تعبيرية لإحدى اللافتات في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري
تعبيرية لإحدى اللافتات في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري

الحرة- ضياء عودة- منذ تاريخ انعقادها الأول في القاهرة، في أغسطس 2023، تسلطت الأضواء كثيرا على لجنة الاتصال العربية الخاصة بسوريا وعلى الدور المناط وأعمالها، وما إذا كانت ستنجح في إحداث خرق عام على المشهد الداخلي البلاد، ولاسيما السياسي منه.

ومع اجتماع أطرافها الستة للمرة الثانية في العاصمة المصرية، الثلاثاء، تثور تساؤلات عما قدمه النظام السوري للدول المعنية بالتواصل معه، سواء على صعيد عملية "خطوة مقابل خطوة"، أو فيما يتعلق بالملفات التي ارتبطت به داخليا، وكان لها ارتدادات واسعة في الخارج

اجتماع اللجنة جاء على هامش جلسة القمة العربية لبحث التطورات المتعلقة بغزة، شارك فيه وزير خارجية النظام، فيصل المقداد ونظرائه في العراق والأردن والسعودية ولبنان ومصر، وبحضور الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط.

وقال بيان نشرته الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إن "لجنة الاتصال قررت تشكيل فريق من الخبراء لدراسة الموضوعات التي تتابعها مع سوريا"، وأضاف أيضا أنه "تم التوافق أيضا على أن يكون الاجتماع المقبل في بغداد"، دون تحديد موعد محدد.

وكان من المقرر أن يعقد الاجتماع الثاني للجنة الاتصال في وقت لاحق من العام الحالي، لكن فشل النظام في الرد على الأسئلة المتعلقة بتهريب حبوب "الكبتاغون" وقضايا أخرى دفع أطرافها إلى تأجيل موعد الانعقاد، كما ورد في تقرير تحليلي نشره "معهد واشنطن"، شهر مايو الماضي.

وأوضح تقرير المعهد الأميركي، قبل 4 أشهر، أن عملية التأجيل لم تكن لمرة واحدة فقط خلال الأشهر الماضية، بل تم اتخاذ قرارها لأكثر من مرة (آخرها في مايو الماضي)، ورغم ذلك "فشل النظام في تقديم رد مكتوب على الأسئلة الموجهة له".

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي السوري، عمر كوش، أن اجتماع الثلاثاء يعتبر "روتينيا" كونه انعقد على هامش الجلسة المخصصة لبحث التطورات في غزة، ويرى أنه "لم يسفر عن شيء.. وربما عقد لكي يقال إن اللجنة مازالت حيّة".

ويعتبر كوش في حديثه لموقع "الحرة" أن "لجنة الاتصال دفنت منذ الاجتماع الأول، عندما تبين أن النظام لم يقدم أي شيء على المستوى السياسي أو بخصوص مشكلة اللاجئين وتهريب حبوب الكبتاغون إلى الدول العربية، وفي مقدمتها الأردن".

ويضيف أن "اجتماع اللجنة السابق كان مقررا في بغداد لكنه ألغي"، وأن "الاجتماع الثاني لا يدخل في أي مسار لعمل لجنة الاتصال بحد ذاتها".

لكن، ومن جهته، يقول المحلل الجيوسياسي الأردني، الدكتور عامر السبايلة إنه "مازالت هناك قناعة واضحة حول رغبة الدول العربية بإعادة دمشق إلى المعسكر العربي".

وبالتالي يضيف السبايلة لموقع "الحرة" أن "كل ما يجري الآن (بما فيها اجتماع لجنة الاتصال) هو عبارة عن استمرار لهذه العملية".

وحتى لو كان المسار العربي مع دمشق بطيئا يشير في المقابل إلى أن "القناعات العربية لم تتبدل ولم تتحول إلى حالات عداء ولم تتحول لقطع علاقات أو تصعيد"، وفق الخبير الأردني.

"خطوة دون خطوات"

وكانت المبادرة التي أدت لعودة النظام السوري "للحضن العربي" تضمنت خمس أولويات أساسية يتعين إنجازها من خلال لجنة الاتصال الخاصة بمواصلة الحوار مع النظام السوري.

وتشمل النقاط الخمس زيادة وتوسيع نطاق تسليم المساعدات الإنسانية في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين على نطاق واسع، وإنهاء إنتاج وتصدير المخدرات غير المشروعة من سوريا.

