جانب من الاحتجاجات السلمية التي تشهدها السويداء
جانب من الاحتجاجات السلمية التي تشهدها السويداء- أرشيفية

الحرة- ضياء عودة- على مدى عام مضى لم يتمكن حراك محافظة السويداء السورية من تحقيق التغيير السياسي المنشود أو حتى تحقيق مكاسب الشعب الآنية المتمثلة بلقمة العيش، لكنه ثبّت حالة تكمن في إحياء وتثبيت "سردية الثورة" التي انطلقت بعد 2011 وقابلها النظام السوري بالعنف والقتل.

وإلى ما هو أبعد من ذلك، حسبما يقول ناشطون سياسيون لموقع "الحرة" فقد كشف الحراك عن "زيف ادعاءات النظام"، وكسر الصورة التي حاول أن يرسخها رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال السنوات الـ13 الماضية، من منطلق أن كل من يخرج ضده عبارة عن "مجموعات إرهابية".

قبل 12 شهرا غيّر الأهالي في السويداء ذات الغالبية الدرزية اسم ساحة "السير" إلى "ساحة الكرامة" وحددوا موعدا يوميا وأسبوعيا للخروج والتعبير عن مطالبهم. ورغم أن صيحاتهم تعالت أولا بعد شرارة رفع الأسعار والتضييق المعيشي سرعان ما اتضحت ملامح من الغضب الكامن.

ومن المطالب المعيشية إلى السياسية انتقل السكان ومن مختلف فئاتهم المجتمعية في ساحة "الكرامة" إلى المناداة بإسقاط النظام ورئيسه الأسد، وكانوا يطالبون أيضا بتطبيق قرار مجلس الأمن الخاص بالحل السياسي في البلاد، والمعروف برقم 2254.

هتفوا كثيرا وما يزالون لكافة المناطق السورية وحملوا مختلف الأعلام، وعبروا عن تضامنهم مع جميع السوريين، وفي غضون ذلك كانوا يرسمون "صورة الوجه الحقيقي للسوريين"، كما تقول الناشطة السياسية، ميساء العبد الله لموقع "الحرة".

ويضيف الكاتب والباحث السياسي، الدكتور جمال الشوفي أنهم ثبتوا مجموعة من النقاط الأساسية، وعلى رأسها التظاهر السلمي "كرافعة للحل السياسي الوطني، سواء في السويداء أو بقية المحافظات السورية".

 

"صداع النظام وتساقط الرموز"

لم يكن حراك السويداء السلمي الذي شهدته السويداء خلال عام مضى أول التجارب التي عاشتها المحافظة وخرج فيها الشعب هناك، ومع ذلك كان الأشد زخما على صعيد المشاركة والمطالب والحالة العامة التي رسخها بالتدريج.

وكان أكثر ما ميزه انخراط الشبان فيه من نساء ورجال، وإقدام رجال دين كبار من الطائفة الدرزية على الابتعاد عن "التموضع في المنتصف"، ليقف ويؤيد اثنان منهما (يوسف الهجري وأبو حمود الحناوي) المطالب الشعبية بالديمقراطية والحرية والكرامة.

المشاركة تلك أعطت دافعا قويا للبقاء في الشوارع يوميا وبشكل أسبوعي، وشكّلت في منحى ما نوعا من الغطاء والدعم من الخلف.

وفي المقابل عززت "صداع" النظام السوري، الذي عجز عن الخروج منه، على الرغم من أنه اتخذ موقفا وكأنه "خارج التغطية" كما يتم تداوله بين أوساط السكان.

لم يبدِ النظام السوري منذ انطلاقة الحراك السلمي أي بادرة إيجابية أو سلبية، والتزم بسياسة واحدة قامت على "عدم التعليق".

وبينما كانت وسائل إعلامه وصحفيون مقربون منه يتخذون مسارا هجوميا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، شهدت المحافظة عدة تطورات عنيفة أسفرت عن قتلى لكنها لم تتدهور إلى حد انزلاق الشارع للعنف.

أحد القتلى الذين كانوا يتصدرون المظاهرات هو جواد الباروكي ومرهج الجرماني قائد "لواء الجبل"، الذي قضى على فراش نومه في منزله، قبل أسابيع.

القيادي القتيل هو قائد فصيل "لواء الجبل" مرهج الجرماني - المصدر: شبكة راصد.
وحصلت حوادث أخرى مثل إقدام النظام السوري على تثبيت حواجز أمنية في مدخل المحافظة وإطلاق الرصاص على رؤوس المحتجين عندما كانوا يزيلون صور بشار الأسد وينثرون التقارير الموجودة في أدراج المكاتب التابعة لـ"حزب البعث".

ويوضح الأكاديمي، جمال الشوفي أن النظام السوري ومنذ انطلاقة الحراك أدرك أنه في موقف "صعب"، كونه يواجه "امتدادا شعبيا من أقليات لطالما ادعى أنه يحميها زورا وبهتانا"، على حد تعبيره.

