ألواح طاقة شمسية
ألواح طاقة شمسية- تعبيرية

سنوات الحرب الطويلة في سوريا، جعلت الطاقة الشمسية أساسا لا غنى عنه في أغلب مناطقها، خصوصاً الخاضعة لسيطرة النظام. وبات من الطبيعي رؤية ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المنازل.

رغم الحاجّة الملحة والمتزايدة للطاقة الشمسية، إلا أنها ليست بمتناول الجميع، فأقل منظومة للحصول عليها تكلف 2000 دولار، بينما راتب الموظف الحكومي في مؤسسات النظام السوري، لا يتجاوز 20 دولاراً شهرياً.

يقول أدهم  العطار، وهو أستاذ لغة إنجليزية في أحد مدارس العاصمة دمشق، إن من يرغب بتركيب أرخص منظومة للطاقة الشمسية "يحتاج لراتب مئة شهر، أي ثماني سنوات لتغطية تكاليفه، وهذا الأمر يجعل من الصعب تحقيقه إلا لأصحاب الدخل المرتفع والمقتدرين، أو من لديهم أبناء مغتربون يعينونهم على شرائها".

ويضيف لـ"ارفع صوتك" أن اللجوء لألواح الطاقة الشمسية بات "حلاً ملزماً في بلد يشهد انقطاعات متكررة للكهرباء وساعات قطع تصل لـ22 ساعة يومياً".

"حتى أن القصر الجمهوري أصبح يعتمد على الطاقة البديلة، بحسب ما نراه على خرائط غوغل"، يتابع أدهم.

من جهته، يرى مهندس الكهرباء بهيج مرعي، القاطن في الكسوة بريف دمشق، أن "لا حلول لأزمة الكهرباء من جهة الدولة، ويتعين على كل شخص تدبر أموره بنفسه".

يوضح لـ"ارفع صوتك": "كثيرون استغنوا عن المكيّفات (أجهزة التبريد) والبراد (الثلاجة) وسواها من الأجهزة الكهربائية، وعمدوا إلى الإضاءة واستخدام المراوح عبر الليدات (نوع من المصابيح) في البداية، لكنه كان حلا مؤقتا، فلا يمكن لأي شخص أن يعيش دون براد، خاصة في الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة، والحل الوحيد هو اللجوء للطاقة الشمسية".

"ولكن بسبب احتكارها من قبل المتنفذين ارتفعت أسعارها بشكل كبير، كما انتشر التهريب لألواح ومنظومات شمسية لا تخضع لرقابة الجهات الحكومية وجمعية حماية المستهلك، وتتسبب بالكثير من الأعطال والمشاكل التقنية"، يبيّن مرعي.

ويشير إلى وجود طلب كبير على ألواح الطاقة "رغم ارتفاع ثمنها وسوء نوعيات الكثير منها وعدم رغبة البائعين بتبديل أو إصلاح ما تعطل".

ويتلقى مرعي الكثير من الاتصالات من أجل المساعدة في إصلاح أعطال منظومات الطاقة الشمسية، التي يكون سببها عادة "تركيب كابلات رفيعة وغير مناسبة للأحمال، بالإضافة لأنواع التوصيلات سيئة الصنع، أو إنفرترات لا تتلاءم مع المنظومة المركبة، وبطاريات معاد تدويرها تُباع على أنها حديثة" على حد وصفه.

 

حاول العديد من السوريين الذين تحدثنا إليهم أخذ قرض للطاقة الشمسية من البنك المركزي، إذ يقوم  "المصرف التجاري" و"مصرف التسليف الشعبي" بمنح قروض الطاقة الشمسية، ولكن لم يكن الحصول على القرض سهلاً على الإطلاق، إذ كانت الشروط "صعبة جدا ومعقدة"، بحسب قولهم، فما كان منهم سوى الاستعانة بالمغتربين.

تقول كريمة ساعاتي (68 عاما)، من منطقة الصالحية في دمشق، إنها لم تكن مقتنعة بتركيب ألواح الطاقة لتوقعها بتحسن ساعات التغذية التابعة لحكومة النظام، كما أن امكانياتها المادية لا تسمح، فراتبها وراتب زوجها الموظف الحكومي المتقاعد لا يكفيان لشراء بطارية واحدة، كما أن المصارف رفضت إعطاءها قرضاً.

وتضيف "كنت أشتري احتياجات المطبخ يوما بيوم، ولكن أصبح الأمر مرهقا، إذ كبرنا في السن ولا يمكن الذهاب للسوق يوميا لشراء احتياجاتنا، وأصبح ما يتبقى من الطعام يتلف في الصيف".

طلبت ساعاتي من ولدها في السويد تأمين تركيب أقل وأرخص نوع من منظومات الطاقة الشمسية بكلفة 2200 دولار، وهي كلفة مضاعفة عن دول الجوار كلبنان والأردن، حيث لا تتجاوز كلفة نفس المنظومة وهي عبارة عن إنفرتر ولوحين شمسيين وبطارية من نوعية متوسطة الـ800 دولار.

وكان أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة، قال لـ"صحيفة الوطن" المقربة من النظام، إن هناك "طلبا متزايدا على تركيب منظومات الطاقة البديلة مع ازدياد ساعات انقطاع التيار الكهربائي" مشيرا إلى وجود تلاعب كبير في الأسعار.

وأكد "لا توجد ضوابط للأسعار، إذ يُباع اللوح نفسه بفوارق سعرية تصل إلى المليون ليرة بين محل وآخر. والكثير من التجار يحصّلون أرباحاً تصل إلى 100% في القطعة الواحدة".

ولفت حبزة إلى انتشار أنواع كثيرة في الأسواق بجودة رديئة ومجهولة المصدر، وهذا يؤدي إلى "تعرض المواطن للنصب بسبب جهله بتلك الأنواع الموجودة".

وقال "دوريات الجمعية لمست وجود ألواح طاقة غير معروفة المنشأ، وامتناع البائع عن تبديل القطعة أو كفالتها، لأن مصدرها غير قانوني".

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.