ويضاف إليها ضرورة استئناف عمل اللجنة الدستورية والتوصل لحل سياسي بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي، فضلا عن إنشاء هيئة أمنية دولية لتنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب في سوريا.

ولم يقدم النظام أي بادرة حتى الآن على صعيد عودة اللاجئين وتهيئة الظروف في البلاد لاستقبالهم بصورة آمنة. ورغم أن وتيرة عمليات تهريب "الكبتاغون" انخفضت نسبيا لا يزال الجيش الأردني يعترض شحنات من الجو والأرض.

وعلى الصعيد السياسي كان النظام اتجه مؤخرا لتنظيم "انتخابات برلمانية"، متجاهلا أصوات ملايين السوريين النازحين في البلاد، واللاجئين في الخارج.

وفي غضون ذلك لم يبد منذ تاريخ اجتماع اللجنة الأول، وحتى الآن، أي موقف إيجابي على صعيد استئناف أعمال اللجنة الدستورية، فيما يصر على ضرورة انعقادها خارج جنيف، بزعم أنها "غير حيادية"، مؤيدا بذلك نظرة موسكو.

ويعتقد الكاتب والصحفي، المقيم في دمشق، عبد الحميد توفيق، أن "الجانب السوري لم يقدم حتى الآن استجابة لما يعلن من متطلبات أو شروط عربية، على كل الصعد".

ويوضح لموقع "الحرة" أن سبب ذلك "ذاتي"، ويتمثل بأن "السلطة السورية لا ترى أنها ملزمة في تقديم مثل هذه القضايا ولا تعتبر أنها الوحيدة المطلوب منها".

كما لا يريد النظام السوري أن يوحي بناء على واقع الحال في سوريا بأنه "ضعيف"، وفق توفيق.

ويشير الكاتب، من جانب آخر، إلى أن "ما يتحدث به بشار الأسد في كثير من الأحيان يؤكد على أن علاقات دمشق الأنجح والأفضل مع الدول العربية يجب أن تكون ذات طابع ثنائي وليس علاقات على مستوى جامعة الدول العربية".

ويبدو أن النظام يدرك هذا الأمر، ووفقا لتوفيق "يريد الأسد أن يحاكي مصالح كل دولة عربية على حدى وبما ترغب به".

"عامل عدم استقرار"

وقبل الاجتماع الثاني للجنة الاتصال العربية أعادت المملكة العربية السعودية فتح سفارتها في المقر الرئيسي بالعاصمة السورية دمشق.

لكن، وفي مقابل ذلك، لم يكن الزخم السعودي منسحبا على بقية الأطراف العربية التي يتولى وزرائها تنفيذ مهمة الحوار الخاصة باللجنة، كالأردن ومصر.

وفي حين أن ذلك يشي بتباين مواقف كل دولة على حدى مع النظام السوري وكما يؤكده الكاتب السوري توفيق سابقا يعتقد الخبير الأردني السبايلة أن المشهد يذهب باتجاه مغاير.

ويقول السبايلة إن "السعودية هي البلد الأهم في السياسة العربية والأثقل والأكبر، والقادرة على توجيه البوصلة"، وإن مشهد افتتاح سفارتها قبل أيام يشير إلى أن "فكرة ضم سوريا للمعسكر العربي ما تزال قائمة".

ومع ذلك يوضح أن "إحداث تغيير حقيقي عربي في العلاقة مع سوريا يظل صعبا اليوم، ولاسيما في ظل المناخ الموجود ومرحلة الحرب التي تعتبر البلاد أحد جبهاتها".

ومن الواضح، حتى الآن، أن النظام السوري وفي الجانب غير المعلن "استطاع إبقاء خطوط التواصل مع الجميع، وأن يقدم شيئا غير منظور، مما يعزز الإيمان لدى البعض من الدول العربية، في موضوع إخراج سوريا من عزلتها"، وفق السبايلة.

لكن الخبير الأردني يضيف أن "المسار سيكون تدريجيا، نظرا لظروف الحرب القائمة في المنطقة".

وتختلف وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي كوش عما أشار إليه السبايلة.

ويعتبر الكاتب أن "النظام يحاول أن يستثمر ويفتح بازار وهمّه الدائم البحث عن منقذ لإخراجه من الأزمة الاقتصادية الخانقة في مناطق سيطرته".