وكان لديه فكرة تقوم على أن أي مواجهة عنيفة ضد المتظاهرين "ستنقلب عليه بالعكس في المجتمع الدولي"، مما دفعه للعب على "وتر الخلافات الداخلية".

لكن الشوفي يقول لموقع "الحرة" إن الحراك السلمي في السويداء أبدى ميزة إيجابية، من خلال قدرته على التحكم بتحرشات النظام السوري وافتعالات عصاباته.

كما عمل على دحض الفكرة التي يصدرها النظام كجهة "ديمقراطية".

ويتابع الشوفي مردفا: "الحراك أعلن على الملأ أن النظام أباد الشعب السوري"، وأنه "ديكتاتوري ومستبد".

 

"زخم أقل ونفس طويل"

مدّة الـ12 شهرا من التظاهر لا تعتبر شيئا عابرا وخاصة في سوريا، كما يرى الأكاديمي الشوفي والناشطة المدنية، ميساء العبد الله، وهي الممرضة المتقاعدة والتي انخرطت في التظاهرات منذ اليوم الأول.

وبينما لا يقلل الاثنان من مسار الاستمرارية يوضحان أن طبيعة "المقبل والمتوقع" تطلق العديد من التساؤلات الكبيرة والمفتوحة.

وكان زخم المظاهرات قد انخفض خلال الأشهر الأربعة الماضية، لكن "ساحة الكرامة" لم تكن ليوم دون متظاهرين.

ويعتقد الشوفي أن "تراجع الزخم يدل على الوضع الاقتصادي المتردي للناس وانشغالها بهمومها اليومية".

وفي حين كانت هناك أحلام كبيرة لم تكون الصورة تسير في المقابل باتجاه "الواقع الموضوعي المعقد للمسألة السورية"، بحسب الشوفي.

العبد الله من جانبها تشير إلى "وجود خشية على الحراك، وإمكانية استثماره وجره لتبعية دينية أو طائفية أو إيديولوجية، ومن الممكن توقفه بأي لحظة نظرا لكثرة الضغط والشد فيه".

لكنها تعتبر أن "البذور التي زرعها لا يمكن إزالتها، وهي تأسيس لحالة ديمقراطية يمكن البناء عليها والعبور من خلالها لمشاركة سياسية للإنسان السوري، وثم الوصول إلى دولة مواطنة يسودها القانون والقيم الإنسانية".

 

ماذا حقق الحراك؟

بوجهة نظر الباحث السياسي الشوفي ثبت الحراك مجموعة من النقاط.

وإلى جانب تأكيده على التظاهر السلمي كرافعة للحل السياسي الوطني عزز فكرة عدم الانجرار للعنف مع السعي للخروج من المعادلات الإقليمية.

وكان أبرز ما حققه أيضا بحسب الشوفي "التمسك بالحل السياسي بمرجعية القرارات الدولية مثل 2254 وجنيف 1، والتأكيد على أهمية الأثر الدولي في الملف السوري".

ويتوقع الباحث أن "يعيد الحراك ترتيب أوراقه بالتشارك مع بقية السوريين في المرحلة المقبلة، والانفتاح عليهم بشكل جماعي".

ويأتي ذلك من منطلق التأكيد على سردية الثورة في 2011، وبأن "سوريا دولة لكل السوريين ورافعة الحل فيها هو السلمية واستبعاد الحل العنفي، حتى لو اضطر الأمر للدخول لمفاوضات طويلة مع الدول الراعية للنظام كروسيا"، وفقا لذات المتحدث.

"الحراك نموذج ديمقراطي قابل للنجاح وللفشل"، كما تعتبر الناشطة العبد الله.

وتوضح أنه "استطاع أن يوصل صوت السوريين الصافي البعيد عن التبعية والإيديولوجية والتطرف".

كما نقل "الملف السوري من الاستعصاء إلى المحافل الدولية، وأسس لحياة سياسية ومشاركة لن يستطيع أحد أن يسلبها، وكانت قد غابت عن السوريين لأكثر من 50 عاما"، وفق حديث الناشطة.

وتشير العبد الله أيضا إلى أن "الحراك أظهر الوجه الحقيقي للسوريين، الذين يطمحون لدولة مدنية يسود فيها القانون والدستور يكون فيها الإنسان هو الأهم".

ومن جهته يعيد الشوفي التأكيد على ما سبق، ويعتبر أن ما حققه الحراك في المحافظة هو أنه "أعاد إحياء الملف السوري عربيا ودوليا، من أجل الوصول لاستحقاق التغيير السياسي".

ورغم أن التغيير في ظل الظروف الحالية ليس بالأمر السهل يعتبر الباحث السياسي أنه يوجد الكثير من الأمل.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".