أرشيفية لمستشفى "المواساة" في دمشق، الذي يضم أٌساما لغسيل الكلى- تعبيرية
أرشيفية لمستشفى "المواساة" في دمشق، الذي يضم أٌساما لغسيل الكلى- تعبيرية

يُصنّف مرضى غسيل الكلى في سوريا، على أنهم من ضمن الفئات الأكثر هشاشةً والأكثر تأثراً بواقع الحرب المتواصلة هناك منذ 13 سنة.

وتبرز معاناة هذه الفئة من عدة نواحٍ، بسبب حاجة بعضهم إلى غسيل الكلية مرتين أسبوعياً، وارتفاع أجور الغسيل حتى في المشافي الحكومية، إضافة إلى ارتفاع تكاليف المواصلات للوصول إلى المراكز والمشافي المختصّة.

في يوليو الماضي، رفعت الحكومة السورية تكلفة جلسة الغسيل من 963 ليرة سورية إةلى 82500، في إجراء تسبّب بغضب واسع بين السوريين على مواقع التواصل، فوصفوه بأنه "إعدام بطيء" لعشرات آلاف المرضى، الذين باتت تكلفة غسيل كليتهم تحتاج 330 ألف ليرة في الشهر، في حال القيام بها مرة أسبوعياً فقط.

وأورد موقع "أثر برس" المحلّي، أنه تواصل مع مصادر في وزارة الصحة التابعة لحكومة النظام السوري، وأكدت بدورها "رفع تكلفة جلسات غسيل الكلية بعد القرار الصادر عن الوزارة في يونيو الماضي، الذي يتضمن تحديد التعرفة الجديدة للمعاينات الطبية وأجور المشافي".

وإثر شكاوى رفعها مواطنون سوريون لوسائل إعلام ومنصات محلية، عدّلت وزارة الصحة تكلفة غسيل الكلية للمرة الواحدة إلى 15 ألف ليرة سورية في المشافي العامة، بينما تصل التكلفة إلى 300 ألف ليرة في المشافي الخاصة.

 

مرضى يروون معاناتهم

على الرغم من أن المشافي العمومية في مناطق النظام لا تزال ضمن قائمة الدعم الحكومي، إلا أن كثيراً من الخدمات الطبية التي تستلزم مواد وأدوية مرتفعة الثمن، باتت تُقدّم ضمن تعرفة "الاستشفاء الطبي" في المشافي العامة، وفقاً للقرارات الجديدة القاضية برفع رفع المعاينات وأجور المشافي بنسبة 600%.

في تصريح خاص لصحيفة "الوطن" المقربة من النظام، وصف مصدر مسؤول في وزارة الصحة التعرفة الجديدة بأنها "تنسجم مع الواقع الراهن، وتشمل الوحدات الطبية وتعرفة الطبيب والخدمات المقدمة في كل المشافي الخاصة والعامة".

ومع خفض تكلفة غسيل الكلية إلى 15 ألف ليرة، يبقى ذلك مبلغاً كبيراً بالنسبة لأشخاص يضطرون للقيام بعملية الغسيل مرتين أسبوعياً، كما يحصل مع إنعام الموسى، من سكان منطقة مساكن برزة في العاصمة دمشق.

تقول إنعام (56 عاماً) لموقع ارفع صوتك إنها مُلزمة بغسل كليتها مرتين أسبوعياً على الأقل، بسبب تطور وضعها الصحي منذ نحو عامين. ومع السعر الجديد ستبلغ التكلفة الشهرية 120 ألف ليرة سورية، هذا باستثناء الأدوية التي تكلفها أكثر من 100 ألف ليرة شهرياً.

تضيف "لولا لجوئي لبعض الجمعيات الخيرية لفارقت الحياة منذ زمن، لأن راتب زوجي بالكاد يصل إلى 400 ألف ليرة، وعلاجي وحده يأكل أكثر من نصف الراتب".

لا يقتصر الأمر على تكلفة جلسات الغسيل والأدوية اللازمة فقط، إذ يتحدث بعض المرضى عن إشكالية أكبر، وهي الازدحام الشديد على مراكز الاستشفاء العمومية، بسبب إحجام الغالبية عن اللجوء للغسيل في المشافي الخاصة.

يقول سليمان برهوم وهو من سكان العاصمة دمشق، إن المئات يلجؤون لغسل كلاهم في مستشفى "المواساة" بحي المزّة، الأمر الذي يجعل الحصول على دور أسبوعي "أشبه بالمُعجزة" على حد تعبيره.

ويشرح سليمان (64 عاماً) لـ"ارفع صوتك": "أضطرّ لدفع مبالغ مختلفة في كل مرة لبعض الموظفين لتأمين عملية غسيل كلّ عشرة أيام. يجب أن أقوم بالغسيل كل أسبوع، غير أني أُطيل المدة لتقليل التكلفة العالية".

من جانبها، تعاني عفراء الجابر (58 عاماً)، من معضلة إضافية تتعلق ببعد المسافة بينها وبين أقرب مشفى يضمّ أقساماً لعمليات غسيل الكلى، في ظل عدم وجود مشافٍ حكومية في المنطقة التي تقطنها.

تسكن عفراء في منطقة صحنايا بريف دمشق، وتقول لـ"ارفع صوتك" إن موعدها الأسبوعي لغسل كليتها في مشفى "المجتهد" يُحدّد دائماً في الساعة الثامنة صباحاً "وفي هذا الموعد يستحيل تماماً إيجاد وسيلة نقل عامة، مع كثرة الازدحام خلال فترة ذهاب الموظفين إلى دوائرهم".

لذلك تلجأ لاستجار تاكسي في الذهاب والإياب بتكلفة نحو 100 ألف ليرة أسبوعياً، ما عدا تكلفة الجلسة والأدوية اللازمة. تقول عفراء "المرضى في هذا البلد لا سيما مرضى السرطان وغسيل الكلى، هم أموات مع وقف التنفيذ".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".