وفي ذات الوقت فإن النظام "ليس مستعدا لأن ينخرط بأي حل، باعتبار أن تهريب الكبتاغون يؤمن له ولأزلامه ورموزه وحاشيته مبالغ خيالية"، بحسب كوش.

ويتابع: "بمعنى آخر.. النظام عامل عدم استقرار في المنطقة، ولا يمكن أن يكون غير ذلك لأنه سينتهي وبالتالي هو لا يريد إنهاء نفسه بنفسه".

3 عوامل تُحكم مسار الاتصال

وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، حضر القمة العربية التي نظمت بشكل استثنائي في الرياض في نوفمبر الماضي، وألقى كلمة حينها أمام الزعماء العرب، أكد فيها أن الانتقال "من حضن لآخر" لا يعني تغيير "انتماء" الإنسان.

وبعدما شكك بفعالية جامعة الدول العربية، آنذاك، شدد على ضرورة تطوير آلية عماها ومراجعة ميثاقها ونظامها الداخلي، وتطوير آلياتها "تماشيا مع العصر"، على حد تعبيره.

ورغم حضوره مجددا في المنامة، مايو الماضي، لم يخصص له وقت لإلقاء الكلمة أمام الزعماء العرب.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي توفيق أن الواقع يشير إلى أن مجريات العلاقة السورية العربية محكومة بـ3 عوامل.

ويوضح أن الأول "سوري ذاتي داخلي مرتبط بالسلطة السورية والدولة والقيادة".

ويتمثل الثاني، وهو "موضوعي"، بعدم قدرة أي طرف عربي على اتخاذ موقف مشترك، باستثناء الذي تم التعبير عنه شكليا عندما عادت دمشق لمقعدها في الجامعة العربية.

ويتابع توفيق، من نقطة ثالثة، أنه يوجد "عامل آخر حقيقي وواقعي ويحرك كل ما سبق، ويرتبط بالولايات المتحدة  وصراعها القائم مع روسيا في كل ساحات العالم".

وفيما يتعلق بخطوة فتح السفارة السعودية، يعتقد توفيق، المقيم في دمشق، أنه دليل على أن "العلاقات السياسية تنمو وتطرد".

لكنه في المقابل يقول إن الخطوة أمام "سؤال كبير.. ماذا بعد؟ وهل يمكن للسعودية أن تقدم احتياجات تراها سوريا مهمة".

وبالإضافة إلى ما سبق، يبرز سؤال أكبر بحسب تعبير الكاتب السوري هو: هل تستطيع الرياض أن تقدم لدمشق أو تتبنى مواقف قادرة على محاكاة الأميركيين وتليين موقف واشنطن؟

ولا يرى المتحدث "آفاقا كبيرة وواعدة في الاتجاه المذكور، باستثناء احتمال وجود علاقات ثنائية لن تصل لمراحل متقدمة يتمناها الشعب السوري ويبنى عليها أو أن تكون نقطة تحول على الساحة السورية".

"تكتيك"

ومن جهته يوضح الخبير الأردني السبايلة أن ما يفعله النظام عبارة عن "تكتيك".

ويقول إن (الأسد) "يعلم أن إيران لا تستطيع أن تقدمه للمجتمع الدولي وترفع عنه العقوبات، بل تعمّق أزمته".

وبالتالي فإن النظام السوري "بحاجة لنوع من التوازن، لأن الدول العربية وعودته للجامعة جعلت له مساحة لفكرة الانتقال للحديث مع المجتمع الدولي وإزالة العقوبات".

ويضيف السبايلة: "النظام يعلم أن مصلحته الحقيقة في فك العزلة مع الدول العربية وليس مع إيران غير القادرة على مساعدته، ويمارس أيضا ذات السياسة مع تركيا لكن وفقا لشروطه ومصالحه".

والموقف السوري المتعلق بإيران سواء قبل 2011 وما بعد هذا العام ما يزال على حاله، وفق حديث الكاتب توفيق.

ويوضح الكاتب أن "دمشق الآن ما زالت على ثوابتها، ولا تبد أي مرونة في التوجه العربي بالابتعاد عن إيران، لأنها تعتبر ذلك جزءا أساسيا من قرارها السيادي والسياسي".

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.