البرلمان في صياغة السياسات".

ويعني ما سبق "استخدام عضوية البرلمان من قبل النظام كأداة لتوزيع المنافع وموارد الدولة على مواليين، كقادة ميليشيات أو رجال أعمال، ليستخدموها بدورهم لمصحلتهم الشخصية مكافأة لهم لمواقفهم ودورهم، والأهم مد شبكاتهم داخل المجتمع لتعزيز حضور النظام"، وفقا للدسوقي.

ويتابع الباحث أن الهدف الثالث يرتبط بـ"إظهار الفرصة بأن النظام قوي وقادر على التعبئة والحشد لمواجهة أي استحقاق قادم، واستخدام ذلك لتقويض المعارضة غير القادرة على الحشد والتعبئة".

وتفتقد الحقبة الأسدية من عمر الدولة السورية أي "إرث برلماني حقيقي"، كما يضيف الكاتب والناشط السياسي، حسن النيفي.

ومع ذلك يرى أن "إصرار نظام دمشق على مواجهة هذا الاستحقاق التشريعي رغم كل عوامل الخراب  التي تنسف أي من عوامل شرعية الانتخابات البرلمانية" يحمل في طياته الكثير.

"رسائل للداخل والخارج"

ويعتقد النيفي أن "الأسد يريد أن يؤكد لأنصاره ومواليه بأنه انتصر في الحرب على المؤامرة التي تستهدفه، وأن إجراء هذه الانتخابات هو علامة دالة من علامات السيادة وتتويج الانتصار".

وللخارج "يريد الإيحاء لمجموعة الأطراف العربية والإقليمية التي تسعى للتطبيع معه بأنه يسعى بالفعل إلى إجراء خطوات إصلاحية داخل بنية نظامه وأنه يريد ترسيخ عمل المؤسسات في الدولة"، بحسب الكاتب السوري.

ويشير إلى نقطة "أهم" وهي أن "بشار الأسد يريد من الانتخابات إنتاج برلمان مضمون الولاء كالعادة، تحسبا لأي طرح في المستقبل بشأن تعديل الدستور، أو أي طرح لفكرة تمديد ولاية رئيس الجمهورية أو سوى ذلك".

وتوجد رسائل أخرى أشار إليها الباحث السوري الدسوقي، تتعلق بأهداف النظام السوري من "الانتخابات البرلمانية".

وتتعلق الأولى بمحاولة النظام للتمسك بالأكثرية "التي تتيح له حماية نفسه ضمن اللعبة السياسية الراهنة أو ضمن أي مسار تفاوضي مع الدول الخارجية (امتلاك العدد المطلوب داخل البرلمان لتعديل الدستور وضمان ترشيح الأسد لولاية جديدة)".

وعلى أساس ذلك "يمكن تلمس مؤشر بشأن سقف التنازلات الذي يمكن للنظام تقديمه بحيث لا تؤثر على مصيره واستقراره".

ويضيف الدسوقي أن النظام، ومن خلال "الانتخابات" أيضا "يعمل على تأكيد تمثيله للدولة واستقرار عمل مؤسساتها، والإشارة بأن الأزمة انتهت، مما يعزز سرديته بأنه انتصر".

ويمكن قراءة ما ينظمع الآن أيضا من منطلق "استمراره في فرض المقاربة الخاصة به للحل. أي وفق مسار سوري ومن خلال المؤسسات القائمة دونما تدخل خارجي، وبالتالي رسالته بأنه غير معني بالعملية التفاوضية الأممية وفق القرار 2254"، بحسب حديث الباحث السوري.

"مجلس ولاء ومخاوف"

وانتقدت تحالفات سياسية معارضة تأسست خارج البلاد "عبثية" الانتخابات. 

وقال رئيس "هيئة التفاوض السورية"، بدر جاموس، إنها "تكرار لكل الانتخابات السابقة التي تمثّل السلطة الحاكمة وحدها" بغياب تسوية سياسية للنزاع الذي أودى بحياة أكثر من نصف مليون سوري.

وأضاف رئيس "الائتلاف السوري" المعارض، هادي البحرة، أن "أي انتخابات تجري في جزء محدود من جغرافية سوريا، لا تشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بما فيهم المعتقلين، والنازحين، واللاجئين والمُهجرين هي غير حرة وغير نزيهة وغير شرعية".

كما أشار إلى أن "الانتخابات" الحالية "لا تجري في بيئة آمنة ومحايدة تحققها هيئة حكم انتقالية كاملة السلطات التنفيذية، وفق دستور جديد استحقّه السوريين، و تحت إشراف الأمم المتحدة".

ويرى الكاتب السوري النيفي أن "البرلمان وفقا للأسد مجلس ولاء لا يختلف عن أي كيان داخل السلطة يجب أن يكون ولاؤه خالصا له".

ويعتبر أن "البرلمان المزعوم مجرد كليا من محتواه الجوهري. فهو ليس سلطة تشريعية بالمعنى الحقيقي بل مجلس خدمي في أفضل الأحوال".

وثمة تخوفات مشروعة من أن تكون المهمة الأساسية لـ"مجلس الشعب القادم" هي تعديل الدستور حتى يتمكن الأسد من الترشح مرة أخرى عام 2028، كما توضح منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة".

وتشير إلى أن ذلك "أمر سبق أن حدث عام 2000 عندما عدل مجلس الشعب المادة رقم 83 من الدستور في غضون دقائق، وخفض سن الترشح للرئاسة من أربعين عاما إلى أربعة وثلاثين، كي يتمكن بشار الأسد من الترشح للرئاسة".

ثم عاد دستور عام 2012 ليعيد سن الترشح للأربعين عاما، كما كان سابقا.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".